جاء رحيل الشاعر الكردي السوري فرهاد عجمو «1960 - 2017» قبل أيام بعد صراع طال مدة أشهر مع مرض عضال، ليشكل فراغاً في المشهد الثقافي الكردي في سوريا، فقد كان من أهم الشعراء الغنائيين الكرد المعاصرين على امتداد أربعة عقود من الإبداع في مجال الشعر الكردي، أصدر فيها سبع مجموعات شعرية، هي:
«المصائف»، و«بعد ماذا»، و«أحبك»، و«المهد1» - شعر للأطفال -، و«المهد2» - شعر للأطفال -، و«الصرخة الأولى»، و«الأوراق البيضاء».
بالإضافة إلى ديوان «وجهاً لوجه» - المشترك مع الشاعر صلاح محمد 2016 - وهو أول تجربة شعرية مشتركة - على حد علمي - في تاريخ الشعر الكردي أنجزه الشاعران في الفترة ما بين «2004 - 2009». كما أن هناك الكثير من القصائد غير المنشورة في دواوينه الصادرة.
لقد عرف الراحل منذ بداية شبابه بعزفه على أكثر من آلة وترية - الطنبورة - البزق، وقد انعكس هذا الولع بالموسيقى على قصيدته الكلاسيكية التي كتبها قبله كل من أحمدي خاني وملايي جزيري وجكرخوين وتيريج وملا أحمدي بالو وملانوري هساري من الشعراء الذين كانوا حريصين على عنصر الموسيقى في إبداعاتهم. وراحت قصيدته تخط لنفسها مسارها ضمن هذا العالم، منذ بداية عقد ثمانينيات القرن الماضي لا سيما بعد أن غنى أحد أكبر الفنانين الملتزمين الكرد، محمد شيخو، بعض قصائده، وهو ما فعله آخرون فباتت قصائد الشاعر تردد على الألسنة، وقد بلغ عدد قصائده المغناة نحو ستين قصيدة!
كما حصد الشاعر عجمو جوائز كثيرة في مجال الشعر، في مقدمها جائزة الشاعر الكردي جكرخوين للإبداع الشعري 2013 التي منحه إياها الاتحاد العام للكتاب والصحافيين الكرد وهي تعد أحد أهم جوائز الإبداع الأدبي الكردي، بالإضافة إلى جائزة الشعر الكردي، وجائزة الأديب عبد الرحمن آلوجي وشهادة تكريم من أسرة الشاعر أحمد بالو. كل هذا جاء نتيجة أهمية قصيدته ذات اللغة الشفافة، السهلة، لكن المحملة بعاطفة كبيرة.
بدأ عجمو حياته الإبداعية بالكتابة باللغة العربية، إلا أنه سرعان ما لجأ إلى الكتابة بلغته الكردية الأم التي أنتج بها جميع أعماله الشعرية اللاحقة، رغم أن الكتابة بهذه اللغة كانت تشكل خطراً على من يكتب أو يقرأ بها، وكان ضبط مجرد ألفباء كردية، أو قصيدة غزلية بهذه اللغة يشكل تهمة كبرى، إلا أن إحساسه الكبير بضرورة أن ينتج إبداعه الشعري بلغته الأم، هذه اللغة التي باتت مصادر رفدها تتعرض للتجفيف والنضوب ضمن إطار محو هوية إنسانها، جعله يتحدى كل الصعوبات. لقد تعرض للاستجواب والمراقبة مرات كثيرة، إلا أنه ظل يواصل كتاباته، بصمت، بعيداً عن الضجيج المفتعل، والأضواء، ممارساً نقده بحق كل من حوله، وفي المقدمة أولي الأمر من أهله الكرد:
لو أننا ندير الظهور للأمس
لن نفلح
- لن يصبح واحدنا اثنين -
نظل في آخر مواكب الآخرين
ولن يظل لنا إلا القول:
أواه، يا رباه...
هيمن طابع الألم على الكثير من قصيدة عجمو الغنائية، سواء أكانت وطنية، أو عاطفية، أو تأملية وجدانية، ولعل ذلك يعود لأسباب كثيرة، من بينها تلك الإحباطات الكبيرة التي عايشها على الصعيدين الشخصي والعام. وكانت قصيدته - غالباً – ما كانت تعتمد على الخطابية، والمباشرة، وذلك لأنه كان يعول على دورها الوظيفي في خدمة رؤيته القومية الإنسانية:
الانقسامات دعتنا
دون عاصمة
دون حدود
الجهل أفتك بنا
فأين حدائق الورود الحمراء؟
لقد عاش عجمو قصيدته التي كان يترجمها في حياته اليومية، ونذر حياته الخاصة لهذه القصيدة التي كان يرى فيها رهانه الأكبر، فلم يتزوج أو يكون أسرة. وكان يردد دائما: «قصائدي أولادي وعالمي وحبي». وقد ظل وفياً لهذه الرؤية، وترجم ذلك على نحو عملي، فانحاز منذ البداية للثورة السورية، منخرطاً في المظاهرات الشعبية منذ بداياتها، ونتيجة لذلك أدرج اسمه في قوائم المطلوبين والملاحقين من قبل السلطة السورية، مما منع سفره للمعالجة في دمشق، في ظل الحصار المقام على مدينته: قامشلي التي ولد فيها، وغنى لها.