إسرائيل زودت تشيلي والأرجنتين بالسلاح في مراحل اشتداد النزاع

وثائق جديدة تكشف عن تورطها وعن دور كبير لنتنياهو

إسرائيل زودت تشيلي والأرجنتين بالسلاح في مراحل اشتداد النزاع
TT

إسرائيل زودت تشيلي والأرجنتين بالسلاح في مراحل اشتداد النزاع

إسرائيل زودت تشيلي والأرجنتين بالسلاح في مراحل اشتداد النزاع

كشف في كل من تل أبيب وواشنطن، خلال الأيام الأخيرة، عن وثائق جديدة تؤكد بشكل دامغ، تزويد إسرائيل النظامين الديكتاتوريين الأسبقين، في كل من تشيلي والأرجنتين بالأسلحة، التي استخدمها كل طرف منهما في قتل عشرات ألوف المواطنين. وأن هذه الأسلحة، فضلا عن استخدامها في تصفية عشرات ألوف المعارضين اليساريين، وبينهم يهود كثيرون، ساهمت في تأجيج الحرب بين البلدين أيضا. وأن رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو، أدى دورا كبيرا في تلك الفترة، حيث كان مندوب إسرائيل الدائم في الأمم المتحدة.
وقد جددت عناصر مرتبطة بالدفاع عن حقوق الإنسان في إسرائيل، وجهات أخرى في المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية وكندا وفي أميركا الجنوبية، معركتها للمطالبة بفتح تحقيق جنائي ضد الإسرائيليين المتورطين في بيع هذه الأسلحة، خصوصا لنظام الديكتاتور أوغوستو بينوشيه في تشيلي، والتي كانت النيابة الإسرائيلية قد رفضتها في الماضي بحجة «عدم وجود أدلة كافية».
يشار إلى أن الجنرال بينوشيه قاد الانقلاب ضد الرئيس المنتخب، سلفادر أليندي سنة 1973، بدعم من الولايات المتحدة. وقد ظل في الحكم حتى عام 1990، وتصرف كحاكم عسكري مطلق، واستخدم وسائل التعذيب والاغتيال السياسي لتثبيت أركان نظامه، وبطش بكل معارضيه، حيث تم توثيق أكثر من 35 ألف حالة تعذيب، انتهت معظمها بموت المعتقلين.
وكشف الكاتب جون بروان، الذي يتابع هذه القضية منذ سنوات، أنه توجه سوية مع ناشطتين في حقوق الإنسان، هما ليلي تراوبمان وابنتها تمار سانتوس، وجهات أخرى تهتم بحقوق الإنسان، إلى المستشار القضائي للحكومة، أفيحاي مندلبليت، في فبراير (شباط) الماضي، لإصدار أمر بفتح تحقيق جنائي ضد المسؤولين الإسرائيليين، بشبهة تقديم الدعم في الجرائم ضد الإنسانية التي نفذها نظام بينوشيه في تشيلي، في السنوات 1973 وحتى 1990، ولكنه والنيابة الإسرائيلية رفضا الطلب، بادعاء أنه «لا مناص من النتيجة أنه لا يوجد ما يكفي من الأدلة للمصادقة حتى على فتح تقصي حقائق جنائي».
وقال براون، إن هذا الرد غريب، إذ إن وثائق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ووزارة الخارجية الأميركية، ووثائق من تشيلي، تظهر أن هناك ما يكفي من الأدلة حول تزويد إسرائيل لنظام بينوشيه بالأسلحة، خلافا لمزاعم النيابة العامة الإسرائيلية. كما تكشف الوثائق، بحسب براون، العلاقات السياسية بين النظامين، الإسرائيلي والتشيلي، التي كان يديرها، مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، في حينه، بنيامين نتنياهو، الذي نشط كثيرا ضد القرارات بشأن وضع حقوق الإنسان في تشيلي، في الوقت الذي قتل وعذب فيه بينوشيه عشرات الآلاف.
وتضمن طلب التحقيق الذي أرسل إلى المستشار القضائي للحكومة، شهادات مفصلة لمبعوث الوكالة اليهودية، باسم إيتان كالينسكي، الذي كان في سانتياغو العاصمة، في عام 1989، وكان شاهدا على تفريق مظاهرات بواسطة مركبة إسرائيلية تم إنتاجها في كيبوتس «بيت ألفا» قرب بيسان. وعملت المركبة على رش سوائل ملونة على المتظاهرين سهلت التعرف عليهم بعد المظاهرة.
