الأبنودي: أصبحت تذكرنا بزمن الراقصات.. بيومي: ماتت وتنتظر الرثاء

«الشرق الأوسط» تفتح ملف الأغنية المصرية وترصد مساراتها بعد الثورة

الأبنودي
الأبنودي
TT

الأبنودي: أصبحت تذكرنا بزمن الراقصات.. بيومي: ماتت وتنتظر الرثاء

الأبنودي
الأبنودي

عقود من التألق حفرت خلالها الأغنية المصرية سجلا من الفخار والجمال في الوجدان المصري والعربي على يد أجيال من الملحنين والمؤلفين والمطربين العظماء، واستطاعت أن تساهم في تشكيل هذا الوجدان، والنهوض به، حتى في أقسي لحظات الفرح والانكسار. لكن هذا السجل الحافل بدأ يذبل ويتجه نحو الانحدار، وأصبحت الأغنية عبارة عن وسيلة لبث السموم والكلام البذيء في المجتمع، وافتقدت الرسالة التي تبقى في وجدان المجتمع.
عن سؤال «الشرق الأوسط» الاستطلاعي حول واقع الأغنية المصرية، وإلى أين هي ذاهبة الآن، ومساراتها بعد الثورة يقول الشاعر عبد الرحمن الأبنودي: «في كل الحالات كان الفن عموما انعكاسا لحالات المجتمعات، وأظن أن الأحوال الراهنة في بلد عربي كبير مثل مصر تشبه لحد كبير حالة الأغنية المصرية، وهناك قول قديم يقول: (إذا أردت أن تتعرف إلى شعب فتعرف إلى أغنياته)». لافتا إلى أن حالة الاضطراب السياسي والاجتماعي وعدم الاستقرار مع عدم وجود مشروع قومي كبير تلتف حوله الجماهير وتحقق به عملا جماعيا وإنجازا وطنيا ينعكس بنفس الصورة المهلهلة على الأغنية المصرية سواء كانت فردية أو جماعية.
وأوضح الأبنودي أنه رغم انتشار الفرق الغنائية في كافه أنحاء مصر الآن، إلا أن كلها تساهم في محاولة جر الأغنية إلى المجال التجاري، بعيدا عما يسمى بالوطن أو الشعب، حيث يتحول المواطنون إلى مجرد زبائن لشراء السلعة ويصبح فنانو الأغنيات كالقادمين من بلد آخر لاستعمار عقل وعواطف الجماهير.
وقال الأبنودي إنه «حينما قامت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) وبعدها ثورة 30 يونيو (حزيران) ظهر ميدان التحرير والميادين الأخرى وظهر معه الوجدان المصري في أتون الوطنية لتستمع إلى أغنيات حقيقية ونبض جديد يفوق حتى أغنياتنا الوطنية التي كتبناها في أجواء مشابهة، وشاهدنا الفنانين يخلعون أردية العاطفة المبتذلة وينخرطون في زحام جماهير مصر ويصبحون جزءا من ذلك البدن الثائر، فاندلعت الأغنيات رائعة حية. وكان ظهور فرق غنائية، بينما كان بعضها موجودا من قبل، ولكن كأنها اكتشفت ذاتها ووطنيتها وإسهامها في صنع المستقبل لهذه الأمة، وحين تساقط الشهداء وأغرقت الدماء البدن، كان لا بد لكل ذلك أن يظهر في أعمال الفنانين».
ويذكرنا الأبنودي أن ثورة الميدان استطاعت التفوق على الأجهزة الحكومية كوزارة الثقافة والإعلام وغيرها، وكان من الممكن لها أن تلتقط خيط المبادرة التي بدأها فنانو الثورة، وأن تعود إلى آلياتها القديمة في إنتاج غناء راق تمتزج فيها العاطفة والإنسانية والوطن وحياتنا كلها. مشيرا إلى أن هذا هو ما فعلوه من قبل في فترة الستينات وبعد فترات ما بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول). لكن بقدر ما أسهم «الفيديو كليب»، الذي اتكأ علي جموع الشعب وتلك المناظر التي لا تتكرر إلا في الثورات وصنع الأغنيات الجيدة، فإذا بالمحترفين ينزلون إلى الميدان ليشوهوا الصورة في غنائية بفكر ضحل، وعادوا مرة إلى الأغنيات المبتذلة أو الرخيصة والإيقاعية التي تعيد غناء العوالم والرقصات التي كانت توجد في «روض الفرج» و«عماد الدين»، فانحدرت الأغنية المصرية مرة أخرى وأفلتت من أيدي الشباب الصادق والمتحمس.
