اعتداءات لندن تثير التساؤلات حول التعامل مع الجماعات المتطرفة

اثنان من المنفذين كانا معروفَين للسلطات... وأحدهما أكد تطرفه إعلامياً

كردون الشرطة البريطانية في ليلة الهجوم على جسر لندن السبت الماضي (رويترز) وفي الإطار أنجم تشودري منظر لندنستان قبل حبسه («الشرق الأوسط»)
كردون الشرطة البريطانية في ليلة الهجوم على جسر لندن السبت الماضي (رويترز) وفي الإطار أنجم تشودري منظر لندنستان قبل حبسه («الشرق الأوسط»)
TT

اعتداءات لندن تثير التساؤلات حول التعامل مع الجماعات المتطرفة

كردون الشرطة البريطانية في ليلة الهجوم على جسر لندن السبت الماضي (رويترز) وفي الإطار أنجم تشودري منظر لندنستان قبل حبسه («الشرق الأوسط»)
كردون الشرطة البريطانية في ليلة الهجوم على جسر لندن السبت الماضي (رويترز) وفي الإطار أنجم تشودري منظر لندنستان قبل حبسه («الشرق الأوسط»)

بعد مرور نحو ثلاث سنوات على بداية الاعتداءات التي اجتاحت مختلف أنحاء أوروبا لتضع الأجهزة الأمنية في موقف العاجز عن تفسير كيفية نجاح الإرهابيين في تخطي إجراءات التفتيش، دخلت بريطانيا في صراع مع النفس للإجابة عن سؤال مختلف عقب اعتداء السبت الماضي: كيف تمكن ثلاثة إرهابيين من تنفيذ ضربات بوسط لندن في الوقت الذي كان فيه على الأقل اثنان منهم معروفَين للسلطات؟ ومنهم خورام شزاد بات الذي لم يحاول إخفاء اتجاهاته المتطرفة.
في الحقيقة، أظهر خورام توجهاته أمام ملايين المشاهدين في الفيلم التسجيلي الذي عرض عام 2016 تحت عنوان «الجهاديون على الأبواب». والشيء الذي كان من المفترض أن يدق ناقوس الخطر أكثر وأكثر، وفق خبراء أمنيين، هو الصلة بين بات وغيره من المهاجمين وبين جماعة بريطانية معروفة باسم «المهاجرون». وكان محللو أساليب مكافحة الإرهاب دعوا إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد تلك الجماعة وضد فروعها على مدار السنوات الماضية. والآن يتساءل الخبراء الأمنيون عما إذا كان تشديد الإجراءات سينقذ أرواح الضحايا، وما إذا كانت هناك دروس لدول أخرى بها جماعات إرهابية محلية.
ولا تزال الظروف التي أدت للقاء الإرهابيين الثلاثة غير واضحة، لكن الباحثين ربطوا بين جماعة «المهاجرون» وبين عدد من العمليات الإرهابية سواء الناجحة أو التي جرى إحباطها في بريطانيا على مدار العقدين الأخيرين، فتلك الجماعة محظورة رسميا، لكنها تعمل بحرية.
وكان زعيم جماعة «المهاجرون»، أنجم تشودري، قد أخضع قوانين حرية التعبير في بريطانيا لاختبار عندما أطلق عددا من المناشدات النارية لحشد المتطرفين، لكنه لم يلق سوى مقاومة محدودة من السلطات البريطانية عام 2015، وكان ذلك عندما حوكم بتهمة الدعوة لحشد الدعم لتنظيم داعش وعوقب بالسجن لخمس سنوات ونصف السنة. وبحسب تصريح منسوب لرئيس وحدة مكافحة الإرهاب بشرطة لندن العام الماضي، فقد «التزم هؤلاء الناس بالقانون لسنوات كثيرة»، في إشارة إلى تشودري وشريكه المتهم محمد رحمن، مضيفا: «لا يوجد أي شخص في عالم مكافحة الإرهاب ينتابه شك في النفوذ الذي تمتعوا به وفي الشر الذي عملوا على نشره وفي أعداد الناس الذين شجعوهم على الانضمام لتنظيمهم الإرهابي».
جاء اعتقال تشودري نتيجة لتغيير في أسلوب عمل سلطات مكافحة الإرهاب البريطانية، التي اعتبرها المراقبون اعترافا بأن نهج «انتظر لترى» قد أثبت فشله، لكن التغيير جاء متأخرا لينقذ ما يمكن إنقاذه في بريطانيا وأوروبا. فنتيجة لحرية الحركة والتنقل بين مختلف أرجاء أوروبا، تمكن داعية الكراهية من تقديم العون والمساندة للجماعات الإرهابية في غيرها من الأماكن ونجح في توسيع نطاق شبكته داخل بريطانيا.
