استنفار في السودان لمحاصرة وباء الإسهال المائي

استنفار في السودان لمحاصرة وباء الإسهال المائي
TT

استنفار في السودان لمحاصرة وباء الإسهال المائي

استنفار في السودان لمحاصرة وباء الإسهال المائي

بدأ في السودان نوع من الاستنفار لمحاصرة مرض الإسهال المائي الذي ضرب عدداً من الولايات السودانية، وذلك بأن وجه رئيس الوزراء السوداني وزارتي الصحة والمالية بشكل عاجل بتسريع توفير متطلبات مواجهة موجة الإسهال المائي التي تضرب عدداً من ولايات البلاد.
وبدت المعلومات التي قدمها وزير الصحة بحر إدريس أبو قردة لرئيس الوزراء بكري حسن صالح أثناء لقائه بهما أمس، بتراجع وانحسار المرض، تطمينية وغير متسقة مع ما كان قد أدلى به ليلة أول من أمس في «الخيمة الرمضانية الصحافية» التي درجت مؤسسة «طيبة برس» على إقامتها سنوياً، وتقول إن انتشار المرض ناتج عن تدنٍ بيئي مريع في منظومات إصحاح البيئة ومعالجة مياه الشرب في أنحاء البلاد كافة، وهو لم يعالج بعد.
وفي تقرير للبرلمان الأسبوع الماضي، اعترف وزير الصحة بأن الإسهالات المائية أدت لوفاة 272 شخصاً، وأن 16 ألفاً أصيبوا بها في 11 من ولايات البلاد البالغة 18 ولاية، منذ أغسطس (آب) من العام الماضي، وموجة الوباء التي تجتاح النيل الأبيض منذ أبريل (نيسان) الماضي.
وقال أبو قردة في تصريحات إنه أبلغ رئيس الوزراء بأن الوباء في «النيل الأبيض» يشهد «تراجعاً وانحساراً»، على الرغم من أن مواجهته تتطلب «عملاً استراتيجياً متكاملاً»، يتضمن الإصحاح البيئي وإتاحة محطات المياه التي توفر مياه شرب نقية ونظيفة، ونوه بالاستعدادات لـ«موسم الخريف» - الذي عادة ما يتسبب في كوارث بيئية في البلاد - لافتاً إلى ضرورة «استنفار الجهود كافة» لتفادي أي أزمات متوقعة بتفاقم حالات الإسهالات المائية.
وكانت الصحة قد اعترفت بما سمته «انهيار منظومات إصحاح البيئة ومعالجة مياه الشرب» في أكثر من ولاية، وهو الأمر الذي أدى لتفشي وباء الإسهالات المائية.
واعترف مدير إدارة صحة البيئة والرقابة على الأغذية بالوزارة إسماعيل أحمد بما سماه «هشاشة وضع خدمات الصرف الصحي وسلامة المياه في السودان». وقال في «خيمة الصحافيين الرمضانية» التي استضافته ووزيره أبو قردة ليلة أول من أمس، إن تغطية مياه الشرب في مدينتي كوستي وربك حاضرة النيل الأبيض، لا تتعدى 23 في المائة، وإن 67 في المائة من السودانيين فقط يحصلون على مياه الشرب، مما يجعل من نسبة الأمراض المرتبطة بالمياه وصحة البيئة تبلغ نسبتها 84 في المائة، وتابع: «أمراض الإسهالات والنزلات المعوية واليرقان ستظل موجودة، إذا لم نحسن المياه من حيث الكمية والجودة».
وقطع إسماعيل بأن وزارته تدخلت على الفور لاحتواء الإسهالات المائية، عن طريق معالجة المياه عن طريق «الكلورة»، رغم أنه أمر خارج نطاق مهامها، محملاً المسؤولية لما سماه «غياب التنسيق على المستوى الاتحادي في مجالات مياه الشرب وإصحاح البيئة، وإيلائها لحكومات الولايات التي تواجه شحاً في التمويل، وضعفاً في الكادر المدرب»، وأضاف: «السودان في المؤشرات العالمية المتعلقة بمياه الشرب والصرف الصحي، يأتي متأخراً مع دول مثل الصومال واليمن وأفغانستان».
وأيد الوزير أبو قردة ما ذهب إليه مدير صحة البيئة، بأن العلاج الجذري لوقف تكرار وباء الإسهالات المائية، يكمن في معالجة تلوث المياه وتردي البيئة، وتابع: «وهو ما يحتاج لإمكانيات وخطط استراتيجية، ليست مسؤولية وزارة الصحة وحدها».
واعترف الوزير بأن النظام الصحي يحتاج لإصلاحات، وأن الاختلالات التي شابته نتجت عن غياب الاستقرار السياسي الذي أدى لتأخر السودان في هذا المجال، وقال إن وزارته اتخذت كثيراً من الإجراءات للحد من تفشي الإسهالات، عن طريق توفير الأدوية والمحاليل والكادر الصحي، وأضاف: «المشكلة ليست مشكلة وزارة الصحة وحدها، بل مشكلة مياه وبيئة، وهي برمتها بحاجة لإمكانات وتدخلات كبيرة من الدولة».
من جهته، قال مدير إدارة الطوارئ ومكافحة الأوبئة بوزارة الصحة صلاح مبارك، إنهم استطاعوا التحكم في الوباء في فترة وجيزة دون الحاجة لعون خارجي، قاطعاً بعدم وجود حاجة فنية أو علمية لخبراء للمكافحة.
ورفضت الإدارة الصحية العليا في البلاد، إعلان السودان منطقة موبوءة، بيد أن الوزير أبو قردة ذكر في حديثه أنهم ينسقون مع منظمة الصحة العالمية في السودان.



فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
TT

فيروس «HMPV»... ما هو؟ وهل يتحوّل إلى وباء عالمي؟

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)
تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

أثارت تقارير عن تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري (HMPV) في الصين قلقاً متزايداً بشأن إمكانية تحوله إلى وباء عالمي، وذلك بعد 5 سنوات من أول تنبيه عالمي حول ظهور فيروس كورونا المستجد في ووهان بالصين، الذي تحول لاحقاً إلى جائحة عالمية أسفرت عن وفاة 7 ملايين شخص.

وأظهرت صور وفيديوهات انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي في الصين أفراداً يرتدون الكمامات في المستشفيات، حيث وصفت تقارير محلية الوضع على أنه مشابه للظهور الأول لفيروس كورونا.

وفي الوقت الذي تتخذ فيه السلطات الصحية تدابير طارئة لمراقبة انتشار الفيروس، أصدر المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بياناً، يوضح فيه معدل الوفيات الناتج عن الفيروس.

وقال المركز، الجمعة، إن «الأطفال، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة، وكبار السن، هم الفئات الأكثر تعرضاً لهذا الفيروس، وقد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدوى مشتركة مع فيروسات تنفسية أخرى».

وأشار إلى أن الفيروس في الغالب يسبب أعراض نزلات البرد مثل السعال، والحمى، واحتقان الأنف، وضيق التنفس، لكن في بعض الحالات قد يتسبب في التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي في الحالات الشديدة.

وحاولت الحكومة الصينية التقليل من تطور الأحداث، مؤكدة أن هذا التفشي يتكرر بشكل موسمي في فصل الشتاء.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، الجمعة: «تعد العدوى التنفسية شائعة في موسم الشتاء»، مضيفةً أن الأمراض هذا العام تبدو أقل حدة وانتشاراً مقارنة بالعام الماضي. كما طمأنت المواطنين والسياح، مؤكدة: «أستطيع أن أؤكد لكم أن الحكومة الصينية تهتم بصحة المواطنين الصينيين والأجانب القادمين إلى الصين»، مشيرة إلى أن «السفر إلى الصين آمن».

فيروس «الميتانيمو» البشري

يُعد «الميتانيمو» البشري (HMPV) من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي، ويؤثر على الأشخاص من جميع الأعمار، ويسبب أعراضاً مشابهة للزكام والإنفلونزا. والفيروس ليس جديداً؛ إذ اكتُشف لأول مرة عام 2001، ويُعد من مسببات الأمراض التنفسية الشائعة.

ويشير أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة «مصر الدولية»، الدكتور إسلام عنان، إلى أن نسبة انتشاره تتراوح بين 1 و10 في المائة من الأمراض التنفسية الحادة، مع كون الأطفال دون سن الخامسة الأكثر عرضة للإصابة، خاصة في الحالات المرضية الشديدة. ورغم ندرة الوفيات، قد يؤدي الفيروس إلى مضاعفات خطيرة لدى كبار السن وذوي المناعة الضعيفة.

أفراد في الصين يرتدون الكمامات لتجنب الإصابة بالفيروسات (رويترز)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الفيروس ينتشر على مدار العام، لكنه يظهر بشكل أكبر في فصلي الخريف والشتاء، ويمكن أن يُصاب الأشخاص به أكثر من مرة خلال حياتهم، مع تزايد احتمالية الإصابة الشديدة لدى الفئات الأكثر ضعفاً.

وأوضح أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي الناتج عن السعال أو العطس، أو من خلال ملامسة الأسطح الملوثة ثم لمس الفم أو الأنف أو العينين. وتشمل أعراضه السعال واحتقان الأنف والعطس والحمى وصعوبة التنفس (في الحالات الشديدة)، وتُعد الأعراض مختلفة عن فيروس كورونا، خاصة مع وجود احتقان الأنف والعطس.

هل يتحول لجائحة؟

كشفت التقارير الواردة من الصين عن أن الارتفاع الحالي في الإصابات بالفيروس تزامن مع الطقس البارد الذي أسهم في انتشار الفيروسات التنفسية، كما أن هذه الزيادة تتماشى مع الاتجاهات الموسمية.

