الملف الليبي في عهدة غسان سلامة

الأكاديمي والوزير اللبناني السابق يخلف مارتن كوبلر

الملف الليبي في عهدة غسان سلامة
TT

الملف الليبي في عهدة غسان سلامة

الملف الليبي في عهدة غسان سلامة

أقر مجلس الأمن الدولي أخيراً تعيين الأكاديمي والدبلوماسي والوزير اللبناني السابق الدكتور غسان سلامة مبعوثاً جديداً لمنظمة الأمم المتحدة إلى ليبيا، خلفاً للمبعوث السابق مارتن كوبلر، الذي كان ممثلا للأمم المتحدة في ليبيا منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2015. ويذكر أن موضوع خلافة كوبلر، الدبلوماسي الألماني، كان محل أخذ ورد منذ بعض الوقت، ففي شهر فبراير (شباط) رشح أمين عام المنظمة أنطونيو غوتيريش رئيس الوزراء الفلسطيني السابق الدكتور سلام فياض للمنصب. إلا أن الولايات المتحدة رفضت ترشيح فياض، واتهمت نيكي هايلي، المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة عبر ترشيحه بمحاباة المنظمة السلطة الفلسطينية على حساب إسرائيل. جدير بالذكر، أن تعيين أي مبعوث دولي خاص للمنظمة لابد أن يحظى بتأييد إجماعي في مجلس الأمن الدولي بكامل أعضائه. وبعد الرفض الأميركي اعترضت روسيا، وكما اعترض أعضاء آخرون على مرشح بريطاني وآخر أميركي، ومن ثم، مدّدت فترة كوبلر في المنصب حتى نهاية يونيو (حزيران) الحالي.
وقبل أيام، وقع اختيار غوتيريش على سلامة، الذي سبق له أن كلف بمهمة دولية في العراق، وحصل الترشيح هذه المرة على الموافقة الإجماعية لمجلس الأمن.
يعد الدكتور غسان سلامة، الذي أسندت مهمة قيادة الجهود الدولية لتسوية الأزمة الليبية، من أبرز المثقفين والمفكرين والباحثين السياسيين في لبنان والعالم العربي. وهو حالياً يقيم في العاصمة الفرنسية باريس ويعمل أستاذا في المعهد العالي للعلوم السياسية – الشهير باسم «سيانس بو» - وهو من أعرق وأشهر الجامعات المتخصصة في حقل العلوم السياسية في العالم. ويتمتع بعلاقات طيبة مع أطراف أكاديمية وسياسية وثقافية عربية ودولية عدة.

بطاقة هوية
يتحدر غسان سلامة من عائلة ريفية مسيحية تنتمي إلى طائفة الروم الكاثوليك في بلدة مزرعة كفردبيان بجرود قضاء كسروان في محافظة جبل لبنان اللبنانية. وهو من مواليد عام 1951، ومتزوج من ماري بوغوصيان، وله ابنة اسمها ليا.
عاش سلامة في كنف أسرته - وكان والده مدرساً ومزارعاً - سنوات طفولته وفتوته. ومنذ نعومة أظفاره استفاد من اهتمام والده بالتعليم والثقافة وأخذ عنه أيضاً حبه الشديد للريف. وفي مقابلة تلفزيونية ذكر سلامة، أن والده كان يطمح له أن يدرس الطب ويغدو طبيبا لانعدام الأطباء في بلدتهم الشهيرة بفاكهتها، كما أشار إلى أن والده كان يدرّس خمسة أيام أسبوعياً كأستاذ ثانوي ويزرع في اليومين الأخيرين من الأسبوع، مع التفرّغ الكامل للزراعة في فصل الصيف. وحقاً، بلغت محبة غسان سلامة حياة الريف التي ألفها، أنه إبّان توليه منصب وزير الثقافة، أسس نحو 30 مكتبة في مختلف أنحاء لبنان.
تلقى سلامة تعليمه الجامعي في جامعة القديس يوسف «اليسوعية» العريقة في العاصمة بيروت، وتخرج فيها مجازاً في الحقوق. ثم سافر عام 1973 إلى فرنسا، حيث تابع تعليمه العالي، فحصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة باريس الأولى، وعلى الدكتوراه في الآداب من جامعة باريس الثالثة. وهو يتقن خمس لغات هي العربية والفرنسية والإنجليزية والإيطالية والإسبانية. وتستهويه الفنون والآداب، ولا سيما المسرح والسينما.
بعد عودته إلى لبنان، مارس التدريس الجامعي في الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف، لبعض الوقت. كما درّس في عدد من الجامعات في لبنان وفرنسا والولايات المتحدة منها جامعة كولومبيا بنيويورك.

