كان هناك نحو 40 شخصاً في الدورة التدريبية التي حضرها المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بيليغرينو عندما كان لاعباً في صفوف فالنسيا الإسباني عام 1999، وكان بيليغرينو يريد أن يعرف السبب الذي جعل هذا العدد الكبير يحضر هذه الدورة التدريبية، ولذا فعل الشيء الذي يفعله دائماً منذ ممارسته كرة القدم في الأرجنتين وهو صغير؛ سأل وانتظر سماع الإجابة.
كان لكل من المشاركين إجابته الخاصة، لكن عدداً قليلاً من تلك الإجابات كانت تلائم شخصية وطريقة تفكير بيليغرينو. فبالنسبة للبعض، كانت الدورة التدريبية مجرد شيء يقومون به، في حين كانت بالنسبة لآخرين طريقة للحصول على المال أو مجرد وظيفة. لكن الأمر لم يكن كذلك بكل تأكيد لبيليغرينو، الذي سأل أحد أصدقائه في الدورة التدريبية عما إذا كان سيقبل تدريب نادٍ صغير يلعب في دوري الدرجة الثالثة، وقال له صديقه: «لا»، فرد عليه بيليغرينو قائلاً: «إذن التدريب ليس مهنتك». لكن الشيء المؤكد هو أن هذه هي بالطبع مهنة بيليغرينو، الذي قال ذات مرة: «لم أكن لأغادر منزلي مطلقاً لولا كرة القدم». وقال أحد اللاعبين الذين لعبوا إلى جوار بيليغرينو من قبل إن كرة القدم هي حياة بيليغرينو، في حين قال هو للاعب كان يدربه إن كرة القدم منحته الفرصة لكي يعبر عن نفسه.
لقد ظهر بيليغرينو كلاعب وتطور مستواه بمرور السنوات، لكنه كان مديراً فنياً حتى وهو ما زال يلعب كرة القدم. وقال المدير الفني السابق لمانشستر يونايتد لويس فان غال ذات مرة: «سوف يكون مديراً فنياً عظيماً». ولا يعرف عن فان غال حبه للمجاملات، وقد كان على حق تماماً فيما قاله عن بيليغرينو. ولم يكن بيليغرينو يؤمن بأنه لاعب كبير، فقد كان طويلاً للغاية ونحيفاً وغير رشيق، وكان يعاني من مشكلات صحية في ظهره، لكنه كان يملك شيئاً ما يحظى باحترام وإعجاب زملائه الذي جعله ينتقل إلى برشلونة وفالنسيا وليفربول، قبل أن يتجه للتدريب ويتولى الآن تدريب نادي ساوثهامبتون الإنجليزي. يقول روبرتو أيالا، الذي لعب معه في مركز قلب الدفاع: «إنه يدفعك دوماً للتفكير».
وقال حارس المرمى سانتي كانيزاريس، الذي لعب مع بيليغرينو في فالنسيا الإسباني: «إنه ينقل خبراته لأي شخص، فهو يستمع للآخرين ويقدم النصيحة لهم ويحلل ما يقال ويفهم ما يقوله الآخرون جيداً، فهو يعد من الناحية العملية طبيباً نفسياً. إنه لم يكن أفضل قلب دفاع في الفريق، لكنه كان قلب الدفاع الذي يريده المدير الفني». وأضاف: «كان موقفه إيجابياً دائماً، ولم يكن يغار من الآخرين إطلاقاً، ولم يكن يغضب، وكان يفكر دائماً وأبداً في مصلحة الفريق. كان يفهم مهام مركزه من الناحية التكتيكية على أكمل وجه، وكان لا يتوقف عن التفكير في الفريق، كما كان على قدر المسؤولية دائماً. كان يشعر بالعار عند الخسارة، ولم أرَ مثله سوى عدد قليل للغاية من اللاعبين. كان يملك 3 أشياء: تواضع كبير، واحترافية متناهية، والشيء الثالث هو أنه لم يحتفل بالفوز مطلقاً».
وقال بيليغرينو ذات يوم: «كرة القدم هي مدرستي في الحياة، لكن كان لدي قصور كبير كلاعب، وهو أنني لم أستمتع بكرة القدم». والآن، يؤمن المدير الفني الأرجنتيني بأنه قادر على مساعدة اللاعبين على الاستمتاع بكرة القدم، وقد تغيرت شخصيته قليلاً، لكن هذه الفكرة قد لعبت دوراً في تشكيل شخصيته. وقال بيليغرينو: «الرفض المجتمعي الذي تشعر به في الأرجنتين عندما تخسر يجعلك تبذل قصارى جهدك من أجل الفوز». يقول كانيزاريس إنه سأل بيليغرينو قبل المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا عام 2001، قائلاً: «ماذا ستفعل لو فزنا باللقب؟ كيف ستحتفل بذلك؟»، ورد بيليغرينو قائلاً: «اللعنة، دعنا نفوز أولاً!».
