التغير المناخي يجد طريقه إلى الفصول الدراسية في العالم رغم العقبات

الدول اقتنعت بأهمية توعية الشباب بظاهرة كبيرة الأثر في حياتهم

اهتمام متزايد عالميا بإدراج التغير المناخي في المناهج يواجهه انتقادات سياسية («الشرق الأوسط»)
اهتمام متزايد عالميا بإدراج التغير المناخي في المناهج يواجهه انتقادات سياسية («الشرق الأوسط»)
TT

التغير المناخي يجد طريقه إلى الفصول الدراسية في العالم رغم العقبات

اهتمام متزايد عالميا بإدراج التغير المناخي في المناهج يواجهه انتقادات سياسية («الشرق الأوسط»)
اهتمام متزايد عالميا بإدراج التغير المناخي في المناهج يواجهه انتقادات سياسية («الشرق الأوسط»)

بدأت قضية التغير المناخي تأخذ طريقها ببطء إلى العناوين الرئيسة في الفصول الدراسية في العالم بدءا من موريشيوس إلى مقاطعة مانيتوبا الكندية، حيث بدأت المدارس في جميع أنحاء العالم في معالجة قضية الاحترار العالمي الصعبة، وتعليم الطلاب عن طبيعة التغير الذي يشهده الكوكب وتشجيع الطلاب على التفكير بشأن السبل التي يمكنهم من خلالها المساعدة في تخفيف وتيرة هذه العملية.
وقد زادت ميزانيات المدارس المحدودة، والمخاوف بشأن إثقال كاهل المعلمين والمعارضة السياسية لما يشكل في بعض الأماكن موضوعا مثيرا للجدل من تعقيدات انتشار دروس تغير المناخ. لكن رغم ذلك تقوم الكثير من الدول بإضافة أو توسيع مثل هذه العروض، اقتناعا منها بضرورة تعليم الشباب بشأن ظاهرة يتوقع أن يكون لها تأثير كبير على حياتهم.
ويرى المدافعون أن المدارس يمكن أن تلعب دورا مهما في مكافحة تغير المناخ من خلال تعليم الشباب العادات الأكثر صداقة للبيئة وخلق جيل من الناخبين الداعم لإجراءات خفض تلوث ثاني أكسيد الكربون.
ويقول ألكسندر ليخت، من اليونيسكو، الوكالة المشرفة على برنامج عقد الأمم المتحدة للتعليم من أجل التنمية المستدامة، والذي ينتهي هذا العام: «للتخفيف من خطورة الارتفاع في درجة حرارة الأرض فنحن بحاجة إلى تغيير شامل للتفكير وتغيير الإجراءات التي تتعلق بكل ما نفكر ونقوم به».
وأضاف: «نحن بحاجة إلى فهم الجميع للقيام بشيء ما حيال ذلك، وكل مبادرة فردية. فكيف نصل إليهم بأي شيء غير التعليم؟».
لا يتفق الجميع على ذلك، وفي بعض الأماكن يواجه السؤال بشأن كيفية وإمكانية تدريس المادة معارضة سياسية. فلم يكن أداء وزير التعليم في بريطانيا في الإجابة ثابتا بشأن كيفية التعامل مع التغييرات التي يقول المدافعون عن البيئة إنها ستخفف من أهمية المناخ في المناهج الوطنية هناك.
وفي الولايات المتحدة جرى استحداث معايير علمية جديدة في 26 ولاية وطالبت منظمات للعلماء والمعلمين بتدريس التغييرات المناخية للطلبة في المدارس المتوسطة وتقديمها بتفاصيل أوسع نطاقا في المدارس الثانوية. وقد أثار ذلك معارضة في ولايات مثل وايومنغ، التي تشتهر بإنتاج الفحم والنفط. وقد حجب المشرعون هناك الشهر الماضي من تمويل هذه المعايير، قائلين إن تدريس تغير المناخ يمكن أن يضر بالاقتصاد المحلي.