وبعكس ادعاءات النيابة العامة، هناك أدلة وفيرة على المساعدة الإسرائيلية وتسليح إسرائيل لنظام بينوشيه. وفي عام 2012 نشر في تشيلي كتاب يتحدث عن العلاقات الخفية بين إسرائيل وتشيلي، في السنوات ما بين 1973 و1990، ويتضمن أدلة كثيرة عن علاقات الاتجار بالأسلحة بين الطرفين. وفي السنوات الأخيرة، بدأت الولايات المتحدة بإزالة السرية عن وثائق تتصل بالنظام في تشيلي في تلك السنوات، ونشرها.
وبحسب وثيقة أرسلت من السفارة الأميركية في تشيلي بتاريخ 24-04-1980، إلى وزارة الخارجية الأميركية، يتضح أن إسرائيل كانت المزود المركزي للسلاح لنظام بينوشيه. وتضمنت وثيقة كتبت في جهاز المخابرات الأميركية «CIA»، في فبراير من عام 1988، وأزيلت عنها السرية، وتنشر للمرة الأولى في إسرائيل، تفاصيل صفقات أسلحة بين إسرائيل وتشيلي، شملت صواريخ أرض - أرض، ومنظومات رادار، وصواريخ جو - جو، وصواريخ أرض - جو، و5 آلاف بندقية من طراز «جاليلي» بيعت في عام 1981، وذخيرة من أنواع مختلفة، ودبابات، وغيرها. وتصف الوثيقة ذاتها إسرائيل كمزود سلاح مهم لبينوشيه، في حين أن تشيلي هي المشترى المهم بالنسبة لإسرائيل، تلي الأرجنتين. وادعت الوثيقة أن المصلحة التشيلية في شراء الأسلحة، ينبع من حقيقة أن الأسلحة الإسرائيلية مجربة في القتال، إضافة إلى أن إسرائيل، وخلافا لدول كثيرة أخرى، لم تبخل في تزويد نظام الطاغية بينوشيه بالأسلحة.
ويكشف براون عن وثائق إسرائيلية تنشر للمرة الأولى، تكشف أن وزارة الخارجية عملت على تزويد السلاح لتشيلي، من أجل الحصول على دعم سياسي، وهو أمر لم يكن بسيطا بالنسبة لتشيلي، باعتبار أنها خاطرت بذلك بخسارتها لعلاقاتها مع العالم العربي، الذي كان هدفا لتصدير أسلحتها هي. وتكشف برقية أسلت من سانتياغو عام 1986، كتب فيها سفير إسرائيل، ديفيد أفراتي، أن تزويد بندقية «عوزي» للشرطة التشيلية كان «سرا مكشوفا»، وكذلك وجود عناصر الصناعات العسكرية في تشيلي الذين يعملون بطرق «غير نظيفة».
وفي وثيقة أخرى تعود إلى عام 1987، يبدي أفراتي غضبه من دعوة أعضاء الكنيست اليساريين بالتوقف عن تسليح النظام في تشيلي. ويدعي أن النظام العسكري هو الحل الأفضل لإسرائيل، بكل ما يتصل بالضغوط الدولية بشأن الحكم العسكري في الضفة الغربية. وتظهر هذه العلاقات الجيدة أيضا في الأمم المتحدة، حيث وصفت تشيلي بأنها «ممتازة» لجهة عمليات التصويت ذات الصلة بإسرائيل. فما بين 1984 – 1988، كان نتنياهو مندوبا لإسرائيل في الأمم المتحدة، وكانت له علاقات ودية مع نظيره التشيلي فيدور دازا. ويتضح من الرسائل المتبادلة بينهما، أن أحدهما كان يشكر الثاني على الدعم المتبادل بشأن القرارات ضد الجرائم التي ينفذها النظامان في بلديهما، إسرائيل وتشيلي.
وحين اشتد النزاع في سبعينات القرن الماضي، بين تشيلي والأرجنتين، اللتين لجأتا إلى التحكيم الدولي بشأن قناة بيغل، في أقصى جنوب القارة الأميركية، ورفضت الأرجنتين نتائجه، استغلت إسرائيل الأزمة جيدا، وعملت على تسليح الدولتين اللتين كانتا على وشك إعلان الحرب، حسبما أكدت السفارة الإسرائيلية في بيرو في مارس من عام 1979.



مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».