الكشف عن «اتفاق إعلان مبادئ» توصل إليه كيري مع نتنياهو وعباس

على طاولة ترمب تمهيداً لبذل جهود للتسوية على أساسه

عناصر من «حماس» أثناء تشييع القيادي في الحركة إبراهيم أبو النجا في رفح أمس (رويترز)
عناصر من «حماس» أثناء تشييع القيادي في الحركة إبراهيم أبو النجا في رفح أمس (رويترز)
TT

الكشف عن «اتفاق إعلان مبادئ» توصل إليه كيري مع نتنياهو وعباس

عناصر من «حماس» أثناء تشييع القيادي في الحركة إبراهيم أبو النجا في رفح أمس (رويترز)
عناصر من «حماس» أثناء تشييع القيادي في الحركة إبراهيم أبو النجا في رفح أمس (رويترز)

كشفت مصادر سياسية أميركية وإسرائيلية في تل أبيب، أمس، عن وثيقتين تدلان على أن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، اقترب كثيرا من التوصل إلى صيغة «اتفاق إعلان مبادئ» مع كل من الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مطلع العام 2014. وأكدت المصادر، أن الوثيقتين مطروحتان اليوم على طاولة الرئيس دونالد ترمب، وهو يستعد لبذل الجهود للتسوية على أساسهما.
والوثيقتان هما مسودتان لـ«وثيقة الإطار» الأميركية، التي صاغها كيري، في حينه، على أمل أن تشكل قاعدة للمفاوضات حول الاتفاق الدائم بين الطرفين. وقد كتبت المسودة الأولى في منتصف شهر فبراير (شباط) 2014، والأخرى في منتصف الشهر التالي مارس (آذار). وتعكسان معا مواقف إدارة الرئيس باراك أوباما، وتعتمدان على قناة محادثات سرية في لندن، أجراها في 2013 المستشار السياسي الخاص لنتنياهو وأهم المقربين منه، المحامي يتسحاق مولخو، ومستشار الرئيس الفلسطيني، الدكتور حسين آغا. وقال مسؤولون أميركيون كبار في الإدارة السابقة، أمس: إن «نتنياهو رغب في أن تأخذ الإدارة الأميركية نتائج قناة الحوار هذه، وتعيد قولبتها في وثيقة أميركية يتم عرضها على الجانبين».
وقد كتبت مسودة الوثيقة الأولى قبل يومين من اللقاء بين كيري وعباس في باريس. في حينه، عمل الطاقم الأميركي بشكل حثيث مع جهات من ديوان نتنياهو، على صياغة الوثيقة. وكان الأميركيون يأملون بأن ينجحوا مع الإسرائيليين في صياغة نص يكون مقبولا على نتنياهو، ومن ثم عرضه على عباس، وبالتالي نقل المفاوضات إلى مرحلة الحديث عن الاتفاق الدائم.
وتعاملت الوثيقة التي تم التوصل إليها مع كل القضايا الجوهرية للصراع. وتحدد بأن رؤية الدولتين يجب أن تعتمد على الاعتراف بإسرائيل كـ«دولة قومية للشعب اليهودي»، إلى جانب فلسطين كدولة قومية للشعب الفلسطيني. ويتفق هذا الموقف مع مطلب نتنياهو من الفلسطينيين. وكتب في الوثيقة بشكل واضح، أن هذا الاعتراف سيتم فقط في حال الحفاظ على الحقوق الكاملة للأقليات الدينية والقومية.
وفي موضوع الحدود، تؤكد الوثيقة، أن «الحدود الجديدة، الآمنة والمعترف بها دوليا، لإسرائيل وفلسطين ستطرح للتفاوض على أساس خطوط 67، مع تبادل للأراضي وحجمها ومكانها يتم الاتفاق عليه من قبل الجانبين، خلال المفاوضات، بحيث تقوم فلسطين على مساحة تتفق في حجمها مع المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة المصرية والأردنية قبل الرابع من يونيو (حزيران) 1967، ومع تواصل إقليمي في الضفة الغربية». كما كتب في الوثيقة، أن تعديل الحدود يتفق مع «التطورات على الأرض» ومع المطالب الأمنية الإسرائيلية. وحسب دوري غولد، الذي كان مستشارا سياسيا في حينه، فإن نتنياهو وافق على تقبل وثيقة الإطار كلها كقاعدة للمفاوضات. مع ذلك، يظهر في الوثيقة الداخلية بالذات، تحفظ لنتنياهو، طلب فيه عدم شمل البند الذي يتحدث بشكل واضح عن التواصل الإقليمي الفلسطيني في الضفة وعن تبادل الأرض بنسبة 1:1، وقد رفض الأميركيون هذين التحفظين بادعاء أنهما يفرغان كل موضوع الحدود من مضمونه.
