الأطباء ومعرفتهم بتكاليف معالجات المرضى

لكل من عنصر الكفاءة الطبية، وعنصر تحمل المسؤولية المالية أهمية في بناء أطباء قادرين على توفير المعالجات الطبية للمرضى بقدرات عالية في الاستفادة الأمثل من الموارد المالية التي تمتلكها المستشفى، وتسخرها لمعالجة المرضى بأفضل طريقة ممكنة.
وأقسام الإسعاف Emergency Department في المستشفيات هي في واقع الحال الطبي من أهم مرافق تقديم الرعاية الطبية، وأكثرها حساسية في معالجة فئات المرضى الأعلى احتياجاً للدقة في التشخيص، والسرعة في تقديم المعالجة الطبية.
وإدراك الأطباء للتكاليف المادية لتقديمهم الرعاية الطبية المستعجلة في أقسام الإسعاف هو خطوة مهمة في تطوير مقاربات حكيمة وعقلانية لدى الأطباء في دقة وسرعة معالجة المرضى بغية تحقيق التوزيع الفعال في الاستفادة من الموارد المالية من أجل تخفيف الأعباء المادية لتكاليف المعالجة على المرضى.
وضمن عدد 30 مايو (أيار) من مجلة الرابطة الأميركية للطب التقويمي العظمي The Journal of the American Osteopathic Association، عرض الباحثون من كلية التقويم العظمي بجامعة ولاية ميتشغان الأميركية نتائج دراستهم مدى معرفة أطباء أقسام الإسعاف لتكاليف المعالجات الطبية التي يقدمونها بصفة مستعجلة للمرضى في أقسام الطوارئ تلك.
وقال الباحثون: إن الهدف هو تحديد مدى معرفة العاملين الطبيين في أقسام الإسعاف بالتكاليف المادية التي تتطلبها معالجتهم للمرضى. وهو هدف من خلاله يمكن فهم الكثير عن مستوى نوعية الأداء في خدمة المرضى، وكذلك فهم الكثير عن مدى توفر حس الاستفادة الأمثل من الموارد المالية لدى العاملين بالمستشفيات.
وشمل الباحثون في دراستهم نحو 450 من العاملين الطبيين في أقسام الإسعاف بتخصصات مختلفة، أي أطباء متخصصين وأطباء متدربين ومساعدي أطباء وممرضين ممارسين من العاملين في 107 من أقسام الإسعاف بالولايات المتحدة. وركز الباحثون على ثلاثة سيناريوهات طبية يقوم العاملون الطبيون بالتعامل معها في أقسام الإسعاف، وهي حالة «امرأة في الخامسة والثلاثين من العمر تشكو من ألم في البطن»، وحالة «رجل في السابعة والخمسين من العمر يشكو من ضيق التنفس» وحالة «طفل في السابعة من العمر لديه ألم بالحلق». ولاحظ الباحثون في نتائج دراستهم، أن نحو 40 في المائة فقط يعرفون الكلفة الصحيحة التقريبية لتكاليف التعامل العلاجي في أقسام الإسعاف مع تلك الحالات المرضية. وخلص الباحثون إلى القول: «إن لدى المتخصصين في تقديم الرعاية الطبية بأقسام الإسعاف فهم غير كاف للتكاليف المادية المرتبطة بالرعاية الطبية المُقدمة بشكل روتيني للمرضى في الأقسام تلك».
