اعتداءات لندن تثير التساؤلات حول التعامل مع الجماعات المتطرفة

بعد مرور نحو ثلاث سنوات على بداية الاعتداءات التي اجتاحت مختلف أنحاء أوروبا لتضع الأجهزة الأمنية في موقف العاجز عن تفسير كيفية نجاح الإرهابيين في تخطي إجراءات التفتيش، دخلت بريطانيا في صراع مع النفس للإجابة عن سؤال مختلف عقب اعتداء السبت الماضي: كيف تمكن ثلاثة إرهابيين من تنفيذ ضربات بوسط لندن في الوقت الذي كان فيه على الأقل اثنان منهم معروفَين للسلطات؟ ومنهم خورام شزاد بات الذي لم يحاول إخفاء اتجاهاته المتطرفة.
في الحقيقة، أظهر خورام توجهاته أمام ملايين المشاهدين في الفيلم التسجيلي الذي عرض عام 2016 تحت عنوان «الجهاديون على الأبواب». والشيء الذي كان من المفترض أن يدق ناقوس الخطر أكثر وأكثر، وفق خبراء أمنيين، هو الصلة بين بات وغيره من المهاجمين وبين جماعة بريطانية معروفة باسم «المهاجرون». وكان محللو أساليب مكافحة الإرهاب دعوا إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد تلك الجماعة وضد فروعها على مدار السنوات الماضية. والآن يتساءل الخبراء الأمنيون عما إذا كان تشديد الإجراءات سينقذ أرواح الضحايا، وما إذا كانت هناك دروس لدول أخرى بها جماعات إرهابية محلية.
ولا تزال الظروف التي أدت للقاء الإرهابيين الثلاثة غير واضحة، لكن الباحثين ربطوا بين جماعة «المهاجرون» وبين عدد من العمليات الإرهابية سواء الناجحة أو التي جرى إحباطها في بريطانيا على مدار العقدين الأخيرين، فتلك الجماعة محظورة رسميا، لكنها تعمل بحرية.
وكان زعيم جماعة «المهاجرون»، أنجم تشودري، قد أخضع قوانين حرية التعبير في بريطانيا لاختبار عندما أطلق عددا من المناشدات النارية لحشد المتطرفين، لكنه لم يلق سوى مقاومة محدودة من السلطات البريطانية عام 2015، وكان ذلك عندما حوكم بتهمة الدعوة لحشد الدعم لتنظيم داعش وعوقب بالسجن لخمس سنوات ونصف السنة. وبحسب تصريح منسوب لرئيس وحدة مكافحة الإرهاب بشرطة لندن العام الماضي، فقد «التزم هؤلاء الناس بالقانون لسنوات كثيرة»، في إشارة إلى تشودري وشريكه المتهم محمد رحمن، مضيفا: «لا يوجد أي شخص في عالم مكافحة الإرهاب ينتابه شك في النفوذ الذي تمتعوا به وفي الشر الذي عملوا على نشره وفي أعداد الناس الذين شجعوهم على الانضمام لتنظيمهم الإرهابي».
جاء اعتقال تشودري نتيجة لتغيير في أسلوب عمل سلطات مكافحة الإرهاب البريطانية، التي اعتبرها المراقبون اعترافا بأن نهج «انتظر لترى» قد أثبت فشله، لكن التغيير جاء متأخرا لينقذ ما يمكن إنقاذه في بريطانيا وأوروبا. فنتيجة لحرية الحركة والتنقل بين مختلف أرجاء أوروبا، تمكن داعية الكراهية من تقديم العون والمساندة للجماعات الإرهابية في غيرها من الأماكن ونجح في توسيع نطاق شبكته داخل بريطانيا.
وفي سياق متصل، قال بيتر نيومان، مدير مركز لندن الدولي لدراسة التطرف: «كان هناك دائما جدل بين شرطة اسكتلنديارد، التي كانت تريد اعتقال الرموز الكبيرة، وبين أجهزة الاستخبارات التي أرادت ترك المجال أمام الجماعات المتطرفة مثل جماعة (المهاجرون) لكي تراقب أعضائها». أضاف: «كان الأمر أشبه بلعبة التوازن التي ربما تنتهي بخطأ»، فقد سمحوا لتشودري بالاستمرار في عملياته، بحسب نيومان، وتركوه يدعو أشخاصا إلى التطرف، ولو أنهم منعوه ما كان لهؤلاء الناس أن يصبحوا متطرفين. وانتهى الأمر لبعضهم بالانضمام إلى «داعش» في سوريا والعراق، في حين نفذ آخرون اعتداءات داخل بلادهم. اتسعت دائرة الانتقادات لتشمل رئيسة الوزراء تيريزا ماي التي شغلت منصب وزيرة الداخلية حتى العام الماضي، وأصبح الاعتداء الأخير الذي راح ضحيته ثمانية أشخاص أحد العناصر المهمة التي قد تحدد نتائج الانتخابات المقررة الخميس. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب المحافظين الذي تتزعمه ماي يواصل خسارته التأييد الشعبي رغم تقدمه على حزب العمل.
