جامع السلطان أيوب... قطعة روحانية عتيقة تميز رمضان في إسطنبول

به قبر الصحابي أبي أيوب الأنصاري ويجذب الآلاف للإفطار والتراويح يومياً

جامع السلطان أيوب
جامع السلطان أيوب
TT

جامع السلطان أيوب... قطعة روحانية عتيقة تميز رمضان في إسطنبول

جامع السلطان أيوب
جامع السلطان أيوب

إذا كان المسجد الأزرق، أو جامع السلطان أحمد، يشكل نقطة الجذب الأشهر للأتراك والعرب والمسلمين من أنحاء العالم، وحتى للسياح من جنسيات مختلفة في شهر رمضان، فإن جامع الصحابي أبي أيوب الأنصاري، أو السلطان أيوب، يشكل بقعة ساحرة وقطعة من أجواء وطقوس الماضي التي تحتفظ بعبق التاريخ والأجواء القديمة التي تجذب إليه ملايين الناس في رمضان.
يجتمع الآلاف يومياً، من الأتراك والعرب والمسلمين، في باحات جامع أبي أيوب الأنصاري الذي يقترن ذكره بذكر المحاولات الأولى لفتح القسطنطينية، حيث مات على أسوارها، وشيد مسجده في هذه البقعة بقلب إسطنبول التاريخية.
هنا، يحرص الناس على القدوم قبل الإفطار بوقت كاف حتى يحصلوا على فرصتهم في مكان للجلوس لتناول الإفطار، ومن ثم أداء صلاة التراويح، فتناول السحور وصلاة الفجر، في واحد من أكثر الأماكن روحانية في شهر رمضان.
يقول رئيس بلدية حي أيوب، رمزي أيدن، إن برامج الإفطار في جامع السلطان أيوب تتضمن هذا العام التركيز على إظهار معاني الأخوة واللحمة والدعوة إلى التضامن والوحدة في المقام الأول.
وتقدم البلدية يومياً الآلاف من وجبات الإفطار لرواد المكان، إلى جانب الأطعمة التي يجلبونها معهم، حيث توزع البلدية الإفطار في خيم نصبت بمحيط المسجد.
ومن يأتي إلى هذا المكان للمرة الأولى يقول إنه يشعر بالأمن والطمأنينة والهدوء، وبخصوصية شهر رمضان المبارك.
ويزحف العاشقون لصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إسطنبول قاصدين جامع السلطان أيوب. كما يحرص الأتراك والعرب المقيمون في إسطنبول في كل ليلة من ليالي رمضان على أداء صلاتي العشاء والتراويح في هذا الجامع العتيق، ومن لم تمكنه ظروف الحياة اليومية من الذهاب، فإنه يحرص على يوم من أيام رمضان في عطلة نهاية الأسبوع، أو على الأقل مرة واحدة خلال رمضان في رحاب الصحابي أبي أيوب الأنصاري.
ويعد مسجد السلطان أيوب أول جامع بناه العثمانيون في إسطنبول بعد فتحها عام 1453 ميلادية، ويطلق عليه أيضاً مسجد أبي أيوب الأنصاري، نظراً لوجود قبر الصحابي الجليل في باحة المسجد، حيث توفي ودفن هناك عام 52 للهجرة، خلال محاولة المسلمين فتح القسطنطينية، وهي المحاولة التي لم تنجح آنذاك.
وسمي بمسجد «السلطان أيوب» تيمناً باسم الصحابي أبي أيوب الأنصاري الذي شهد غزوتي بدر وأحد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك بيعة العقبة، وهو الذي اختصَه الرسول الكريم بالنزول في بيته عندما قدم إلى المدينة المنورة مهاجراً، حيث أقام عنده حتى بنى حجرة ومسجداً انتقل إليهما.
وبعد الإفطار، ومع دخول وقت العشاء، يزدحم مسجد السلطان أيوب بالعرب والأتراك، من إسطنبول وأيضاً من خارجها، من جميع محافظات تركيا، حيث يعج بالحركة، وتصدح الأصوات العذبة بتلاوة القرآن الكريم، في جو روحاني نادر. وساعد في إضفاء هذه الأجواء الروحانية الفريدة التي يتمتع بها المسجد وجود قبر الصحابي أبي أيوب الأنصاري، حيث تبدو معالم الفرح والسعادة واضحة على وجوه المصلين، لا سيما عند أداء صلاة التراويح، ومن قبلها الدعاء عند الإفطار بجوار قبره.