وزيراً للثقافة
وبين العامين 2000 و2003 أسندت إليه حقيبة وزارة الثقافة في الحكومة التي ترأسها رئيس الوزراء السابق الراحل رفيق الحريري، الذي عرف عنه احترامه له وقربه منه. وتولى خلال هذه الفترة أيضاً منصب الرئيس والمتحدث باسم اللجنة المنظمة للقمة العربية (مارس/ آذار 2002) القمة الفرانكفونية الخاصة بالدول الناطقة كلياً أو جزئياً باللغة الفرنسية (أكتوبر/ تشرين الأول 2002) في العاصمة اللبنانية بيروت.
عام 2003 عيّن مستشارا سياسيا لبعثة الأمم المتحدة في العراق، حيث ساهم في إنشاء «مجلس الحكم الانتقالي» في أعقاب الغزو، ثم الاحتلال الأميركي وإسقاط حكم صدام حسين. وكاد يلقى حتفه في التفجير الانتحاري الكبير الذي استهدف مبنى بعثة الأمم المتحدة في بغداد، وفيه قتل العشرات يومذاك بينهم المبعوث البرازيلي سيرجيو دي ميلو.
وسلامة حالياً عضو مجلس إدارة «المجموعة الدولية لإدارة الأزمات» ومقرها في العاصمة البلجيكية بروكسل، و«المعهد الدولي للسلام» ومقره في نيويورك، وكذلك «مؤسسات المجتمع المنفتح» و«مكتبة الإسكندرية، بجانب رئاسته الصندوق العربي للثقافة والفنون وعضويته مركز الحوار الإنساني (بين 2011 و2015).

مؤلفاته
لغسان سلامة الكثير من المؤلفات باللغتين الفرنسية والعربية، أبرزها:
• المجتمع والدولة في المشرق العربي.
• السياسة الخارجية السعودية منذ عام 1945 دراسة في العلاقات الدولية.
• نحو عقد عربي جديد - بحث في الشرعية الدستورية.
• التسوية «الشروط المضمون، الآثار».
• من الارتباك إلى الفعل التحولات العالمية وآثارها العربية.
• أميركا والعالم إغراء القوة ومداها.

مجدداً مع الأمم المتحدة
مهمة الدكتور سلامة الجديدة، مثل مهمته الدولية الأولى في العراق، لا تخلو من صعوبة. وهي اليوم تأتي وسط ارتباك دولي واسع، وفوضى داخلية عارمة في بلد عربي ومسلم لم يتذوق طعم الاستقرار منذ الانتفاضة الشعبية على نظام العقيد معمر القذافي عام 2011. وتجدر الإشارة إلى أن سلامة بات منذ تعيينه رسمياً في وقت سابق من الشهر الحالي ثاني مبعوث لبناني يتولى رئاسة البعثة الأممية في ليبيا بعد مواطنه الوزير السابق طارق متري. وكانت ليبيا قد انزلقت إلى أتون اضطرابات دامية بعد الإطاحة بالقذافي، ومن ثم قتله؛ إذ تتنافس حكومتان وفصائل مسلحة عدة على السلطة. وتسعى حكومة تعترف بها الأمم المتحدة وتدعمها في العاصمة طرابلس من أجل فرض سلطتها، إلا أن فصائل مناوئة في شرق ليبيا، ترفض الاعتراف بشرعيتها.