وقبل 24 ساعة من فتح أبواب لجان الاقتراع حاولت ماي استغلال الفرصة الأربعاء الماضي بالإيحاء بأنها ستعمل على تغيير القوانين الخاصة بمكافحة التهديدات الإرهابية.
وفي تصريحا لصحيفة «ذا صن»، التي أيدت حزب المحافظين الأربعاء الماضي، قالت ماي: «لو أن قوانين حقوق الإنسان ستشكل حجر عثرة في سبيل تحقيق ذلك، سنغير هذه القوانين».
وأفاد خصومها بأنها كانت تحاول إبعاد الانتباه عن الانتقادات الحادة لتخفيض ميزانية الشرطة الذي حدث خلال فترة توليها لوزارة الداخلية على مدى ست سنوات كاملة. وقد أشرفت ماي على تقليص الإنفاق بقطاع الشرطة، وكان من نتائجه الاستغناء عن 20.000 ضابط؛ مما زاد من المخاوف بشأن مقدرة بريطانيا على منع الهجمات قبل حدوثها. وبحسب مسؤول عمل في مكافحة الإرهاب حتى وقت قريب، فهناك على الأقل 3000 شخص في بريطانيا يشكلون تهديدات إرهابية، ناهيك عن آلاف عدة يساندون أو يتعاطفون مع الجماعات المسلحة. فمراقبة مشتبه فيه ليوم ليل نهار تتطلب نحو 20 ضابطا، مما يعني نصف عدد الشرطة البريطانية في حال رغبت الحكومة في مراقبة جميع المشتبهين ذوي الخطورة العالية.
غير أن عدم القدرة على مراقبة جميع المشتبهين تسببت في هجمات ذات خسائر كبيرة. ففي تفجيرات لندن التي جرت في 7 يوليو (تموز) 2005، كانت السلطات تراقب بعضا من المشتبه بهم قبل قيامهم بالتنفيذ، غير أنها فشلت في ملاحظة إشارات تحذير مبكرة، وفق تقرير صادر عن لجنة الأمن بالبرلمان البريطاني. وفي اعتداء مانشستر الأخير، كانت السلطات على علم بنشاطات الانتحاري منفذ العملية بعد أن تقدم عدد من جيرانه ببلاغات ضده لكنه لم يوضع تحت المراقبة.
وأوضح أوتسو أيهو، كبير المحللين بمركز «أي إتش إس، جينز لتحليل الإرهاب والتمرد»، بأنه «لتتخذ قرارا مثل هذا، فإن السلطات تفكر في عوامل مثل وجود شركاء للمشتبه به أو صلات بجهات أجنبية أو بجماعات مسلحة لتحدد ما إذا كان يجب عليها تخصيص وقت لمراقبة شخص واحد». أضاف: «ولأن الإرهابيين باتوا يتحاشون استخدام مواد غير مشروعة للإعداد للهجمات فقد أصبح منعهم أصعب بكثير. ولذلك يتعين على السلطات البحث عن الشبكات المحتملة وعن الدوائر الاجتماعية التي ربما يتواجد فيها هؤلاء الأشخاص والتي تجعلهم عرضة للتطرف».
لكن هذا المنطق يضع السلطات في موقف غير مريح؛ نظرا لأن أسهل الطرق لمراقبة تلك الدوائر التي يتواجد فيها المشتبهون هي ترك هذه الدوائر تعمل من أجل رصدها عن بعد، لكن بحسب ما أظهرت اعتداءات السبت، فهذه الاستراتيجية تمثل خطأ كبيرا في حال تمكن بعض الأشخاص من الإفلات منها.
فأحد منفذي الاعتداء الأخير (22 عاما)، إيطالي من أصل مغربي يدعي يوسف زغبة، أوقف من قبل السلطات الإيطالية في مارس (آذار) 2016، بينما كان في الطريق إلى تركيا للانضمام إلى «داعش». وفي حديثها إلى تلفزيون «بي بي سي»، أشارت والدته بعد الاعتداء إلى أنها قالت له «كن مثاليا الآن، ولا يجب عليك الاطلاع على الأشياء الغريبة على الإنترنيت أو مقابلة غرباء»، وبدلا من أن يحرص على تنفيذ تلك النصائح، سافر زغبة إلى لندن واختفى من على رادار السلطات حتى اعتداء السبت.
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ {الشرق الأوسط}