حريق برج سكني يصدم لندن... والضحايا بالعشرات

200 رجل إطفاء حاربوا النيران لأكثر من 16 ساعة

ألسنة النار تلتهم «برج غرينفيل» السكني غرب لندن أمس (أ.ف.ب)
ألسنة النار تلتهم «برج غرينفيل» السكني غرب لندن أمس (أ.ف.ب)
TT

حريق برج سكني يصدم لندن... والضحايا بالعشرات

ألسنة النار تلتهم «برج غرينفيل» السكني غرب لندن أمس (أ.ف.ب)
ألسنة النار تلتهم «برج غرينفيل» السكني غرب لندن أمس (أ.ف.ب)

استفاقت بريطانيا، أمس، على وقع فاجعة جديدة، هي الثالثة في غضون أسابيع، بعد أن أدى حريق في أحد الأبراج السكنية بالعاصمة لندن إلى مقتل 12 على الأقل وإصابة العشرات.
واستمر الحريق الذي اندلع في شارع لاتيمر بعد منصف ليل الثلاثاء إلى الأربعاء، أكثر من 16 ساعة قبل أن يتمكن رجال الإطفاء من إخماده. وأكدت متحدثة باسم جهاز إطفاء لندن لـ«الشرق الأوسط» أن 200 من رجال الإطفاء شاركوا في العملية، منذ أن تمّ إبلاغ السلطات 54 دقيقة بعد منصف الليل، لافتة إلى أنه لم يتم تحديد سبب الحريق بعد، وأنه تم فتح تحقيق لتوضيح ملابسات الحادث.
وقال مساعد مفوض جهاز الإطفاء دان دالي: «يبذل رجال الإطفاء المزودون بأجهزة تنفس أقصى الجهود في ظروف بالغة الصعوبة من أجل السيطرة على هذا الحريق». وأضاف أنه «حادث كبير وخطير جدّاً، ونشرنا كثيراً من الموارد والأجهزة المختصة».
وامتدت النيران بسرعة فائقة عبر الطوابق الـ24 لبرج غرينفيل تاور الذي يعود بناؤه لسبعينات القرن الماضي، والذي يقع شمال حي كنسينغتون وبمحاذاة منطقة شيبردز بوش، التي تقطنها جاليات عربية وأفريقية بكثافة.
وكان يقطن في شقق البرج الـ120 نحو 600 شخص، وشوهد بعضهم يستغيث برجال الإطفاء ويحاول الهرب من النيران، فيما ألقى آخرون بأطفالهم من النوافذ لإنقاذهم. وقال ستيوارت كوندي المسؤول في شرطة العاصمة في بيان: «يمكنني أن أؤكد مصرع 12 شخصاً حتى الآن، لكن الحصيلة يمكن أن ترتفع خلال عملية البحث المعقدة التي ستستمر عدة أيام»، بينما لا يزال كثير من الأشخاص في عداد المفقودين. فيما أكد عمدة لندن صديق خان لشبكة «سكاي نيوز» أن «كثيراً من الأشخاص في عداد المفقودين»، ملمحاً إلى أن الحصيلة قد ترتفع رغم أن «البعض لجأوا إلى جيرانهم أو أصدقائهم».
وبينما لم تؤكد السلطات أسباب الحادث بعد، فإن تقارير إعلامية محلية أفادت بأن سكان المبنى حذروا قبل عام من خطر اندلاع حريق بسبب تراكم النفايات أثناء أعمال ترميم، التي انتهت العام الماضي وكلّفت 8.6 مليون جنيه إسترليني. وكتبت جمعية «غرينفيل أكشن غروب» آنذاك أن «المسألة مثيرة للقلق، إذ ليس هناك سوى مدخل ومخرج واحد لبرج غرينفيل خلال أعمال الترميم». وأضافت أن «مخاطر اندلاع حريق في المنطقة المشتركة في الممر مخيفة، ويمكن أن يعلق الأهالي داخل المبنى ولا مخرج أمامهم».
وروى شهود عيان وناجون من الحريق تفاصيل مرعبة من الحادث. وروى صباح، وهو عراقي خمسيني غادر البرج مع زوجته، لـ«الشرق الأوسط»: «نقيم في هذه البناية منذ 30 عاماً. واعتدنا سماع جرس الإنذار بنشوب حريق، ونغادر شققنا مسرعين ليتبين أنه إنذار كاذب، أو أن الأمر يتعلق بحريق بسيط. وليلة أمس (أول من أمس)، توقعنا أن الأمر مماثل، ولم نحمل معنا أيّاً من أغراضنا». وهرب صباح وزوجته من بيتهما في الطابق الـ17 عند نحو الساعة الواحدة ليلا، بعد أن دق أحد الجيران بابهم وأنذرهم باندلاع حريق كبير في المبنى. ويقول صباح: «هرعنا إلى الدرج، وكنا نحاول الاحتماء من الدخان الكثيف. والتفتت إلى زوجتي في درج الطابق الـ15، لأكتشف أنني أضعتها». ولا يزال صباح يبحث عن زوجته حتى وقت كتابة هذه السطور.