تحدي ليبيا
المحنة التي تمر بها ليبيا، والتي ستشكل اختباراً لخبرة غسان سلامة، وقدراته على التوفيق بين المصالح والحساسيات المحلية والجهوية، دفعت كثرة من المتابعين العرب والدوليين إلى إبداء الخشية من تقسيم البلاد، أو عودة الحكم فيها إلى نظام الولايات الثلاثة (الولايات التاريخية الثلاث: طرابلس وبرقة وفزّان)، أو النظام الفيدرالي. ولقد سبق لـ«الشرق الأوسط» أن نشرت في تحقيق مفصّل عن واقع ليبيا، أنه في منتصف القرن الماضي كان الملك يُحضِّر للحصول على اعتراف دولي باستقلال ليبيا، ولكن كانت العقبة الوحيدة هي الخلافات بين قادة الشرق وزعماء الغرب، وفي نهاية المطاف استطاع أن يذيب الفوارق بين هذين التكتلين المتنافسين، عن طريق إدارة ليبيا غير أن حكم القذافي – الذي جاء إلى الحكم في أول سبتمبر (أيلول) 1969 – عمل على تفتيت هياكل الدولة، وأسس «اللجان الشعبية» لتحل محل مؤسسات السلطة المألوفة في سائر دول العالم، واقله العالم العربي.
ومما لا شك أن بضعة عوامل أسهمت في بلوغ الأزمة الليبية مستوى التأزم الذي هي فيه راهناً، أهمها ما يلي:
- العامل القبلي الجهوي، فليبيا بلد شاسع المساحة (نحو مليون و760 ألف كلم مربع)، لكنه صغير نسبياً من حيث عدد السكان (نحو ستة ملايين و500 ألف نسمة)، تتوزع أقاليمه قبائل كبرى بعضها تشكل كثافة سكانية وتتمتع بنفوذ كبير في مناطقها.
- العامل العربي، ذلك أن الارتباك في الوضع العربي وصراع المحاور عربياً بات ينعكس بقوة على المشهد الليبي الداخلي، وبالأخص فيما يتعلق بارتباط بعض الفصائل والمسلحة بهذه الجهة العربية والمسلمة أو تلك.
- العامل الديني؛ إذ ظهرت بقوة على الساحة الليبية إثر الثورة على القذافي حركات مسلحة إسلامية، بعضها متشدد، بل إن منها ما هو جزء من تنظيم القاعدة. وللعلم، يشكل المسلمون من أهل السنة والجماعة غالبية سكانية ساحقة من السكان، يضاف إليهم أقليات أبرزها الأقلية الأباضية في جبل نفوسة. والحال، أن تزايد الجماعات المتشددة التي ترفع شعارات إسلامية، داخل ليبيا نفسها، وتلك الوافدة عليها من كل مكان، وغيرها) أسهم إسهاماً كبيراً في معاناة ليبيا وتزايد الانقسامات وتنامي التطرف.
- العامل الإثني، ذلك أن رقعة ليبيا الضخمة تضم ليس فقط الغالبية العربية، بل تضم أيضاً قبائل وجماعات أمازيغية، ولا سيما في جبال شمال غربي ليبيا، يضاف إليها أقليات أخرى أفريقية مثل التبو في الجنوب الشرقي، والطوارق في الجنوب الغربي.
- العامل الدولي، وينعكس على شقين: الأول سياسي تضارب المصالح في مجتمع دولي مضطرب ينعدم فيه التوافق على استراتيجية واضحة. والثاني، اقتصادي، في ظل كون ليبيا إحدى أغني دول العالم بالنفط والغاز، وبالتالي، تشكل ثرواته الطبيعة مطمعاً للقوى الكبرى.
- العامل الجغرافي أو الجيو - استراتيجي، وهو يتمثل شمالاً بطول الساحل الليبي المطل على البحر الأبيض المقابل لسواحل أوروبا، وجنوباً بعمق ليبيا الصحراوي المتصل بالصحراء الكبرى، وهو ما يعني أن البلاد باتت قبلة أنظار كل الحالمين بالهجرة من أفريقيا الوسطى جنوبي الصحراء إلى أوروبا عبر الأراضي الليبية. وعليه، ثمة حرص شديد وبخاصة في أوروبا الجنوبية على إغلاق باب الهجرة غير الشرعية عبر الشواطئ الليبية، وهذا لا يمكن لأن يتحقق من دون حل سياسي حقيقي.
- إلى تفاقم الصراع على خلفيات ثقافية وعلى إرث قديم يتعلق بمن تكون له الأولوية في تقرير مصير الدولة. وبينما تترقب واشنطن الموقف، أصبحت كثير القوى الإقليمية والدولية، تبحث عن موضع قدم في ليبيا، للاستفادة من النفط والغاز، وإيجاد نفوذ على الساحل وفي العمق الأفريقي.