وعرضت المؤسسة القومية للصحة NIH بالولايات المتحدة على موقعها الإلكتروني خبر هذه الدراسة، وذلك بعنوان: «تكاليف المعالجات بأقسام الإسعاف لا تزال غامضة لدى الأطباء، فقط 4 من كل عشرة بإمكانهم تحديد الرسوم المالية على المرضى كما وجدت الدراسة». وعلق الدكتور كيفن هوفمان، طبيب الإسعاف والباحث الرئيس في الدراسة، بالقول: «أذكر قديماً، حينما كنت في فترة التدريب، أني لم تكن لدي فكرة عن التكاليف المادية التي أنفقها في كل الفحوص والتحاليل والأدوية التي كنت أطلبها للمرضى، والسبب الرئيسي لذلك هو أنه لا تتم مناقشة هذا الأمر». ولذا؛ قال الباحثون إن ثمة ضرورة لتحسين مدى معرفة العاملين الطبيين بالتكاليف المادية للمعالجات التي يقدمونها في أقسام الطوارئ للمرضى. وإحدى وسائل ذلك، كما قال الباحثون، إضافة القيمة المادية مع كل تحليل ودواء وفحص يطلبه الطبيب عبر الكومبيوتر لمعالجة المريض، أي إدخال الطبيب «طلب طبي مُحوسب»، وهو ما قد يُخفض من التكاليف مع الحفاظ على تقديم رعاية طبية آمنة وذات نتائج إيجابية في معالجة المرضى. وقال الدكتور هوفمان: «إنها وسيلة جيدة لمساعدة الأطباء لتكوين روابط فيما بين المعالجات التي يقدمونها والفاتورة التي سوف تُقدم للمريض، التي إما أنه سيدفعها، أو يسددها عنه دافعو الضرائب».
وكان الباحثون من كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز الأميركية قد نشروا دراستهم حول تأثير تقديم بيانات الرسوم عند طلب الطبيب لتحاليل المختبر، وذلك ضمن عدد 27 مايو 2013 من مجلة جاما للطب الباطني JAMA Intern Med. وقال الباحثون فيها إن أهمية دراستهم تنبع من أن: «كثيراً من مقدمي الرعاية الطبية يطلبون إجراء الفحوص المخبرية للمرضى المنومين بالمستشفيات دون أي تقدير منهم لتكاليف ذلك المادية». وفي محصلة نتائج دراستهم قال الباحثون إن تقديم بيانات الكلفة المادية لمقدمي الرعاية الطبية وقت إدخال طلب الفحوصات أدى إلى انخفاض متوسط في طلبها، وأن تبني هذا الأسلوب سيقلل من عدد الفحوص التي تُطلب بشكل غير ملائم.
كما قام الباحثون من قسم الباطنية بمستشفى ماساتشوسس العام ببوسطن بإجراء دراسة حول تأثير توضيح التكاليف المادية لتحاليل المختبر على أداء أطباء الرعاية الأولية، وتم نشرها ضمن عدد مايو 2014 لمجلة الطب الباطني العام Gen Intern Med، وقال الباحثون في مقدمة الدراسة إن الأطباء تحت ضغوط متزايدة للمساهمة في خفض تكاليف تقديم الرعاية الطبية رغم أن لديهم نقص في المعلومات حول تكاليف ما تتطلبه العناية بالمرضى. وذكروا في نتائج دراستهم، أن من بين 27 نوعاً من التحليل، حصل انخفاض واضح في طلب إجراء 20 في المائة من تلك الفحوص، كما أفاد 80 في المائة من الأطباء المشمولين بالدراسة أن إضافة الكلفة المادية لتعريف الطبيب بها كان وسيلة ساهمت في معرفتهم بتلك الأمور.
ولا تزال ثمة الكثير من الوسائل التي يُمكن من خلالها تعريف الأطباء بتكاليف خطوات ومراحل تقديم المعالجة الطبية، ومدى جدوى ذلك في تحسين نتائج معالجة المرضى. والمفيد في الأمر، أن معرفة الطبيب بهذه الجوانب هي بداية لتصحيح مجريات معالجة المريض وتقليل إجراء الفحوصات التي ترفع من تكاليف الرعاية الطبية وتعرّض المريض لبعض آثارها الجانبية، وكذلك خفض عدد الأيام التي يقضيها المريض بالمستشفى.

* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
h.sandokji@asharqalawsat.com