تونس: أزمة بين الحكومة والبرلمان حول حملة مكافحة الفساد

إحالة ملفات مسؤولين كبار من بينهم ثلاثة وزراء إلى الرئيس الشاهد

تونس: أزمة بين الحكومة والبرلمان حول حملة مكافحة الفساد
TT

تونس: أزمة بين الحكومة والبرلمان حول حملة مكافحة الفساد

تونس: أزمة بين الحكومة والبرلمان حول حملة مكافحة الفساد

لم يلبِّ يوسف الشاهد، رئيس حكومة الوحدة الوطنية التونسية، دعوات البرلمان المتكررة له للحضور من أجل مناقشة عدة قضايا ترتبط بالحملة ضد الفساد، التي استهدفت رجال أعمال ومهربين، وقابلت الحكومة هذه الدعوات بالرفض واللامبالاة، ولم توجِّه أي مراسلة إلى البرلمان تنهي الجدل الدائر حول إمكانية تدهور العلاقة إلى ما يشبه أزمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وفي مقابل رفض الحكومة تمسك نواب البرلمان، خصوصاً نواب أحزاب المعارضة بضرورة مساءلة الحكومة حول موجة الاعتقالات المستندة إلى قانون الطوارئ، و«الإقامة الإجبارية» ضد المتهمين، الذين لم يتم إلى الآن عرضهم على القضاء ولم تصدر أحكام قضائية ضدهم.
ويرى متابعون أن علاقة الحكومة بحزب النداء الحاكم وبالكتلة البرلمانية، التي عبرت عن غضبها تجاه سياسة الشاهد لأنها لم تدافع عن قيادات الحزب المتهمين بدورهم بالفساد مع بعض رجال الأعمال الموقوفين، تقف وراء عدم توجه الشاهد إلى البرلمان ومناقشة جميع تفاصيل الأحداث السياسية الأخيرة. كما أن الشاهد يسعى إلى تحقيق مزيد من النتائج الإيجابية في حربه ضد الفساد، حتى يذهب إلى البرلمان محملاً بخلاصات ومعطيات تقوي موقفه بخصوص الاعتقالات الأخيرة المخالفة للقوانين المنظمة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية في البلاد.
وبشأن تلكؤ الحكومة في الحضور للمساءلة أمام البرلمان، رجح زهير المغزاوي، رئيس حزب حركة الشعب المعارضة، أن تكون حسابات سياسية وراء عدم استجابة الشاهد، علماً بأن الدعوة الأولى كانت قد صدرت عن محمد الناصر، رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) مباشرة بعد الاعتقالات التي شملت رجال أعمال ومهربين متهمين بالفساد، إلا أن الشاهد لم يتفاعل مع تلك الدعوة ولم يحدد تاريخاً لمقر البرلمان، وهو ما يجعله، حسب مراقبين، رافضاً لهذه الدعوة أو متجاهلاً لها.
وأكد المغزاوي أن رئيس الحكومة لم يلتزم بالقواعد الدستورية المنظمة للعلاقة التي تربط بين الحكومة والبرلمان، الذي يحق له مساءلة الحكومة عن كل الخطوات والإجراءات التي تتخذها، وعزا المغزاوي تجاهل تلك الدعوات إلى اعتبار الحكومة جلسات المساءلة العلنية بمثابة «محاكمة سياسية مباشرة مما سيكون له أثر كبير على صورتها لدى الرأي العام التونسي»، خصوصاً أنها اعتمدت خلال موجة الاعتقالات الأخيرة على قانون الطوارئ عوض اللجوء إلى القضاء.
من جهته، قال رئيس هيئة مكافحة الفساد في تونس أمس إن الهيئة أحالت قائمة بمسؤولين كبار في أجهزة الدولة متورطين في فساد إلى الحكومة بطلب منها.
وأفاد رئيس الهيئة شوقي الطبيب بإحالة ملفات فساد تتعلق بعدد من كبار المسؤولين والموظفين في الدولة، من بينهم ثلاثة وزراء، إلى رئاسة الحكومة، موضحاً أن القائمة تضم «ثلاثة وزراء تحوم حولهم شبهات فساد أحدهم وزير برتبة مستشار لدى رئيس الحكومة يوسف الشاهد، ووزير سابق، ووزير مستشار ثالث وقع إقالته».
وأضاف الطبيب أن «الهيئة قدمت قائمة الفاسدين بطلب من رئيس الحكومة»، مشدداً على أن الفساد الذي يضرب الإدارة وقطاعات الصحة والتعليم والاستثمار والصفقات العمومية يهدد بإفشال الانتقال الديمقراطي في تونس، وأن الرؤوس الكبرى للفساد لم يتم إيقافها بعد.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.