وحتى الآن، لم تصنف منظمة الصحة العالمية الوضع على أنه حالة طوارئ صحية عالمية، لكن ارتفاع الحالات دفع السلطات الصينية لتعزيز أنظمة المراقبة.

في الهند المجاورة، طمأن الدكتور أتول غويل، المدير العام لخدمات الصحة في الهند، الجمهور قائلاً إنه لا داعي للقلق بشأن الوضع الحالي، داعياً الناس إلى اتخاذ الاحتياطات العامة، وفقاً لصحيفة «إيكونوميك تايمز» الهندية.

وأضاف أن الفيروس يشبه أي فيروس تنفسي آخر يسبب نزلات البرد، وقد يسبب أعراضاً مشابهة للإنفلونزا في كبار السن والأطفال.

وتابع قائلاً: «لقد قمنا بتحليل بيانات تفشي الأمراض التنفسية في البلاد، ولم نلاحظ زيادة كبيرة في بيانات عام 2024».

وأضاف: «البيانات من الفترة بين 16 و22 ديسمبر 2024 تشير إلى زيادة حديثة في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وفيروسات الأنف، وفيروس الجهاز التنفسي المخلوي (RSV)، و(HMPV). ومع ذلك، فإن حجم وشدة الأمراض التنفسية المعدية في الصين هذا العام أقل من العام الماضي».

في السياق ذاته، يشير عنان إلى أن الفيروس من الصعب للغاية أن يتحول إلى وباء عالمي، فالفيروس قديم، وتحدث منه موجات سنوية. ويضيف أن الفيروس لا يحمل المقومات اللازمة لأن يصبح وباءً عالمياً، مثل الانتشار السريع على المستوى العالمي، وتفاقم الإصابات ودخول المستشفيات بكثرة نتيجة الإصابة، وعدم إمكانية العلاج، أو عدم وجود لقاح. ورغم عدم توافر لقاح للفيروس، فإن معظم الحالات تتعافى بمجرد معالجة الأعراض.

ووافقه الرأي الدكتور مجدي بدران، عضو «الجمعية المصرية للحساسية والمناعة» و«الجمعية العالمية للحساسية»، مؤكداً أن زيادة حالات الإصابة بالفيروس في بعض المناطق الصينية مرتبطة بذروة نشاط فيروسات الجهاز التنفسي في فصل الشتاء.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الصين تشهد بفضل تعدادها السكاني الكبير ومناطقها المزدحمة ارتفاعاً في الإصابات، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تحول الفيروس إلى تهديد عالمي. وحتى الآن، تظل الإصابات محلية ومحدودة التأثير مقارنة بفيروسات أخرى.

وأوضح بدران أن معظم حالات فيروس «الميتانيمو» تكون خفيفة، ولكن 5 إلى 16 في المائة من الأطفال قد يصابون بعدوى تنفسية سفلى مثل الالتهاب الرئوي.

تفشي فيروس «الميتانيمو» البشري في الصين يثير قلقاً متزايداً (رويترز)

وأكد أنه لا توجد تقارير عن تفشٍّ واسع النطاق للفيروس داخل الصين أو خارجها حتى الآن، مشيراً إلى أن الفيروس ينتقل عبر الرذاذ التنفسي والاتصال المباشر، لكنه أقل قدرة على الانتشار السريع عالمياً مقارنة بكوفيد-19، ولتحوله إلى جائحة، يتطلب ذلك تحورات تزيد من قدرته على الانتشار أو التسبب في أعراض شديدة.

ومع ذلك، شدّد على أن الفيروس يظل مصدر قلق صحي محلي أو موسمي، خاصة بين الفئات الأكثر عرضة للخطر.

طرق الوقاية والعلاج

لا يوجد علاج محدد لـ«الميتانيمو» البشري، كما هو الحال مع فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي، حيث يركز العلاج بشكل أساسي على تخفيف الأعراض المصاحبة للعدوى، وفق عنان. وأضاف أنه في الحالات الخفيفة، يُوصى باستخدام مسكنات الألم لتخفيف الأوجاع العامة وخافضات الحرارة لمعالجة الحمى. أما في الحالات الشديدة، فقد يتطلب الأمر تقديم دعم تنفسي لمساعدة المرضى على التنفس، بالإضافة إلى توفير الرعاية الطبية داخل المستشفى عند تفاقم الأعراض.

وأضاف أنه من المهم التركيز على الوقاية وتقليل فرص العدوى باعتبارها الخيار الأمثل في ظل غياب علاج أو لقاح مخصص لهذا الفيروس.

ولتجنب حدوث جائحة، ينصح بدران بتعزيز الوعي بالوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام وبطريقة صحيحة، وارتداء الكمامات في الأماكن المزدحمة أو عند ظهور أعراض تنفسية، بالإضافة إلى تجنب الاتصال المباشر مع المصابين. كما يتعين تعزيز الأبحاث لتطوير لقاحات أو علاجات فعّالة للفيروس، إلى جانب متابعة تحورات الفيروس ورصد أي تغييرات قد تزيد من قدرته على الانتشار أو تسبب أعراضاً أشد.