بدورها، روت حنان الوهابي، التي لا تزال تنتظر أخباراً عن شقيقها وأسرته، لوكالة الصحافة الفرنسية أنها استيقظت بسبب الدخان عند قرابة الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. وقالت: «لقد رأيت الرماد يدخل من نافذة غرفة الجلوس التي بقيت مفتوحة. نظرت إلى الخارج ورأيت ألسنة النار تصعد حتى النافذة فأغلقتها بسرعة وخرجت مع زوجي وابني البالغ 16 عاما، وابنتي (ذات) التي لم تتجاوز 8 سنوات». ولجأت حنان، التي التفت ببطانية فوق لباس نومها مع أسرتها، إلى قاعة وضعتها السلطات في تصرف الناجين من الحريق. إلا أنها قلقة للغاية حول شقيقها عبد العزيز الوهابي، وزوجته فوزية وأبنائهما المقيمين منذ 16 عاماً تقريباً في الدور الحادي والعشرين.
روى شهود آخرون أنهم رأوا أهالي يلقون بأولادهم من النوافذ إلى مارة تحت لإنقاذهم من الحريق. وقالت سميرة العمراني، لقناة «سكاي نيوز» إنها رأت سيدة تلقي بطفلها الرضيع من الطابق العاشر. وتابعت العمراني: «رأيتُ سيدة تلوح بيدها من نافذة، وكانت تؤشر إلى أنها ستلقي بطفلها. وسارع رجل إلى الإمساك بالطفل الرضيع وأنقذ حياته». وأضافت العمراني أن أصوات الأطفال وصياحهم وبكاءهم لن تفارقها.
أما زارا، وهي شاهدة عيان أخرى، فقالت لراديو «إل بي سي» إنها رأت سيدة تلقي بطفلها البالغ 5 أو 6 سنوات من الطابق الخامس أو السادس. وتابعت: «أعتقد أنه أصيب بكدمات، وأن بعض عظامه انكسرت، لكنه على قيد الحياة»، مضيفة: «كان مشهداً من فيلم هوليوودي».
بدورها، قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية بناء على شهادات شهود عيان إن المسلمين الذين كان بعضهم ينتظر السحور لعبوا دوراً مهمّاً في إغاثة الناس. وروى أندرو باروسو، ثلاثيني مقيم في المنطقة، للصحيفة أن «كل من رأيتهم يغيثون الناس كانوا مسلمين»، وتابع: «الجميع كان يقدم المساعدة. من الجميل أن ترى هذا التعاضد» بين الناس.
من جهتها، قالت رشيدة لصحيفة «ديلي تلغراف» إن معظم العائلات المسلمة كانت مستيقظة عند اندلاع الحريق. فمعظم (المسلمين) لا ينامون إلا بعد الساعة الثانية والنصف فجراً في رمضان»، لافتة إلى أن ذلك قد يكون أنقذ حياتهم.
وبحلول ساعات الصباح الأولى، استجاب عشرات المتطوعين لنداء دائرة «كنسينغتون وتشيلسي» بالتبرع بالملابس والغذاء والغطاء لمئات الضحايا الذين غادروا شققهم وفقدوا كل ممتلكاتهم في الحريق.
ورافقت «الشرق الأوسط» عددا من المتطوعين المتجهين نحو كنيسة «سانت كليمنس»، حيث شكرهم موظفو الإغاثة وطلبوا منهم التبرع في مراكز أخرى محاذية بعد أن غطت الكنيسة حاجات الناجين اللاجئين لديها.
وقالت فاطمة، وهي بريطانية من أصول هندية تبرعت بملابس أطفال في مركز «إدوارد وودز» القريب: «سمعت صوت هليكوبتر قريباً من بيتي في وقت متأخر من الليل، لكنني اعتقدت أن الأمر يتعلق بمطاردة أحد اللصوص، كما هو الحال في هذه المنطقة أحيانا. لكنني صدمت صباح اليوم بصور الحريق على نشرة الأخبار الصباحية. وسارعت بتجميع أغراض للتبرع بها، وساعدتني والدتي التي تزورني من الهند في ذلك. فسكان البرج خسروا كل شيء، ولم يبقَ لديهم سوى القليل».
من جهتها، قالت بريطانية مسلمة، فضَّلَت التكتم عن اسمها، إنها اصطحبت أبناءها إلى المدرسة واعتذرت عن الذهاب إلى العمل، لدعم مراكز الإغاثة والمساعدة في تنظيم التبرعات وتوزيعها.
وعن احتياجات الضحايا، قالت جوتي وهي متطوعة مع المجلس المحلي لـ«الشرق الأوسط»: «إننا نعمل على إيواء الضحايا بأسرع وقت ممكن، ونجمع التبرعات المالية ونفرز التبرعات المادية من ملابس وغذاء». وتابعت جوتي التي كانت تتحدث من مركز «روغبي بورتوبيلو» أن «المركز يحوي حاليا نحو 100 شخص، وهناك نحو 3 مراكز أخرى. كما ينتشر 200 متطوع على الأقل».



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».