أما في موضوع القدس، فتحدد وثيقة فبراير، أن المدينة لا تقسم في الاتفاق المستقبلي، ولم تتضمن أي ذكر لعاصمة فلسطينية في القدس الشرقية، وذلك بعد إصرار الجانب الإسرائيلي على ذلك. وكتب فقط أنه يجب تسوية موضوع القدس في المفاوضات، وأن الجانبين يطمحان إلى الحصول على اعتراف دولي بالقدس عاصمة لهما. وعندما عرض كيري هذا النص على عباس في باريس، رد الزعيم الفلسطيني بغضب، وقال: إنه لا يمكن لأي زعيم فلسطيني الموافقة عليه. وفهم الأميركيون أنه لكي يحصلوا على رد إيجابي من الفلسطينيين، يجب عليهم تعديل الوثيقة، وبشكل خاص في مسألة بالقدس.
وكانت لدى عباس تحفظات أخرى، مثلا بشأن امتناع الوثيقة عن تحديد جدول زمني للانسحاب الإسرائيلي من أراضي الدولة الفلسطينية، حيث كتب فيها أنه يتم الاتفاق على ذلك بين الأطراف. وفي موضوع اللاجئين، حددت الوثيقة بأن «حق العودة» لا يتم في إسرائيل، وأن الدولة الفلسطينية ستشكل الحل الرئيسي لهذه المشكلة، لكن إسرائيل توافق في المقابل، في حالات إنسانية معينة، على دخول لاجئين فلسطينيين إلى أراضيها، بناء على قرارها الخاص. ولم تتحفظ إسرائيل من هذا البند. وبعد فشل لقاء كيري وأبو مازن في باريس، قررت الإدارة صياغة نص جديد لـ«وثيقة الإطار». لكن هذا النص، وخلافا لنص فبراير، لم يتم تنسيقه مع الجانب الإسرائيلي، ولم يتقبل نتنياهو ما كتب فيه. وتم إعداد الوثيقة قبل لقاء أوباما وعباس في البيت الأبيض في 16 مارس 2014. بعد أقل من شهر من لقاء باريس. وقد كتبت الوثيقة الثانية في 15 مارس، قبل يوم من حضور عباس إلى البيت الأبيض. ويمكن رؤية فوارق معينة بين الوثيقتين منذ الفقرة الأولى، حيث كتب بأن هدف المفاوضات هو «إنهاء الاحتلال الذي بدأ في 1967». وفي موضوع الحدود لا تشمل الوثيقة الثانية عبارة «حسب التطورات على الأرض».
وفي موضوع الاعتراف بالدولة اليهودية، واصلت الوثيقة الثانية التحديد بأن هذا الاعتراف يكون جزءا من كل اتفاق، ولكنها تؤجل الاعتراف إلى ما بعد حل كل القضايا الجوهرية للصراع. وقدر الجانب الأميركي، بأن هذا النص سيسهل على عباس الموافقة على هذا البند؛ لأنه مناط بسلسلة من التنازلات الإسرائيلية. الفارق الجوهري بين الوثيقتين يتعلق بالقدس. في الوثيقة التي كتبت في مارس، كتب بشكل واضح أنه «من أجل تلبية احتياجات الطرفين، يحدد الاتفاق بأنه يجب الوصول إلى وضع تكون فيه لإسرائيل ولفلسطين عاصمة معترف بها دوليا في القدس، بحيث تكون القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين. وأما البلدة القديمة والأماكن المقدسة والأحياء اليهودية فتتم معالجتها في إطار مفاوضات الحل الدائم».
وكانت الولايات المتحدة تأمل بأن يكون هذا النص المعدل في موضوع القدس، كافيا للحصول على رد إيجابي من عباس، لكي يتسنى لها تحويل الوثيقة إلى نتنياهو. ولم تكن نيتها فرض أي من الوثيقتين على أي من الجانبين، وإنما التوصل إلى صيغة يوافق عليها الطرفان. لكن عباس لم يرد بالإيجاب على اقتراح أوباما، ولكنه لم يرفضه أيضا، وإنما لم يسلم رده للولايات المتحدة. وقد أكدت جهات مسؤولة أميركية وفلسطينية، بأن عباس تخوف من الموافقة على اقتراح أوباما، ومن ثم يكتشف بأن نتنياهو رفضه. فهو لم يصدق بأن أوباما يستطيع فعلا الحصول على تنازلات من نتنياهو. ولكن مسؤولين آخرين رأوا أن عباس لا يستطيع الالتزام باتفاق سلام، بسبب المصاعب السياسية الداخلية. لكن في السطر الأخير، لم يوافق لا نتنياهو ولا عباس على وثيقة كيري رسميا.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.