ويقول الدكتور تشارلز أندرسون، أستاذ تعليم المعلم في جامعة ولاية ميتشغان الذي قدم التوصيات بشأن المعايير الجديدة: «كثير من المعلمين يشكون من أن هذا المنهج يبدو غير آمن لتدريسه، فهذا العلم صعب من الناحية النظرية ومثير للجدل. وقد يواجه شكاوى من أولياء الأمور وهو ليس جزءا من منهجي الدراسي الحالي، ومن ثم فلن أقوم بتدريسه».
بيد أن القضية تشهد جدلا أقل في دول أخرى، ففي المدارس الآيرلندية، على سبيل المثال، تتنوع تغطية تغير المناخ كجزء من قضية أوسع نطاقا تعرف باسم التعليم من أجل التنمية المستدامة، ومعالجة المشكلات البيئية والاجتماعية بدءا من الفقر إلى تضاؤل التنوع البيولوجي. ورغم تشكيل المسؤولين في الوقت الراهن استراتيجية وطنية فقط، فإن الكثير من المدارس كانت تقدم مثل هذه الدروس لسنوات، بحسب توني غاينور، مسؤول المناهج والتقييم في وزارة التعليم والمهارات الآيرلندية.
وأشار إلى أن الموضوع يتلاءم بشكل جيد مع مسعى آيرلندا في الابتعاد عن التلقين باتجاه تنمية مهارات التفكير التحليلي والنقدي لدى الطلاب. وقال، إن «التنمية المستدامة منطقية حيث توجد قضايا معقدة تحتاج إلى الخروج والاستدامة». يأتي ذلك مصحوبا «بنهج أكثر تشاركية وديمقراطية حيث يتعرف الطلاب على المشكلات التي تحتاج إلى حل، ويقوم الطلاب بأبحاثهم حول كيفية حلها».
وتتبع هذا النموذج الدول التي تتكون من جزر مثل كوبا وإندونيسيا وموريشيوس وترينداد وتوباغو. وكجزء من مسعى اليونيسكو الذي أطلق عليه «ساندووتش» (Sandwatch)، يقوم الطلاب بزيارة إلى الشواطئ لقياس اتساعها وتحليل اتجاه الموج وجمع عينات المياه وتقييم الحياة البرية وجميع البيانات الأخرى. ويشير ليخت من اليونيسكو إلى أن قيام الأطفال بزيارات ميدانية يساعد الشباب أكثر على تقدير الطبيعة. وقال: «التحدي هو ألا نجعلها أكثر تهديدا، لكن أن نجعل الأطفال يدركون قيمة ما سيفقدونه في حال استمر تغير المناخ».
ويأتي تشجيع الشباب على التفكير بشأن الحلول بمثابة خطوة رئيسة في المناقشة الناجحة لما يمكن وصفه بالقضية المثيرة للقلق، بحسب آني غريغوري، مسؤولة برنامج مركز الهند لتعليم البيئة في ولاية أحمد آباد. وقالت غريغوري: «لا يمكنك الدخول إلى الأطفال الصغار وعرض ذوبان الجليد في القارة القطبية أمامهم وكل ما يواجه المناخ من ويلات. فمع كل هذه السلبية والمعلومات التقنية يمكن أن تصيبهم بحالة من اللامبالاة».
وعوضا عن ذلك، يستخدم المركز المدعوم من الحكومة طريقة اقترحها الطلاب تتحدث عن آثار التصرفات الجيدة للأفراد عوضا عن الضرر الذي تشير إليه الآثار البيئية. ويعد التركيز على الأعمال الملموسة، مثل إصلاح الصنابير لتوفير المياه، أمر بالغ الأهمية، بحسب غريغوري.
وقال برايد كونيلي، المدير الدولي لمدارس البيئة في مؤسسة التعليم البيئي، وهي منظمة غير ربحية في كوبنهاغن: «نعم، قل للأولاد: انظروا هناك مشكلة هنا، كيف يمكنكم إصلاحها؟ ثم يمكنك استخدام الرياضيات واللغة والعلوم والجغرافيا والتاريخ». ويقول سوخبريت كاور، المنسق في بنغالور لمركز التعليم البيئي: «يطلب من كل المدارس الهندية تقديم التعليم البيئي لكن الكثير منها يسعى بشكل حثيث لتقديم المهارات الأساسية ونقل مشكلات علوم المناحل يمكن أن يشكل صعوبة».
