القراءة بين الحُكاكِ والشَّطح

القراءة بين الحُكاكِ والشَّطح
TT

القراءة بين الحُكاكِ والشَّطح

القراءة بين الحُكاكِ والشَّطح

لا كتابَ، علا في بابه أم سَفل، لا يَدَعُ في قارئِهِ، قارئتِه، أثَراً. وليس جزمي بأنَّه كذلك، وبأنَّ هذه الملاحظة تستغرق عموم الجنس، جنس الكتب، تَهَرُّباً من الاعتراف بفضل كتاب بعينه، ومن الإشادة به والاحتفال، بل تصفيةُ حسابات لا بد للواحد الواحدة أن يَذْهَبَ، إليها، دورِيّاً، براءةً من كُلّ الكتب السيّئة التي يتّفق له أن يُغَرَّرَ به فيقتنيَها، أو أن يُرْغَمَ، مجاملة، على اقتنائها. ولا يُظَنَّنَّ أنَّ هذه البراءة لا تعدو أن تكون توبة لفظيَّةً أو فعل ندامة يتلوه الواحد بينه وبين نفسه. فأقلُّ الآثار التي يتركها كتاب رديء - والرداءة أبواب لا حَصْرَ لها - تبدأ بالرَّثاثة الطباعية التي عادةً ما ترافقها رثاثة إخراجيّة ترافقها، هي الأخرى، لا سِيَّما في الكتب الحديثة، رثاثة تحريريّة، ولا تنتهي عند الرَّثاثةِ الكتابية والتأليفيّة. لقد يُفْتَرَضُ بي، وبيني وبين القراءة عِشرةٌ لا أبالِغُ إن وصفتها بعشرة العمر، أن تكون هذه العشرة قد حَصَّنَتْني مِنَ الآثارِ التي تُخَلّفُها الكتب الرديئة ولكن «يا حَسرَةً ما أَكادُ أَحْمِلُها»: للكتب الرديئة، عَلَيَّ، أعترِفُ، أثَرٌ أشْبَهُ بالحُكاكِ الذي يَتَخَلّف من لدغة حشرة حقيرة لا تُقاسُ ضَآلَةُ حجمها، وضَآلَةُ السُّمِّ الذي تنفذه، بالآذيَّة التي تتسبب بها.
ببساطة: شأنَ الحُكاكِ، لا تزول مفاعيل كتاب رديء فور الفراغ من المطالعة فيه أو حتى فور نفيه إلى مكان مرذول من المكتبة أو إلى سلَّةِ المهملات، بل يقتضيها ما يقتضيه من إطالة البال على انحساره، وأحياناً من التوسل ببلسم يُسَرِّعُ الشّفاء.
وإن تُخْطئ نصيحة النَّواسي أحياناً، «داوني بالتي كانت هي الداء»، فهي، في هذا المقامِ، لا تخرم. لا طبَّ من مطالعة رديئة، ولا نقاهَةَ، إلّا بمطالعة كتاب، بل صفحات، من كتاب، مفحم. وفي هذا شيءٌ من الفرق بين كتاب رديء وكتاب جيد. ففي حين ينتهي الأول مضغة تلوكها الألسن، يتحرّج الواحد، كلّ الحرج، عند الحديث عن الثاني. بهذا المعنى، شيمة الكتاب الجيد أنَّه مُفحِمٌ، بالمعنى الحرفي للكلمة، وأنَّه يستعلي على مُطالعه استعلاءً لا يملك معه المُطالع أن يقف منه موقف الحَكَمِ أو المحتسب. قبل أن أمسكتُ بديوان بشارة الخوري، الأخطل الصغير، سَمعتُ، وحفظتُ عن ظهر غيب، قصيدته «يا عاقد الحاجبين» ولعلَّ لفظةَ «لُجَيْن» التي ترد في عجز البيت الأول من هذه القصيدة كانت أحد الأسباب التي قَرَّبَتْ ما بيني وبين التردد على قواميس العربية من مسافات البعد، فهل أعُدُّ ديوان الأخطَلِ الصغير، مَثَلاً، في الكتب التي تتحقق على أيديها قل صفحاتها المعجزات؟ على الأرجح، بل على اليقين، أنَّ الكتبَ التي تُفْحِمُنا لا تُحبُّ لنا، بل لا تريدُ مِنا، أن نرفعها إلى هذه المرتبة من القداسة، بل من الصَّنَمِيَّةِ، تحت طائلة أن تتعطَّلَ بيننا وبينها لغة الكلام. تريدنا هذه الكتب أن نحلمَ بها، في اليقظة والمنام، حلم مسافر يطير على متن بساط ريح ويَشْطَح!
* روائيّة لبنانيّة وناشرة



«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.