ويخلص الأبنودي إلى أن وضع الأغنية المصرية الآن يشبه نفس وضع البلبلة التي نعيشها وكأننا لا نستحق الثورتين اللتين ضحينا بكثير من أجل تحقيقهما، ونفس حالة الإحباط التي يعيشها الجمهور، وذلك الصراع المتواصل مع هؤلاء الإرهابيين الذين يريدون الرجوع بالمجتمع إلى قرون مضت، وأيضا بالأغنية إلى عصر الجواري والراقصات.
أما صاحب الألف موال وألف فزورة، الشاعر المخضرم بخيت بيومي، فيرى أن الأغنية ماتت، ولذلك قرر أن يرثيها. ويضيف: «أنا ملئ بالوجع والحزن على السلطنة والانسجام والسمع (اللي ماتوا)، ويكون ذلك مؤلما أكثر بالنسبة لشخص عاش عصر العظماء وتربى على الإبداع في أشعار بيرم التونسي وعبد الوهاب محمد، ومرسي جميل عزيز». ويكشف بيومي عن أن همه لا يقتصر على تدهور الغناء بل لديه هم آخر، وهو أن هؤلاء العظماء ينسحبون من الساحة واحدا تلو الآخر. موضحا أنه في الماضي كان شكل الأغنية يساهم في تشكيل وجدان العائلة، وكان فريق العمل يعي ذلك ويبذل كل ما في جهده للوصول إلى النغمة الجميلة الموحية التي تملأ الوجدان.
ويؤكد بيومي أن كل من هم على الساحة الغنائية الآن مكانهم الكورال وليس الطرب، مشيرا إلى أن المجال الفني ملئ بالمواهب، لكن بلا ثقافة في التلحين والتأليف، كما أن صناع المواهب ماتوا، ففي الماضي عندما كان يقوم الموجي بالتلحين لمطربة جديدة بعدها تذيع شهرتها.
ويحمل بيومي موزعي الموسيقى للأغنية النسبة الأكبر في تغيير، بل إفساد شكل الأغنية من حيث إنه جعل أي شخص يمكن أن يمتهن مهنة الغناء، وأصبحت مهنة الفن مهنة من ليس له مهنة، الجاهل أصبح يكتب أغنية حتى لو كان دارسا، لكنه لا يملك الموهبة وهذا سر نجاح الموجي وأقرانه العظام.
ويرفض بيومي توجيه اللوم للجمهور، مؤكدا أن الجمهور عندما قدم له الفن الراقي استقبله وتأثر به وخلق جيلا مثقفا، وحين اختفى هذا الفن، تماشى مع السائر بحكم الضرورة، وبذلك خلق جيلا يعمل بلا هوية.
وقال بيومي إن الساحة في حاله عقم، وما ظهر من أصوات جيدة ماتوا بسبب عدم الرعاية، رغم أنهم سايروا الموجه كآمال ماهر وغادة رجب وخالد عجاج.. وغيرهم.
واتفق مع بخيت بيومي الشاعر عوض بدوي قائلا: «إن التغير مطلوب ولكل عصر آلياته، ففي الماضي كانت الأغنية يتم غناؤها في وقت يصل إلى ساعة كأغنيات آم كلثوم، لكن الآن يصل وقتها إلى خمس دقائق على الأكثر مع تغيير في اللحن والتوزيع والكلمة».
وأوضح بدوي أنه بعد الثورات «لم يعد الفن بعيدا عما يجري حوله، وأصبحت الأغنية انعكاسا لكل هذا، ودائما كل مرحلة تعكس واقعها ونحن نعيش فترة (متلخبطة) ومتشابكة وينتابني خوف من حرص الفنانين على القيام بأغاني المهرجانات، من أجل الانتشار». لافتا إلى أن الذي يساهم في ظهور المطرب الحقيقي هو صوته وموهبته وثقافته ووعيه بما يدور حوله على كل المستويات.