لمحة تاريخية
ما يجدر ذكره أيضاً، أن مشكلة الحكم في ليبيا، كانت قائمة – وفق تحقيق «الشرق الأوسط» – منذ أكثر من مائة سنة، أي منذ بداية الصراع بين الإمبراطورية العثمانية وتطلعات الدولة الإيطالية إلى شمال أفريقيا. وأدى ذلك الصراع إلى ظهور «الجمهورية الطرابلسية» في الغرب الليبي، بينما اختار الشرق الصدام مع القادمين من وراء الحدود. ومن ثم، حتى في أيام مقاومة الوجود الإيطالي، بقيادة المناضل عمر المختار، ظهرت مشكلة القبائل البدوية والجهويين في الغرب، وهي مشكلة تستولد نفسها بأوجه مختلفة أحياناً ومتشابهة أحياناً أخرى.
وللعلم، يضم إقليم طرابلس، في غرب ليبيا، أصولاً متعددة، بحكم استقرار الكثير من رعايا دول البحر المتوسط كتركيا وإيطاليا واليونان ومالطة، في مدن مثل طرابلس ومصراتة. وفي حين يُعرف المواطن عن نفسه في شرق البلاد – ربما باستثناء مدينة بنغازي ومدينة درنة – باسم قبيلته، فيقال برعصي (البراعصة وأهم مراكزهم البيضاء) أو عبيدي (العبيدات وأهم مراكزهم مدينة طبرق)، تسود في الغرب «هوية» المدينة التي ينتمي إليها الفرد، فيقال مصراتي، أو طرابلسي، أو زليتني، وغيرها. وتجدر الإشارة، إلى أن من الصراعات القبلية التاريخية، الخلافات القديمة التي تتجدد كل حين وآخر بين «المشاشية» و«الزنتان»، و«تاورغاء» و«مصراتة» و«ورفلة»، و«الطوارق» و«التبو» و«الأمازيغ» و«العرب» وغيرها.
وهنا، يقول بعض الباحثين إنه في حين لا توجد في ليبيا مطالب عرقية أو مذهبية يمكن أن تهدد وحدة الدولة، كتلك الموجودة اليوم في العراق أو سوريا، فإن ثمة حساسيات قديمة حول مناطق النفوذ وحدود السلطة. وأوضحوا، أن عمر المختار «واجهته مشكلة الإرث القبلي، والإرث الحضري، ولهذا قسَّم عمليات الجهاد ضد الجيش الإيطالي المستعمر، على أدوار بين القبائل... دور لقبيلة العواقير، ودور لقبيلة البراعصة، ودور لقبيلة المغاربة، وهكذا... ولهذا؛ فإن حركة المقاومة ضد الطليان نجحت في برقة، وفشلت في طرابلس».



ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

TT

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

روبيو
روبيو

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل فريق سياسة خارجية وأمن قومي «متجانس»، لا يكرّر الأخطاء والصدامات التي خاضها في ولايته الأولى؛ إذ على مدى السنوات الثماني الماضية، جمع ترمب ما يكفي من الموالين، لتعيين مسؤولين من ذوي التفكير المماثل؛ لضمان ألا تواجهه أي مقاومة منهم. ومع سيطرة الحزب الجمهوري - الذي أعاد ترمب تشكيله «على صورته» - على مجلسي الشيوخ والنواب والسلطة القضائية العليا، ستكون الضوابط على سياساته أضعف بكثير، وأكثر ودية مع حركة «ماغا»، مما كانت عليه عام 2017. وهذا يشير إلى أن واشنطن ستتكلّم عن سياستها الخارجية بصوت واحد خلال السنوات الأربع المقبلة، هو صوت ترمب نفسه. لكن وعلى الرغم من أن قدرته على قيادة آلية السياسة الخارجية ستتعزّز، فإن قدرته على تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم مسألة أخرى.

