«داعش» يرتكب «جريمة تاريخية» في الموصل ويفجر جامع النوري ومنارته

البيشمركة تنفي اتهامات «هيومن رايتس ووتش» لها بتعريض النازحين للخطر

عراقيون يفرون من معارك الموصل القديمة أمس (أ.ف.ب)
عراقيون يفرون من معارك الموصل القديمة أمس (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يرتكب «جريمة تاريخية» في الموصل ويفجر جامع النوري ومنارته

عراقيون يفرون من معارك الموصل القديمة أمس (أ.ف.ب)
عراقيون يفرون من معارك الموصل القديمة أمس (أ.ف.ب)

فجر تنظيم «داعش»، أمس، جامع النوري الكبير ومنارته الحدباء التاريخية في قلب الموصل، بعدما تمكنت القوات العراقية من الاقتراب من محيطهما الذي يتحصن فيه آخر مسلحي التنظيم في المدينة.
وجاء تقدم القوات بعد معارك استمرت أربعة أيام داخل أزقة المدينة القديمة، باتجاه الجامع الذي أعلن منه زعيم داعش «خلافته» المزعومة في صيف عام 2014، بعد سيطرته على مساحات واسعة من أراضي العراق وسوريا.
وقال قائد عمليات {قادمون يا نينوى} الفريق الركن عبد الأمير رشيد يارالله في بيان إن {عصابات داعش الإرهابية أقدمت على ارتكاب جريمة تاريخية أخرى، وهي تفجير جامع النوري ومئذنة الحدباء التاريخية}. لكن التنظيم زعم في بيان نشرته وكالة {أعماق} التابعة له، أن {غارة أميركية دمرت المسجد والمنارة}. غير أن التنظيم كان هدد سابقاً بتفجير المنارة، إلا أن السكان تمكنوا من إحباط ذلك بعدما شكلوا دروعاً بشرية حولها.
ويحمل الجامع اسمه نسبة إلى نور الدين الزنكي، موحد سوريا وحاكم الموصل لفترة، والذي أمر ببنائه في عام 1172. ودمر المسجد وأعيد بناؤه في عام 1942 في إطار مشروع لتجديده، لكن تبقت من البناء الأصلي منارة الحدباء المائلة، التي كانت يوما مئذنة للجامع. وزينت المنارة بحجارة ذات أشكال هندسية، وتشكل رمزاً للمدينة، إذ طبعت على العملة الورقية من فئة عشرة آلاف دينار.
وخاضت القوات، أمس، لليوم الرابع على التوالي معارك شرسة على ثلاثة محاور في المدينة القديمة ضد مسلحي «داعش»، بإسناد من الطائرات المسيّرة والأسلحة المتوسطة. وتشتد المعارك داخل الأزقة الضيقة للمدينة حيث تدور من بيت إلى بيت وتطغى عليها الأسلحة الخفيفة والقنابل اليدوية، بينما يتحصن قناصة التنظيم في منازل المدنيين المحاصرين.
وقال قائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد جودت لـ«الشرق الأوسط» إن قواته «استعادت السيطرة على 40 في المائة من باب البيض وتقترب نحو 400 متر من شارع الفاروق وتدفع بوحدات إضافية للسيطرة على الأهداف الحيوية كجوامع الأغوات والباشا والرابعية وعمر الأسود والزيواني وبلال الحبشي وكنيستي اللاتين وشمعون». وأوضح أن الشرطة «دفعت بوحدات الاقتحام الليلي للسيطرة على أسواق السرجخانة والصياغ والأربعاء، والقضاء على الجماعات الإرهابية والوصول إلى شارع الكورنيش بمحاذاة نهر دجلة». ولفت إلى أن قواته «تخوض اشتباكات عنيفة مع إرهابيي داعش في محيط جامع الحامدين، بينما تقدمت وحدات من اللواء 20 في الشرطة الاتحادية في حي باب جديد واقتحمت المدينة القديمة من الجهة الجنوبية، لإحكام الطوق والتقدم بمحورين للوصول إلى المجمعات التجارية في سوق السرجخانة».
من جهة أخرى، اتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الدولية، أمس، سلطات إقليم كردستان العراق بإجبار نازحين فارين من «داعش» على الانتظار عند الحواجز الأمنية، وفي بعض الأحيان قرب خطوط الجبهة، ما يعرضهم للخطر، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية. وقالت المنظمة إن عمليات التأخير التي استمرت لأسابيع أو أشهر في بعض الحالات، لم تزد من مصاعب المدنيين فقط، بل جعلت حياتهم عرضة للخطر. وقالت نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة، لما فقيه، إن «هذه العائلات عاشت لسنوات في ظل الانتهاكات المروعة لداعش، وعانت شهوراً من نقص الغذاء والماء والدواء، وخاطرت بحياتها في محاولة للوصول إلى الأمان». واعتبرت أن «تأخير وصول الأشخاص الفارين من داعش إلى الأمان والحصول على المساعدة التي يحتاجونها عمل غير إنساني».
وأشارت المنظمة إلى أن قوات البيشمركة الكردية في العراق كانت تحتجز المدنيين عند نقاط التفتيش بعدما فروا من مدينتي الحويجة وتلعفر اللتين يسيطر عليهما «داعش» في شمال العراق، مشيرة إلى أن نقاط التفتيش في بعض الحالات كانت ضمن نطاق قصف التنظيم.
وأوضحت أن قوات البيشمركة «أوقفت المدنيين لأيام أو أسابيع، وثلاثة أشهر في إحدى الحالات. في كثير من الحالات تركتهم عرضة لهجمات داعش بقذائف الهاون والعمليات الانتحارية، ومن دون غذاء ومساعدات هم في أمس الحاجة إليها».
ونفى نائب رئيس أركان قوات البيشمركة لشؤون العمليات والتدريب، اللواء قارمان كمال، أمس اتهامات المنظمة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المعلومات التي ذكرتها المنظمة في تقريرها غير صحيحة... قوات البيشمركة تستقبل النازحين وتوفر لهم الحماية وتنقلهم بعجلاتها إلى مخيمات النزوح».