وكان بيليغرينو يلقب دائماً بـ«الرجل النحيف» في كل مكان لعب به، ما عدا نادي برشلونة، الذي انضم إليه عام 1998، حيث كان يوهان كرويف هو النحيف الوحيد في النادي. لم يلعب بيليغرينو مطلقاً تحت قيادة كرويف، لكنه لعب تحت قيادة فان غال، الذي سرعان ما رأى شيئاً مميزاً في شخصيته. وفي فالنسيا، رأى المدرب الإيطالي كلاوديو رانييري الشيء نفسه أيضاً، وينطبق الأمر نفسه على الأرجنتيني هيكتور كوبر مدرب المنتخب المصري حالياً، الذي لم يفز الفريق تحت قيادته ببطولة دوري أبطال أوروبا، وأهدر بيليغرينو ركلة الجزاء الحاسمة. لكن كانيزاريس يقول: «لكي تفوز، يجب أن تخسر أولاً». وقد تلقى فالنسيا هزيمتين متتاليتين في نهائيات كأس أوروبا، قبل أن يفوز بلقب الدوري المحلي مرتين خلال 3 سنوات. وتغلب فالنسيا على فريق الأحلام لريال مدريد، وقد رأى المدرب الإسباني رفائيل بينيتيز، الذي حقق هذا الإنجاز التاريخي، الشيء نفسه في بيليغرينو، ولذا أخذه معه إلى ليفربول عام 2005.
ولم يلعب بيليغرينو في ليفربول سوى موسم واحد فقط، لكنه عاد ليعمل مساعداً لبينيتيز عام 2008. كان بيليغرينو يشاهد ما يحدث من حوله ويستمع، ويفعل كما كان يفعل دائماً عندما كان لاعباً، حيث كان يسأل عن السبب وراء كل قرار، ليس لأنه يتهم المديرين الفنيين بشيء، ولكن لأنه كان يحلل أداءهم وقراراتهم لكي يتعلم منهم. ولم يكن يكتفي مطلقاً بما حققه، بل كان يبحث عن إجابات حاسمة. وقال بيليغرينو إنه تعلم التنظيم من مواطنه مارسيلو بيلسا مدرب ليل الفرنسي حالياً، والجوانب الخططية والتكتيكية من بينيتيز، كما رأى معه إنجلترا من الداخل وكيف تلعب كرة القدم وكيف يعيشها الناس ويتفاعلون معها من الناحية الثقافية.
وقال اللاعبون إن بيليغرينو، وهو نجل أب وأم يعملان في الزراعة، أكد مراراً أن الرياضة تتحدى القيم الموجودة في المجتمع التي يسودها الفردية والعمل من أجل المصلحة الشخصية. وأشار المدير الفني الأرجنتيني إلى أن المجتمع يطلب منك أن تفوز وأن يكون لديك أفضل سيارة وأن يكون لديك أموال، لكن كرة القدم تطلب منك أن تساعد زملاءك في الفريق، حتى لو كان ذلك يعني أنك لن تحرز هدفاً أو لا تشارك بصفة أساسية في المباريات، أو لا تظهر حتى في دائرة الضوء. فإذا كان الفريق جيداً، فأنت ستكون جيداً بالتالي. يقول بيليغرينو: «عندما كبرت لم يسألني المديرون الفنيون مطلقاً: كيف حالك؟ لكن لو لم أسأل اللاعب عن حاله، كيف أعرف الأحلام التي يسعى لتحقيقها؟».
وفي نادي ألافيس الذي كان يدربه بيليغرينو الموسم الماضي، كان هذا الحلم هو نهائي كأس ملك إسبانيا، وهو ثاني نهائي كأس فقط يلعبه النادي منذ نشأته قبل 96 عاماً، بعد نهائي الدوري الأوروبي عام 2001 الذي خسره أمام ليفربول. قال قائد الفريق في ذلك الوقت مانو غارسيا: «إنه مدير فني متكامل للغاية، ولا يوجد مديرون فنيون كثيرون لديهم الوعي التكتيكي نفسه والموهبة في إدارة اللاعبين». وأضاف غارسيا: «لديه قدرة فائقة على تحليل المباريات والمنافسين ويهتم بأدق التفاصيل وبواجبات كل مركز من مراكز اللاعبين. إنه يهتم بالدفاع وبالهجوم في الوقت نفسه، ومنظم للغاية ويسيطر على كل شيء داخل الملعب وخارجه. إنه يريد أن يعكس فريقه شخصيته التي تتسم بالذكاء والتفاهم والتنظيم».
ومع ذلك، يؤمن بيليغرينو بأنه لا يوجد ما يضمن تحقيق الفوز في عالم كرة القدم، لأنك تواجه فريقاً يسعى لتحقيق الفوز هو الآخر، ويجب عليك أن تعرف أنك حتماً ستتجرع مرارة الخسارة. إنه يعمل بكل جد على أن يتجنب الخسارة، لكنه يتقبلها حين تحدث ويتعلم منها أيضاً، وهذا هو ما جعله يصل للمكانة التي عليها الآن.
ماوريسيو بيليغرينو... مدرب يكره الخسارة ويغضب حين يفوز
المدير الفني الجديد لساوثهامبتون يؤكد أن الفوز قد تكون له آثار سلبية على دوافع اللاعبين
ماوريسيو بيليغرينو... مدرب يكره الخسارة ويغضب حين يفوز
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة