التحقيق مع 20 من معتقلي «حراك الريف» بالدار البيضاء

التحقيق مع 20 من معتقلي «حراك الريف» بالدار البيضاء
TT

التحقيق مع 20 من معتقلي «حراك الريف» بالدار البيضاء

التحقيق مع 20 من معتقلي «حراك الريف» بالدار البيضاء

أفاد بيان للوكيل العام للملك (النائب العام) لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بأن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالمدينة قدمت أمامه، السبت، 20 شخصاً من بين المشتبه في ارتكابهم جنايات وجنحاً تمس بالسلامة الداخلية للدولة، وأفعالاً أخرى تشكل جرائم بمقتضى القانون، ضمنهم ناصر الزفزافي، متزعم «حراك الريف». وأضاف المسؤول أنه على ضوء الأبحاث المنجزة، تقدمت النيابة العامة بمطالبة بإجراء تحقيق في حقهم للاشتباه في ارتكابهم جرائم إضرام النار عمداً في ناقلة، ومحاولة القتل العمد، والمس بسلامة الدولة الداخلية، وتسلم مبالغ مالية لتيسير نشاط ودعاية من شأنها المساس بوحدة المملكة وسيادتها، وزعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي، والمشاركة في ذلك، وإخفاء شخص مبحوث عنه بسبب جناية، والتحريض ضد الوحدة الترابية للمملكة، وجرائم أخرى يعاقب عليها القانون الجنائي.
وأشار المصدر إلى أنه بعد استنطاق المشتبه بهم ابتدائياً، أمر قاضي التحقيق بإبقاء أحد المتهمين في حالة سراح مع إخضاعه للمراقبة القضائية، واعتقال باقي المتهمين احتياطياً، وإيداعهم بالسجن المحلي بالدار البيضاء.
من جانب آخر، التقى ممثلون عن دفاع معتقلي «حراك الريف»، السبت، مع الزفزافي، وزعموا في تصريحات عقب اللقاء أنه تعرض «للتعنيف على يد رجال الأمن أثناء عملية إيقافه بمدينة الحسيمة».
وأوضح المحامون أن الزفزافي تعرض لـ«ممارسات مهينة أثناء اعتقاله كالسب والشتم»، كما سجلوا أن رجال الأمن الذين ألقوا القبض عليه التقطوا له صوراً أثناء عملية إيقافه، معتبرين أن هذه الممارسات تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون. ومقابل ذلك، اعتبرت مصادر قضائية ما صدر عن دفاع معتقلي «حراك الريف» من تصريحات بشأن ما تعرض له الزفزافي «خرقاً للقانون وسرية البحث». وكان الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة قد أصدر بياناً أعلن فيه أنه تم توجيه ملف التحقيق المفتوح بخصوص 5 أشخاص من بين الموقوفين للاشتباه في ارتكابهم جرائم تمس بالسلامة الداخلية للدولة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، كما تم ترحيل المعنيين بالأمر إلى السجن المحلي بعكاشة، وذلك تنفيذاً لقرار صادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض.
وأوضح المصدر ذاته أن النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة توصلت، الجمعة، بقرار صادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة النقض يقضي بسحب الدعوى الرائجة بهيئة التحقيق بهذه المحكمة، وإحالتها على هيئة التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، وإحالة كل ما قد يرتبط بها من وقائع وأشخاص على المحكمة نفسها. واعتبر مراقبون أن نقل متابعة أطوار محاكمة معتقلي الريف إلى الدار البيضاء يدخل في إطار تأمين السير العادي للمحاكمة، ولا يتنافى مع القانون.
من جهته، انضم رئيس الحكومة السابق أمين عام حزب العدالة والتنمية، عبد الإله ابن كيران، إلى لائحة المنتقدين لتدبير حكومة سعد الدين العثماني لحراك الريف، حيث اعتبر في لقاء داخلي جمعه بقيادة شبيبة حزبه أن الحكومة «أخطأت في التعاطي مع احتجاجات الريف».
وقالت مصادر حضرت اللقاء الذي عقد السبت لـ«الشرق الأوسط» إن ابن كيران استنكر اتهام الحكومة لنشطاء الريف بالانفصال والتبعية للخارج، ثم التراجع عن ذلك، معتبراً أن ما بدر عن الحكومة من «ارتباك لا ينبغي أن يكون في مثل هذه القضايا».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.