«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
TT

«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)

تثير تحركات تشكيل «حكومة موازية» في السودان، مخاوف مصرية من تفكك البلاد، التي تعاني من حرب داخلية اندلعت قبل نحو عام ونصف العام، وشردت الملايين. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن «بلاده مع استقرار السودان ومع بسط سيادته على كل الأراضي السودانية»، مشيراً إلى أن «هذا أمر ثابت في السياسة الخارجية المصرية ولا يمكن أن تتزحزح عنه».

واعتبر وزير الخارجية، في مؤتمر صحافي مشترك، مع المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط دوبرافكا سويتشا، «تشكيل أي أطر موازية قد تؤدي إلى تفكك الدولة السودانية خطاً أحمر بالنسبة لمصر ومرفوضاً تماماً»، مضيفاً: «ندعم الشرعية. ندعم مؤسسات الدولة السودانية، وندعم الدولة، لا ندعم أشخاصاً بأعينهم».

ويرى خبراء ومراقبون، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن الموقف السياسي المصري الداعم بقوة لمؤسسات الدولة، والرافض لتشكيل أي أطر موازية، هدفه حماية السودان من التمزق، لكنه يظل رهن تباينات إقليمية تعقد حل الأزمة.

ويمهد توقيع «قوات الدعم السريع» وحركات مسلحة وقوى سياسية ومدنية متحالفة معها بنيروبي، الأسبوع الماضي، على «الميثاق التأسيسي»، الطريق لإعلان حكومة أخرى موازية في السودان، في مواجهة الحكومة التي يقودها رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» من القاهرة، قبل أيام، عدَّ وزير الخارجية السوداني، علي يوسف الشريف، أن تحرك تشكيل «حكومة موازية» في مناطق سيطرة قوات «الدعم السريع» لا يحظى باعتراف دولي، مشيراً إلى أن «دولاً إقليمية ودولية تدعم موقف بلاده في هذه القضية».

وجددت مصر، الأحد، رفضها مساعي تشكيل «حكومة موازية» بالسودان، ووصفت الخارجية المصرية، في بيان رسمي، الأحد، ذلك، بأنه «محاولة تهدد وحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان».

وأضاف البيان أن تشكيل حكومة سودانية موازية «يُعقد المشهد في السودان، ويعوق الجهود الجارية لتوحيد الرؤى بين القوى السودانية، ويفاقم الأوضاع الإنسانية»، فيما طالبت كافة القوى السودانية بتغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد والانخراط في إطلاق عملية سياسية شاملة دون إقصاء أو تدخلات خارجية.