اختار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، السيناتور ماركو روبيو، مرشحاً لمنصب وزير الخارجية، بعد قطع الأخير شوطاً كبيراً في تقديم الولاء له. للعلم، علاقة الرجلين التي بدأت منذ عام 2016، وانتهت بشكل تصادمي بعد هزيمة روبيو في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري، تحولت إلى علاقة تحالفية إثر دعم روبيو كل ما قاله وفعله ترمب تقريباً إبّان فترة رئاسته الأولى.

هذا الواقع قد يعزّز تثبيت روبيو في مجلس الشيوخ - الذي يمضي فيه الآن فترته الثالثة - من دون عقبات جدية، في ظل دوره وتاريخه في المجلس، منذ أن فاز بمقعد فيه عام 2010. وحقاً، لاقى اختيار روبيو استحساناً حتى من بعض الديمقراطيين، منهم السيناتور الديمقراطي جون فيترمان، الذي قال إنه سيصوّت للمصادقة على تعيينه. كذلك أشاد السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات الحالي، في بيان، بروبيو ووصفه بأنه ذكي وموهوب.

ملف الخارجية للرئيس

روبيو، من جهته، لم يترك شكاً حيال مَن يقرر السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عندما قال إن من يحددها، ليس وزير الخارجية، بل الرئيس. وبالتالي فإن مهمة مَن سيشغل المنصب ستكون تنفيذ سياسات هذا الرئيس، وهي تهدف إلى تأمين «السلام من خلال القوة»، ووضع مصالح «أميركا في المقام الأول».

وحقاً، يلخص روبيو رؤيته لأميركا بالقول: «هي أعظم دولة عرفها العالم على الإطلاق، لكن لدينا مشاكل خطيرة في الداخل وتحدّيات خطيرة في الخارج». وأردف: «نحن بحاجة إلى إعادة التوازن لاقتصادنا المحلي، وإعادة الصناعات الحيوية إلى أميركا، وإعادة بناء قوتنا العاملة من خلال تعليم وتدريب أفضل». واستطرد: «لا شيء من هذا سهل، لكن لا يمكننا أن نتحمل الفشل. هذا هو السبب في أنني ملتزم ببناء تحالف متعدّد الأعراق من الطبقة العاملة على استعداد للقتال من أجل هذا البلد والدخول في قرن أميركي جديد».

ولكن من هو ماركو روبيو؟ وما أبرز مواقفه الداخلية والخارجية؟ وكيف أدت استداراته السياسية إلى تحوّله واحداً من أبرز المرشحين للعب دور في إدارة ترمب، بل كاد يكون نائبه بدلاً من جي دي فانس؟

سجل شخصي

ولد ماركو روبيو قبل 53 سنة في مدينة ميامي بولاية فلوريدا، التي يعدّها موطنه. كان والده يعمل نادلاً ووالدته عاملة في أحد الفنادق. وفي حملته الأولى لمجلس الشيوخ، حرص دائماً على تذكير الناخبين بخلفيته من الطبقة العاملة، التي كانت تشير إلى التحوّلات الطبقية التي طرأت على قاعدة الحزب الجمهوري، وتحوّلت إلى علامة انتخابية، مع شعار «فقط في أميركا»، بوصفه ابناً لمهاجرَين كوبيّين... أصبح عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي.

عندما كان في الثامنة من عمره، انتقلت الأسرة إلى مدينة لاس فيغاس بولاية نيفادا، حيث أمضى نحو 6 سنوات من طفولته، بعدما وجد والداه وظائف في صناعة الفنادق المتنامية فيها. وفي سن الرابعة عشرة من عمره، عاد مع عائلته إلى ميامي. ومع أنه كاثوليكي، فإنه تعمّد في إحدى كنائس لطائفة المورمون في لاس فيغاس، غير أنه في فلوريدا كان يحضر القداديس في إحدى الكنائس الكاثوليكية بضاحية كورال غايبلز، وإن كان قد شارك الصلوات سابقاً في كنيسة «كرايست فيلوشيب»، وهي كنيسة إنجيلية جنوبية في ويست كيندال بولاية فلوريدا.