لطيفة لـ«الشرق الأوسط»: أسعى لتنفيذ وصية يوسف شاهين

برأيها لطيفة أنها تحصد ما زرعته، فأغنياتها كلها {ديجيتال} عبر {يوتيوب} وتمتلك حقوقها ({الشرق الأوسط})
برأيها لطيفة أنها تحصد ما زرعته، فأغنياتها كلها {ديجيتال} عبر {يوتيوب} وتمتلك حقوقها ({الشرق الأوسط})
TT

لطيفة لـ«الشرق الأوسط»: أسعى لتنفيذ وصية يوسف شاهين

برأيها لطيفة أنها تحصد ما زرعته، فأغنياتها كلها {ديجيتال} عبر {يوتيوب} وتمتلك حقوقها ({الشرق الأوسط})
برأيها لطيفة أنها تحصد ما زرعته، فأغنياتها كلها {ديجيتال} عبر {يوتيوب} وتمتلك حقوقها ({الشرق الأوسط})

طوت المطربة التونسية لطيفة أزمة أغنية «المصري»، التي جرى تغيير كلماتها في حفل مبادرة «تحدي القراءة» بالإمارات، مؤكدة اكتفاءها بردّ الشاعر المصري جمال بخيت، مؤلف كلمات الأغنية الأصلية والجديدة.

وتنشغل لطيفة، في الوقت الراهن، بتجهيز ألبومها الجديد، الذي يجمعها مجدداً مع الموسيقار اللبناني زياد الرحباني بعد 17 عاماً من لقائهما الأول، وسيصدر ألبومهما الجديد في بداية 2025. وقالت لطيفة، خلال حوارها مع «الشرق الأوسط»، إن زياد الرحباني سابق لكل موسيقيّي عصره، وأنها لا تتنازل عن تصوير كل أغنياتها، ولا تقبل تحكُّم أي جهة إنتاج فيما تقدمه، فهي تملك زمام أمرها وتنتج أعمالها بنفسها.

تعود لموسيقى زياد رحباني بعد 17عاماً من تعاونهما الأول ({الشرق الأوسط})

وكان الشاعر جمال بخيت، مؤلف الأغنية التي غنتها لطيفة في فيلم «سكوت هنصور» للمخرج الراحل يوسف شاهين، قد أوضح، عبر حسابه بـ«فيسبوك»، أنه المسؤول الأول والأخير عن التغيير الذي طال النص، قائلاً: «لقد اعتقد البعض أن لطيفة جاءت بشاعر آخر لكتابة كلمات جديدة، وهذا مستحيل قانوناً، وانبرت بعض الأقلام بهجوم مُسيء على الفنانة الكبيرة دون وجه حق»، مؤكداً أنه كتب النص من عقله وروحه، وأن «كتابة كلام مختلف على نفس اللحن أسلوب فني حدث كثيراً مع أعمال غنائية مهمة».

وعن عودتها للتعاون مع زياد الرحباني، بعد كل هذه السنوات التي شهدت تطوراً في الموسيقى، تقول لطيفة: «زياد الرحباني خارج الزمن، ولموسيقاه طاقة أخرى وطريق آخر في الكون، هو سابق عصر الموسيقى في العالم العربي بسنوات ضوئية، وهذا ليس رأيي فقط، بل رأي الراحل عمار الشريعي وغيره من المبدعين، فموسيقاه لكل الأزمنة ويُعدّ مدرسة خاصة في إبداعاته».

تتمنى الفنانة لطيفة تنفيذ وصية المخرج الراحل يوسف شاهين ({الشرق الأوسط})

يحلو لها الحديث عنه فتقول: «كنت أسمعه وأنا بالمدرسة في تونس، وكنت أتبادل وزملائي شرائط الكاسيت لمسرحياته، وأذكر أنه في مؤتمر صحافي في التسعينات نقلته إذاعة الشعب، وكانت تجلس بيروت كلها بجوار الراديو لسماعه، وسألوه عن الفنانين الذين يمكن أن يعمل معهم دون شروط، فقال: لطيفة التونسية، وأخذتني صديقة مشتركة إلى الاستديو في يوم من أحلى أيام عمري، فلم أكن أصدِّق أن ألتقيه، وبدأنا بعدها نعمل على ألبومنا الأول (معلومات أكيدة)».

وعن مدى حرصها على التنوع في الألبوم تجيب بثقة: «هذا التنوع لا يُطلَب من زياد، فهو مختلف ومتنوع في الموسيقى والإيقاعات وكل شيء، وتوليفة لا تتكرر».

وأنهت لطيفة ألبومها قبل الحرب الجارية في لبنان، لكنها تقول: «لو لم ينته الألبوم لبقيت في لبنان، ومستعدة أن أستقل، الآن، أول طائرة لبيروت، فقد تعايشت مع انفجارات سابقة بها، فكنتُ على بُعد أمتار من موقع اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، وقد نجوتُ بفضل الله، حيث كنت أعرض مسرحية (حكم الرعيان) لمنصور الرحباني».