أحد المواطنين من فلسطين قدم إلى تركيا منذ 4 سنوات، يقول إنه يحرص على حضور صلاة التراويح بمسجد السلطان أيوب كل ليلة، وفي الغالب يصطحب أسرته معه، حيث يقيم قريباً من المسجد، مضيفاً أنّ المسجد له مكانة خاصة في القلوب، على خلاف غيره من مئات المساجد في إسطنبول، وربما بسبب وجود ضريح الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري هنا، أو تاريخ المسجد الذي نعتز به. وتابع: «اعتدت في كل عام أن أؤدي صلاة التراويح هنا. وفي بعض الأحيان، أقدم إلى المسجد قبل رفع أذان المغرب، وأتناول الإفطار الجماعي الذي تنظمه بلدية إسطنبول (بالمسجد) في كل عام».
أمّا المواطن السوري محمود الحسيني، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «أجواء مسجد السلطان أيوب تذكرنا بروحانيات وأجواء الصلاة في مساجد الشام، حيث الأصوات الجميلة وقلوب الناس الطيبة (...) قدمت إلى تركيا منذ 5 سنوات بسبب الحرب في بلادي، وأحرص دائماً في كل رمضان على صلاة التراويح هنا، وكذلك أؤدي صلاة الجمعة كل أسبوع في هذا المسجد الذي يبعث في النفس راحة كبيرة». الأتراك المقيمون بالخارج يشدهم الحنين إلى أجواء رمضان في إسطنبول، ولا سيما في مسجد السلطان أيوب؛ محمد تشيليك حضر من ألمانيا، حيث يعمل ويقيم منذ أكثر من 25 عاماً، وأكد أنّه يحرص على أن يمضي رمضان كل عام في تركيا لأنه يشعر هنا بجو رمضان الحقيقي وصلاة التراويح فيها والشعائر الدينية المختلفة، لا سيما بمسجد الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري، وأكمل: «طفولتنا وشبابنا التي عشناها في إسطنبول تشدّنا وتعيدنا إلى مسجد السلطان أيوب، حيث عبق التاريخ والتراث والبساطة والبركة».
ولا يقتصر زوار المسجد على الأتراك والجالية العربية فقط، حيث يقصده طوال العام، خصوصاً في رمضان، كثير من السياح، لا سيما المسلمون الذين يأتون لقراءة الفاتحة على روح الصحابي الجليل.
ويحظى مسجد السلطان أيوب، الذي بني عام 1458، ويتسع لآلاف المصلين، بمكانة خاصة لدى الأتراك خلال رمضان، حيث يقصده الآلاف من إسطنبول والمدن التركية الأخرى لأداء صلاة العشاء والتراويح، ويزدحم بشكل غير عادي في العشر الأواخر من رمضان، وفي ليلة القدر.
وجرت العادة على أن تنظم بلدية إسطنبول إفطاراً جماعياً لآلاف الصائمين الذين يزورون المسجد يومياً ومعهم عائلاتهم وأطفالهم.
ويكتظ المسجد وساحاته بالمصلين قبيل البدء بالتراويح، وتُضاء المنارات بعبارات الترحيب بشهر رمضان وبالقناديل، وينتشر المصلون في المساحات المحيطة بالمسجد ومرافقه في منظر بديع.
ويقع مسجد السلطان أيوب على ساحل خليج القرن الذهبي، المتفرع من مضيق البسفور، خارج أسوار القسطنطينية، الذي يشكل ليلاً منظراً خلاباً. كما تتميز المنطقة بالهدوء، وتشعر زائريها بالراحة والهدوء. وتستخدم بلدية منطقة أيوب ماء الورد، بدلاً عن الماء العادي، لغسل وتنظيف الساحات الداخلية والخارجية للمسجد التاريخي في شهر رمضان، كما يُعطّر المسجد من الداخل بالعطر الذي يفوح في الكعبة المشرفة. ولمن يحب أن يمضي ليلة رمضانية في أجواء الأنشطة الثقافية والندوات الدينية، ويسلّي أطفاله مع عروض الكاراجوز، أو «الأراجوز»، سيجد بالقرب من المسجد الفسهانة التابعة لبلدية أيوب، وهي منطقة واسعة تنتشر بها ألعاب الأطفال، إلى جانب مركز لمعارض الكتب والأنشطة الترفيهية والحدائق، وحول جامع السلطان أيوب تنتشر محال بيع الكتب الدينية والعطور والسبح والعباءات، وتبدو كأنّها قطعة من التاريخ القديم لمدينة إسطنبول.



أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
TT

أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)

سادت أجواء البهجة منذ الساعات الأولى من صباح أول أيام عيد الفطر في مصر، حيث احتشد المصلون من مختلف الأعمار في ساحات المساجد، وسط تكبيرات العيد التي ترددت أصداؤها في المحافظات المختلفة.
وشهدت ساحات المساجد زحاماً لافتاً، مما أدى إلى تكدس المرور في كثير من الميادين، والمناطق المحيطة بالمساجد الكبرى بالقاهرة مثل مسجد الإمام الحسين، ومسجد عمرو بن العاص، ومسجد السيدة نفيسة، ومسجد السيدة زينب، وكذلك شهدت ميادين عدد من المحافظات الأخرى زحاماً لافتاً مع صباح يوم العيد مثل ساحة مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.
وتبدأ مع صلاة العيد أولى مباهج الاحتفالات عبر «إسعاد الأطفال»، وفق ما تقول ياسمين مدحت (32 عاماً) من سكان محافظة الجيزة (غرب القاهرة). مضيفةً أن «صلاة العيد في حد ذاتها تعد احتفالاً يشارك الأهالي في صناعة بهجته، وفي كل عام تزداد مساحة مشاركة المصلين بشكل تطوعي في توزيع البالونات على الأطفال، وكذلك توزيع أكياس صغيرة تضم قطع حلوى أو عيدية رمزية تعادل خمسة جنيهات، وهي تفاصيل كانت منتشرة في صلاة العيد هذا العام بشكل لافت»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

بالونات ومشاهد احتفالية في صباح عيد الفطر (وزارة الأوقاف المصرية) 
ويتحدث أحمد عبد المحسن (36 عاماً) من محافظة القاهرة، عن تمرير الميكروفون في صلاة العيد بين المُصلين والأطفال لترديد تكبيرات العيد، في طقس يصفه بـ«المبهج»، ويقول في حديثه مع «الشرق الأوسط» إن «الزحام والأعداد الغفيرة من المصلين امتدت إلى الشوارع الجانبية حول مسجد أبو بكر الصديق بمنطقة (مصر الجديدة)، ورغم أن الزحام الشديد أعاق البعض عند مغادرة الساحة بعد الصلاة بشكل كبير، فإن أجواء العيد لها بهجتها الخاصة التي افتقدناها في السنوات الأخيرة لا سيما في سنوات (كورونا)».
ولم تغب المزارات المعتادة عن قائمة اهتمام المصريين خلال العيد، إذ استقطبت الحدائق العامة، ولعل أبرزها حديقة الحيوان بالجيزة (الأكبر في البلاد)، التي وصل عدد الزائرين بها خلال الساعات الأولى من صباح أول أيام العيد إلى ما يتجاوز 20 ألف زائر، حسبما أفاد، محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان، في تصريحات صحافية.
ويبلغ سعر تذكرة حديقة الحيوان خمسة جنيهات، وهو مبلغ رمزي يجعل منها نزهة ميسورة لعدد كبير من العائلات في مصر. ومن المنتظر أن ترتفع قيمة التذكرة مع الانتهاء من عملية التطوير التي ستشهدها الحديقة خلال الفترة المقبلة، التي يعود تأسيسها إلى عام 1891، وتعد من بين أكبر حدائق الحيوان في منطقة الشرق الأوسط من حيث المساحة، حيث تقع على نحو 80 فداناً.