مجلس الشيوخ يستجوب وزير العدل الأميركي

الحرس الرئاسي يؤكد عدم امتلاكه تسجيلات للقاءات ترمب وكومي

مجلس الشيوخ يستجوب وزير العدل الأميركي
TT

مجلس الشيوخ يستجوب وزير العدل الأميركي

مجلس الشيوخ يستجوب وزير العدل الأميركي

أدلى وزير العدل الأميركي جيف سيشنز، أمس بشهادته في مجلس الشيوخ الأميركي لتفسير دوره في قضية الاتصالات مع روسيا، بعد أيام على شهادة مدير «إف بي آي» السابق جيمس كومي.
والسؤال الأول الذي طرح على هذا المسؤول الكبير في حكومة ترمب؛ هو عما إذا كان التقى السفير الروسي في الولايات المتحدة سيرغي كيسيلياك أكثر من المرتين اللتين اعترف بهما في مارس (آذار) الماضي. ووجهت انتقادات إلى وزير العدل لأنه لم يكشف في جلسة الاستماع لإقرار تعيينه في مجلس الشيوخ في يناير (كانون الثاني)، أنه التقى خلال الحملة الانتخابية السفير الروسي الذي كلفت الاتصالات معه مستشار الأمن القومي الجنرال مايكل فلين منصبه. وبعد الكشف عن لقاءين، تخلى سيشنز عن متابعة التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالي الخاضع لسلطته، حول التدخلات الروسية والاتصالات بين أعضاء في فريق حملة ترمب وروسيا.
وفي مفاجأة للجميع، قال كومي الذي أقاله ترمب إن مسؤولين كبارا كان لديهم قناعة بأن سيشنز سيرغم في نهاية المطاف على التنحي عن التحقيق. وقال: «كنا على علم أيضا بوقائع لا أستطيع الحديث عنها في جلسة علنية، كانت ستجعل مشاركته في التحقيق المرتبط بروسيا تطرح مشكلة». وحاول أعضاء اللجنة معرفة هذه الوقائع، وإن حدث لقاء ثالث مع السفير الروسي لم يكشفه سيشنز.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من تنحيه عن القضية الروسية، وقع جيف سيشنز في مايو (أيار) رسالة توصي الرئيس ترمب بإقالة جيمس كومي، بحجة أنه أساء إدارة التحقيق حول بريد هيلاري كلينتون الإلكتروني. لكن هذه الحجة سقطت بسرعة، إذ اعترف ترمب بأن قراره كان مرتبطاً بالتحقيق حول الاتصالات مع روسيا. في سياق آخر، ذكر صديق لترمب، أول من أمس، أن الرئيس الأميركي ينظر في احتمال إقالة روبرت مولر المحقق الخاص في قضية الاتصالات مع روسيا خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والمدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
وتأتي هذه التصريحات التي أدلى بها رئيس مجلس مجموعة «نيوماكس ميديا» كريستوفر رودي الاثنين، عشية الشهادة التي أدلى بها وزير العدل جيف سيشنز أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بشأن القضية نفسها.
كما تأتي بعد أيام على إفادة كومي، الذي قال أمام اللجنة نفسها إن ترمب حاول التدخل في هذا التحقيق. وقال رودي ردا على سؤال حول ما إذا كان ترمب سيسمح لمولر بمواصلة التحقيق في القضية: «أعتقد أنه ينظر ربما في إنهاء دور المحقق الخاص. أعتقد أنه يفكر في هذا الخيار»، وفق ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف: «شخصياً، أعتقد أن ذلك سيكون خطأ فادحا».
وذكر مسؤول في البيت الأبيض أن رودي «يتحدث باسمه، وليس باسم» إدارة ترمب. ونقلت شبكة «سي إن إن» عن مصدر قريب من ترمب أن الرئيس الأميركي «تلقى نصائح من عدد من المقربين منه» بعدم إقالة مولر الذي كان مديراً لـ«إف بي آي» من 2001 إلى 2013.
وقال آدم شيف، كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب: «إذا أقال الرئيس بوب مولر، فإن الكونغرس سيعيد تشكيل لجنة مستقلة فورا، ويعين بوب مولر على رأسها. لا تهدر وقتنا».
ولم ترق هذه الشائعات لرئيس مجلس النواب الجمهوري بول راين الذي قال إن «الشيء الأمثل هو أن ندع روبرت مولر يقوم بعمله. أنا أعرف بوب مولر وأثق به».
على صعيد متصل، أكد الجهاز السري المكلف خصوصاً بحماية الرئيس الأميركي، أنه لا يمتلك أي تسجيلات للمحادثات التي دارت في البيت الأبيض بين الرئيس دونالد ترمب والمدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي.
ولمح ترمب الأسبوع الماضي إلى احتمال أن تكون مناقشاته مع كومي مسجلة. وهذه القضية أساسية للرئيس، في وقت يتهمه البعض بالسعي لعرقلة التحقيق حول اتصالات أجراها مستشارون له وروسيا خلال حملة الانتخابات الرئاسية.
وقال الجهاز المكلف بحراسة الرئيس وضمان أمن كبار الشخصيات، إضافة إلى مكافحة تزوير العملة والجرائم المالية: «يبدو بعد مراجعة المؤشرات الرئيسية لجهاز الخدمة السرية أنه ليست هناك تسجيلات تتعلق بطلبكم».
وجاء هذا التصريح في رسالة، رداً على طلب من صحيفة «وول ستريت جورنال»، استنادا إلى قانون حرية الإعلام. وكان هذا الجهاز الأمني وضع في البيت الأبيض في عهدي الرئيسين الراحلين جون كينيدي وريتشارد نيكسون نظاماً سرياً للتسجيل الصوتي.
وقال ترمب الجمعة إنه سيكشف «في مستقبل قريب جداً» ما إذا كان يمتلك تسجيلات لما دار بينه وبين كومي في اللقاءات التي جمعتهما على انفراد في البيت الأبيض، والتي يزعم الرئيس الأميركي أنها ستبرئه من تهمة إعاقة سير العدالة إذا ما تأكد أنه طلب من مدير الـ«إف بي آي» وقف التحقيق مع أحد مستشاريه في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية. وكانت لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي طلبت تزويدها بهذه التسجيلات، في حال وجودها، قبل 23 يونيو (حزيران) الحالي.
من جهته، قال المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر للصحافيين أمس: «أعتقد أن الرئيس قال بوضوح الجمعة إنه سيرد في أسرع وقت ممكن» على هذا السؤال. وأضاف سبايسر: «عندما يكون مستعداً لمزيد من المناقشات، سيفعل ذلك».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