يعرف عن روبيو أنه من مشجعي كرة القدم الأميركية، وكان يحلم بالوصول إلى دوري كرة القدم الأميركي عندما لعب في المدرسة الثانوية، إلا أنه لم يتلق سوى عرضين من كليتين جامعيتين. وبدايةً اختار كلية تاركيو غير المعروفة، التي تقع في بلدة يقل عدد سكانها عن 2000 شخص في المنطقة الشمالية الغربية الريفية من ولاية ميسوري. ولكن عندما واجهت الكلية الإفلاس وتعرّض للإصابة، تخلى روبيو عن كرة القدم وانتقل إلى فلوريدا، ليتخرّج ببكالوريوس في العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، ثم في كلية الحقوق بجامعة ميامي.

في عام 1998، تزوّج روبيو من جانيت دوسديبيس، وهي أمينة صندوق سابقة في أحد المصارف، ومشجعة لنادي ميامي دولفينز لكرة القدم الأميركية، وأنجبا أربعة أطفال، وهو يعيش الآن وعائلته في ويست ميامي بولاية فلوريدا. ووفق موقع «أوبن سيكريت. أورغ»، بدءاً من عام 2018، كان صافي ثروة روبيو سلبياً؛ إذ تجاوزت ديونه 1.8 مليون دولار أميركي.

مسيرته السياسية الطموحة

يوم 13 سبتمبر (أيلول) 2005، في سن 34 سنة انتخب روبيو عضواً في مجلس النواب في فلوريدا، وأصبح رئيساً له عام 2006، بعد انسحاب منافسيه دينيس باكسلي وجيف كوتكامب ودينيس روس، ليغدو أول أميركي من أصل كوبي يتولى هذا المنصب، حتى عام 2008.

عام 2010، كان روبيو يُعد مرشحاً ضعيفاً ضد الحاكم (آنذاك) تشارلي كريست لترشيح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ. وبالفعل، تعرّض لضغوط من قادة الحزب للانسحاب من السباق والترشح بدلاً من ذلك لمنصب المدعي العام، مع وعود من الحزب بإخلاء الميدان له. ويومذاك كتب في مذكراته «ابن أميركي»، قائلاً: «لقد أقنعت نفسي تقريباً بالانسحاب». غير أنه عاد وتمسك بموقفه، وكتب في تلك المرحلة أنه شعر بأنه لا يستطيع التراجع عن كلمته. وبقي في السباق، وفاز بأول فترة له في مجلس الشيوخ، حيث أعيد انتخابه في عام 2016، ثم مرة أخرى في عام 2022.

وعام 2016، دخل روبيو السباق الرئاسي منافساً مجموعة كبيرة من الجمهوريين، منهم دونالد ترمب، وفاز في لاية مينيسوتا، بينما حل السيناتور تيد كروز (من تكساس) ثانياً، وترمب ثالثاً. بعدها كانت انتصاراته الأخرى الوحيدة في واشنطن العاصمة وبورتوريكو. ومن ثم، انسحب بعدما هزمه ترمب في ولايته فلوريدا جامعاً 46 في المائة من الأصوات بينما جاء روبيو ثانياً بنسبة 27 في المائة. وخلال ذلك السباق، تبادل الرجلان الإهانات؛ إذ لقّبه ترمب بـ«ماركو الصغير»، وردّ روبيو بإهانة ترمب ووصفه بأنه «محتال» و«مبتذل». ولكن عندما أعادت قناة «آيه بي سي نيوز» في وقت سابق من هذا العام بث بعض تعليقاته عن ترمب عام 2016، قلل روبيو من أهميتها، بالقول: «كانت حملة». وفعلاً، بعد تولّي ترمب الرئاسة عام 2017، تحسنت علاقاتهما وظل على مقربة منه، حتى بعدما اختار ترمب السيناتور الشاب جي دي فانس (من أوهايو) لمنصب نائب الرئيس. بل سافر روبيو مع ترمب خلال المرحلة الأخيرة من سباق 2024، وألقى خطابات باللغتين الإنجليزية والإسبانية في العديد من التجمعات في اليوم الأخير من الحملة.