وحسب الوزير المصري عبد العاطي، فإن «مصر على تواصل مع كل الأطراف المعنية لنقل وجهه نظرها وموقفها الواضح والثابت»، وأضاف: «بالتأكيد نحن مع السودان كدولة، ومع السودان كمؤسسات، ومع السودان بطبيعة الحال لفرض سيادته وسيطرته على كل الأراضي السودانية».

وتستهدف مصر من رفض مسار الحكومة الموازية «دعم المؤسسات الوطنية في السودان، حفاظاً على وحدته واستقراره، وسلامته الإقليمية»، وفق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تعمل على حشد الدعم الدولي والإقليمي لوقف الحرب ونفاذ المساعدات الإنسانية، ووضع خطط لإعادة الإعمار».

وتنظر القاهرة لحكومة بورتسودان باعتبارها الممثل الشرعي للسودان، والمعترف بها دولياً، وفق حليمة، ودلل على ذلك بـ«دعوة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، للأمم المتحدة، وزيارة دول مختلفة، كممثل شرعي عن بلاده».

وترأس البرهان وفد السودان، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويعتقد حليمة أن إجهاض مساعي «الحكومة الموازية» لن يتحقق سوى بـ«التوافق على مسار سياسي، من خلال حوار سوداني - سوداني، تشارك فيه كل الأطراف، ويفضي لتشكيل حكومة مدنية مستقلة لفترة انتقالية»، وطالب بالبناء على مبادرة مصر باستضافة مؤتمر للقوى السياسية السودانية العام الماضي.

وجمعت القاهرة، في شهر يوليو (تموز) الماضي، لأول مرة، الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية السودانية، في مؤتمر عُقد تحت شعار «معاً لوقف الحرب»، وناقش ثلاث ملفات لإنهاء الأزمة السودانية، تضمنت «وقف الحرب، والإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية ما بعد الحرب».

في المقابل، يرى المحلل السياسي السوداني، عبد المنعم أبو إدريس، أن «التحركات المصرية تواجه تحديات معقدة، بسبب دعم دول إقليمية مؤثرة للقوى الساعية لتشكيل حكومة موازية، في مقدمتها (الدعم السريع)»، مشيراً إلى أن «الموقف المصري مرهون بقدرتها على تجاوز الرفض الدبلوماسي، وقيادة تحركات مع الفرقاء السودانيين وحلفائها في الإقليم».

ويعتقد أبو إدريس، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن اختراق القاهرة لأزمة «الحكومة الموازية»، «لن يكون سهلاً، في ضوء تأثير الجهات الدولية والأطراف الداعمة للقوى السودانية التي تقف خلف هذه الحكومة»، وقال إن «مصر تخشى أن تقود تلك التحركات إلى انفصال جديد في السودان، ما يمثل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية».

ورغم هذه الصعوبات، يرى القيادي بالكتلة الديمقراطية السودانية، مبارك أردول، أن الموقف المصري مهم في مواجهة الأطراف الإقليمية الداعمة لمسار الحكومة الموازية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رفض القاهرة يؤكد أن السودان لا يقف وحده في هذه الأزمة»، وأن «هناك أطرافاً إقليمية داعمة لوحدة واستقرار السودان».

وتعتقد مديرة وحدة أفريقيا في «مركز الأهرام للدراسات السياسية»، أماني الطويل، أن «المواقف الرافضة لهذه الحكومة، التي صدرت من مصر والأمم المتحدة ودول أخرى، يمكن أن تُضعف من الاعتراف الدولي والإقليمي للحكومة الموازية، دون أن تلغيها».

وباعتقاد الطويل، «سيستمر مسار الحكومة الموازية بسبب رغبة شركات عالمية في الاستفادة من موارد السودان، ولن يتحقق لها ذلك إلا في وجود سلطة هشّة في السودان»، وقالت: «الإجهاض الحقيقي لتلك التحركات يعتمد على التفاعلات الداخلية بالسودان، أكثر من الموقف الدولي، خصوصاً قدرة الجيش السوداني على استعادة كامل الأراضي التي تسيطر عليها (الدعم السريع) وخصوصاً دارفور».