وفي سياق متصل، قال بيتر نيومان، مدير مركز لندن الدولي لدراسة التطرف: «كان هناك دائما جدل بين شرطة اسكتلنديارد، التي كانت تريد اعتقال الرموز الكبيرة، وبين أجهزة الاستخبارات التي أرادت ترك المجال أمام الجماعات المتطرفة مثل جماعة (المهاجرون) لكي تراقب أعضائها». أضاف: «كان الأمر أشبه بلعبة التوازن التي ربما تنتهي بخطأ»، فقد سمحوا لتشودري بالاستمرار في عملياته، بحسب نيومان، وتركوه يدعو أشخاصا إلى التطرف، ولو أنهم منعوه ما كان لهؤلاء الناس أن يصبحوا متطرفين. وانتهى الأمر لبعضهم بالانضمام إلى «داعش» في سوريا والعراق، في حين نفذ آخرون اعتداءات داخل بلادهم. اتسعت دائرة الانتقادات لتشمل رئيسة الوزراء تيريزا ماي التي شغلت منصب وزيرة الداخلية حتى العام الماضي، وأصبح الاعتداء الأخير الذي راح ضحيته ثمانية أشخاص أحد العناصر المهمة التي قد تحدد نتائج الانتخابات المقررة الخميس. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب المحافظين الذي تتزعمه ماي يواصل خسارته التأييد الشعبي رغم تقدمه على حزب العمل.
وقبل 24 ساعة من فتح أبواب لجان الاقتراع حاولت ماي استغلال الفرصة الأربعاء الماضي بالإيحاء بأنها ستعمل على تغيير القوانين الخاصة بمكافحة التهديدات الإرهابية.
وفي تصريحا لصحيفة «ذا صن»، التي أيدت حزب المحافظين الأربعاء الماضي، قالت ماي: «لو أن قوانين حقوق الإنسان ستشكل حجر عثرة في سبيل تحقيق ذلك، سنغير هذه القوانين».
وأفاد خصومها بأنها كانت تحاول إبعاد الانتباه عن الانتقادات الحادة لتخفيض ميزانية الشرطة الذي حدث خلال فترة توليها لوزارة الداخلية على مدى ست سنوات كاملة. وقد أشرفت ماي على تقليص الإنفاق بقطاع الشرطة، وكان من نتائجه الاستغناء عن 20.000 ضابط؛ مما زاد من المخاوف بشأن مقدرة بريطانيا على منع الهجمات قبل حدوثها. وبحسب مسؤول عمل في مكافحة الإرهاب حتى وقت قريب، فهناك على الأقل 3000 شخص في بريطانيا يشكلون تهديدات إرهابية، ناهيك عن آلاف عدة يساندون أو يتعاطفون مع الجماعات المسلحة. فمراقبة مشتبه فيه ليوم ليل نهار تتطلب نحو 20 ضابطا، مما يعني نصف عدد الشرطة البريطانية في حال رغبت الحكومة في مراقبة جميع المشتبهين ذوي الخطورة العالية.
غير أن عدم القدرة على مراقبة جميع المشتبهين تسببت في هجمات ذات خسائر كبيرة. ففي تفجيرات لندن التي جرت في 7 يوليو (تموز) 2005، كانت السلطات تراقب بعضا من المشتبه بهم قبل قيامهم بالتنفيذ، غير أنها فشلت في ملاحظة إشارات تحذير مبكرة، وفق تقرير صادر عن لجنة الأمن بالبرلمان البريطاني. وفي اعتداء مانشستر الأخير، كانت السلطات على علم بنشاطات الانتحاري منفذ العملية بعد أن تقدم عدد من جيرانه ببلاغات ضده لكنه لم يوضع تحت المراقبة.
وأوضح أوتسو أيهو، كبير المحللين بمركز «أي إتش إس، جينز لتحليل الإرهاب والتمرد»، بأنه «لتتخذ قرارا مثل هذا، فإن السلطات تفكر في عوامل مثل وجود شركاء للمشتبه به أو صلات بجهات أجنبية أو بجماعات مسلحة لتحدد ما إذا كان يجب عليها تخصيص وقت لمراقبة شخص واحد». أضاف: «ولأن الإرهابيين باتوا يتحاشون استخدام مواد غير مشروعة للإعداد للهجمات فقد أصبح منعهم أصعب بكثير. ولذلك يتعين على السلطات البحث عن الشبكات المحتملة وعن الدوائر الاجتماعية التي ربما يتواجد فيها هؤلاء الأشخاص والتي تجعلهم عرضة للتطرف».
لكن هذا المنطق يضع السلطات في موقف غير مريح؛ نظرا لأن أسهل الطرق لمراقبة تلك الدوائر التي يتواجد فيها المشتبهون هي ترك هذه الدوائر تعمل من أجل رصدها عن بعد، لكن بحسب ما أظهرت اعتداءات السبت، فهذه الاستراتيجية تمثل خطأ كبيرا في حال تمكن بعض الأشخاص من الإفلات منها.
فأحد منفذي الاعتداء الأخير (22 عاما)، إيطالي من أصل مغربي يدعي يوسف زغبة، أوقف من قبل السلطات الإيطالية في مارس (آذار) 2016، بينما كان في الطريق إلى تركيا للانضمام إلى «داعش». وفي حديثها إلى تلفزيون «بي بي سي»، أشارت والدته بعد الاعتداء إلى أنها قالت له «كن مثاليا الآن، ولا يجب عليك الاطلاع على الأشياء الغريبة على الإنترنيت أو مقابلة غرباء»، وبدلا من أن يحرص على تنفيذ تلك النصائح، سافر زغبة إلى لندن واختفى من على رادار السلطات حتى اعتداء السبت.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».