لم يترك روبيو شكاً حيال مَن يقرر سياسة واشنطن الخارجية

عندما قال إن من يحددها هو الرئيس... لا وزير الخارجية

سياسات روبيو المحافظة

بدءاً من أوائل عام 2015، حصل روبيو على تصنيف بنسبة 98.67 في المائة من قبل «اتحاد المحافظين الأميركيين»، بناء على سجلّه التصويتي مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وعام 2013 كان روبيو السيناتور السابع عشر الأكثر محافظة. ويصنّف مركز سن القوانين الفعالة روبيو باستمرار بين أعضاء مجلس الشيوخ الثلاثة الأكثر فاعلية في الكونغرس.

يُذكر أن روبيو دخل مجلس الشيوخ بدعم قوي من جماعة «حفلة الشاي» التي كانت تمثل اليمين الأكثر محافظة في الحزب الجمهوري. لكن دعمه في عام 2013 لتشريع الإصلاح الشامل للهجرة بهدف توفير مسار للحصول على الجنسية لـ11 مليون مهاجر غير موثق في أثناء تنفيذ تدابير مختلفة لتعزيز الحدود الأميركية، أدى إلى انخفاض دعمهم له. وللعلم، رغم تمرير ذلك المشروع في مجلس الشيوخ، أسقطه المتشددون في مجلس النواب.

ثم، بمرور الوقت، نأى روبيو بنفسه عن جهوده السابقة للتوصل إلى «حل وسط» بشأن الهجرة؛ كالعديد من مواقفه الداخلية والخارجية التي عُدّت سبباً رئيساً لتغير علاقة ترمب به؛ إذ اعتمد مواقف أكثر تشدداً بشأن الهجرة، ورفض مساعي الحزب الديمقراطي إزاء ملف الهجرة منذ عام 2018 وحتى 2024.

في مارس (آذار) 2016، عارض روبيو ترشيح الرئيس باراك أوباما للقاضي ميريك غارلاند للمحكمة العليا، متذرعاً «لا أعتقد أنه يجوز لنا المضي قدماً بمرشح في العام الأخير من ولاية هذا الرئيس. أقول هذا، حتى لو كان الرئيس جمهورياً». لكنه في سبتمبر (أيلول) 2020، إثر وفاة القاضية الليبرالية روث بايدر غينزبيرغ، أشاد روبيو بترشيح ترمب للقاضية المحافظة إيمي باريت للمحكمة، وصوّت لتثبيتها في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل 86 يوماً من انتهاء ولاية ترمب الرئاسية.

أيضاً في مارس 2018، دافع روبيو عن قرار إدارة ترمب بإضافة سؤال الجنسية إلى تعداد عام 2020. ورجح الخبراء يومها أن يؤدي إدراج هذا السؤال إلى نقص حاد في تعداد السكان وبيانات خاطئة؛ إذ سيكون المهاجرون غير المسجلين أقل استعداداً للاستجابة للتعداد.

وحول الميزانية الفيدرالية، يدعم روبيو مع إعطاء الأولوية للإنفاق الدفاعي، ويرفض الإجماع العلمي بشأن تغير المناخ، الذي ينص على أن تغير المناخ حقيقي ومتقدم وضار وينجم في المقام الأول عن البشر. كذلك يعارض روبيو قانون الرعاية الميسرة (أوباما كير) وقد صوّت لإلغائه رغم فشل المحاولة. وهو معارض صريح للإجهاض، وقال إنه سيحظره حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم، مع استثناءات إذا كانت حياة الأم في خطر.وأخيراً، يدعم روبيو تحديد ضرائب الشركات بنسبة 25 في المائة، وتعديل قانون الضرائب، ووضع حد أقصى للتنظيمات الاقتصادية، ويقترح زيادة سن التقاعد للضمان الاجتماعي بناءً على متوسط العمر المتوقع الأطول. ويعارض المعايير الفيدرالية الأساسية المشتركة للتعليم، كما يدعو إلى إغلاق وزارة التعليم الفيدرالية.