هذه القيود توجد في الدول الغنية أيضا. ففي الولايات المتحدة تتبع توصيات العلوم الجديدة برنامج «كومان كور أوف أنجليس» ومهارات الرياضيات التي لا تزال الكثير من الولايات تفرض قيودا على تدريسها.
ويقول أندرسون من ولاية ميتشغان: «عدد الطلبة الذين سيحصلون على التعليم الخاص بتغير المناخ بسبب القصور المالي والافتقار إلى المنهج التعليمي المناسب وقضايا تدريب المعلم أوسع نطاقا من العدد الذي لن يحصل على تعليم تغير المناخ لأن شخصا ما في الهيئة التشريعية يعارضه».
فيما ترى آنغريد يونغ، منسقة مشروع التعليم المستدام الدولي في وكالة التنمية الألمانية أن المعلمين على مستوى العالم يدركون أن هذه القضية بالغة الأهمية ويتوقون لتدريسها.
وقد شاركت اليونيسكو في مثل هذه الجهود، بتقديم المساعدة على سبيل المثال في البرامج التي تهدف إلى الوصول إلى 67 ألف معلم في فيتنام والعمل على برامج التدريب الصغيرة في دول مثل البرازيل ومنغوليا وناميبيا والفلبين وأميركا الجنوبية، بحسب ليخت. وتقوم بعض الدول بتدريس المناخ في حصص العلوم وتقوم أخرى بتدريسه ضمن مادة الجغرافيا، فيما يدمج آخرون فكرة الاستدامة ضمن عدد من المواد، فالصين على سبيل المثال تدرج تعليم الاستدامة في خطتها لإصلاح المدارس، فيما أدمجته اليابان في المبادئ التوجيهية للمناهج الدراسية بحسب اليونيسكو.
ويركز المعلمون في بعض الأحيان على جعل المدارس أكثر صداقة للبيئة، حتى يستطيع الطلاب تجربة الحياة في مؤسسة ذات أثر محدود من ثاني أكسيد الكربون، بحسب توماس هوفمان، وهو مدرس بمدرسة ثانوية يساعد في تطوير منهج الاستدامة في جنوب غربي ألمانيا.
هذه المبادرات قد تواجه منتقدين، ففي بريطانيا اتهمت مؤسسة سياسة الاحترار العالمي، وهي منظمة المتشككين في التغير المناخي، المدارس بالقيام بعملية غسل دماغ للطلبة على غرار ما فعله ماو تسي تونغ في الصين.
وحذرت المؤسسة في تقريرها الذي ورد هذا الشهر، قائلة إن «النظام التعليمي دمرته حركة سياسية صديقة للبيئة، وتسعى الآن إلى استرضاء المتشددين البيئيين»، وقالت إن «السياسيين سلموا الكثير من المنهج الدراسي للناشطين البيئيين».
وقد أعاد وزير التعليم البريطاني مايكل غوف تعديل المسار جزئيا العام الماضي بعد تقليص حجم التغطية لتغير المناخ في مسودة نسخ المناهج الوطنية التي يجري العمل بها منذ سبتمبر (أيلول) المقبل، لكن النسخة المعدلة ستضع تركيزا أقل على المادة من المنهج الحالي وهو ما أثار إحباط المدافعين عن البيئة مثل إيشا مارواها، التي اجتذبت عريضتها على الإنترنت بالتركيز على قضايا المناخ 31.000 توقيع.
وقالت مارواها إن «التعليم بالنسبة لي شيء فتح عيناي بشكل كامل على كل شيء حولي». وعن نشاطها البيئي قالت: «ما كنت لأعلم شيئا عنه، لولا تجاربي في الفصل الدراسي».
* خدمة «نيويورك تايمز»



جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.