تفخر لطيفة بأنها قدمت المسرح الغنائي كما يجب في {حكم الرعيان} ({الشرق الأوسط})

وعن العرض تقول: «كنت، كل يوم، أشكر الله مع فتح الستار؛ لأن هذا هو الفن الهادف المحترم المُبهر الذي أحبه، لكن لم تُعرَض عليَّ أعمال بهذا المستوى، كما أنني لا أقبل بالمسرح الذي ينتهي فجراً، فكنا نقدم العرض في ساعة ونصف الساعة، كما أن الرحابنة هم أكثر من قدموا المسرح الغنائي».

وتكشف لطيفة عن ملامح الألبوم الجديد قائلة: «يضم 7 أغانٍ من ألحان زياد الرحباني؛ من بينها أغنيتان من كلمات الشاعر الكبير عبد الوهاب محمد، وهو أبي الروحي، وجمعنا 20 سنة من الأغنيات الحلوة، كان عمري 4 سنوات حين غنيت له (فكروني)، ثم اكتشفت أن كل أغنية أحبها تكون من كلماته مثل (أوقاتي بتحلو)، و(مستنياك)».

وتضيف لطيفة: «لقد وضع الله عبد الوهاب في طريقي حين جئت إلى مصر للمرة الأولى، وتبنّاني مع الموسيقار بليغ حمدي، وهما مَن جعلاني أقرر البقاء في مصر، ولولاهما لَما كانت لطيفة، وأقنعاني بأن أبقى في مصر، وقد ترك لي كل أعماله الأخيرة».

وأوصى الشاعر الراحل بأن تذهب أغنيات كثيرة له للطيفة، وفق تعبير الفنانة التونسية التي توضح: «مع كل ألبوم أقدِّم بعضاً من أعماله الجديدة، ففي الألبوم السابق قدمت أغنيتين من كلماته؛ إحداهما ألحان كاظم الساهر، والأخرى ألحان زياد الطويل. وقد تركت كلماته بصمة قوية في مشواري منذ (أكتر من روحي بحبك)، (بحب في غرامك)، (حبك هادي)، (استحالة)».

لا أقبل أن يفرض عليَّ أحد ماذا أغني

لطيفة

وفي السينما لم تقدم لطيفة سوى «سكوت هنصور» مع المخرج الكبير يوسف شاهين، مبررة ذلك: «لم تتكرر تجربتي في السينما؛ لأن ما عُرض عليَّ لا يستحق التعب، لذا ركزت في أعمالي الموسيقية».

وتكشف أنها تنتظر فيلماً في مرحلة الكتابة تحمست لفكرته، قائلة: «الآن أفكر في العودة للسينما، قد تكون لي تجربة، العام المقبل، فأنا أودّ أن أنفذ وصية يوسف شاهين، فقد قال لي قبل وفاته: (اوعديني بمواصلة التمثيل لأن بداخلك ممثلة لم يأت مثلها منذ سنوات)، وأنا أحب التمثيل وأحب الفن الراقي، وقدمت مسلسل (كلمة سر) قبل سنوات».

أشعار الراحل عبد الوهاب محمد لها بصمة قوية في مشواري

لطيفة

وتولي لطيفة اهتماماً لافتاً بتصوير أغنياتها، فهي لديها رصيد كبير من الأغنيات المصورة، وتبحث دوماً عن الفكرة والشكل المتجدد، وتعقد جلسات عمل مع المخرج اللبناني وليد ناصيف الذي صوَّر لها ألبومها الماضي بتقنية الذكاء الاصطناعي.

وتصف لطيفة نفسها بـ«ملكة التجدد والتحدي والإرادة»، مشددة على أن الفنان يجب أن يتجدد، وترى أن التحضير للتصوير أهم شيء، وتتبادل الأفكار حالياً مع ناصيف، استعداداً لبدء التصوير الشهر المقبل.

وتختتم لطيفة حوارها بنبرة مفعمة بالرضا: «الآن، أحصد كل ما زرعته، فأغنياتي كلها (ديجيتال) عبر قناتي بـ(يوتيوب)، والحقوق كلها مِلكي؛ لأنني أرفض أن يتحكم بي منتج، ولا أقبل أن يفرض عليَّ أحد ماذا أغني».