«النداء» و«النهضة» يتفقان على استثناء رجال الأعمال من قانون المصالحة

«النداء» و«النهضة» يتفقان على استثناء رجال الأعمال من قانون المصالحة
TT

«النداء» و«النهضة» يتفقان على استثناء رجال الأعمال من قانون المصالحة

«النداء» و«النهضة» يتفقان على استثناء رجال الأعمال من قانون المصالحة

أعلنت حركة النهضة عن قبولها المبدئي لمقترح حزب النداء، الحزب المتزعم للائتلاف الحاكم في تونس، المتعلق باستثناء رجال الأعمال من مشروع قانون المصالحة الاقتصادية مع رموز النظام السابق، لكن شريطة مناقشته بعمق تحت قبة البرلمان، وتوجيهه للموظفين الذين انتفعوا بمكاسب في العهد السابق.
وتقدر جمعيات تونسية ودولية ناشطة في مجالات حقوق الإنسان عدد الموظفين المعنيين بقانون المصالحة بنحو سبعة آلاف من كبار موظفي الإدارة، فيما تقدر جهات أخرى أن العدد أكبر من ذلك بكثير. أما رجال الأعمال المعنيين بهذا القانون نفسه، فإن عددهم لا يقل عن 400 رجل أعمال، ممن منعوا من السفر بعد ثورة 2011.
وفي هذا الصدد، عبر نذير بن عمو عضو لجنة التشريع العام في البرلمان، النائب عن حركة النهضة، عن خشيته من استمرار الغموض في مشروع قانون المصالحة، على الرغم من التعديلات المتكررة التي أدخلت عليه، ودعا كتلة حزب النداء في البرلمان الداعمة للمقترح الرئاسي، إلى تحديد هوية الموظفين الذين سيحظون بالعفو المالي، وأعدادهم، وتوضيح الاختلالات التي ستكون موضوع العفو المذكور.
ويأتي تعليق بن عمو على قانون المصالحة بعد تصريح المنجي الحرباوي، القيادي في حزب النداء، بأن الكتلة البرلمانية لحزبه ستقترح أن تقتصر المصالحة على الموظفين فقط.
وأوضح متابعون لجلسات مناقشة مشروع القانون منذ البداية بأن استثناء رجال الأعمال من مشروع قانون المصالحة، كان تحت تأثير الحملة التي أطلقها رئيس الحكومة يوسف الشاهد ضد عدد من رجال الأعمال وأشخاص متورطين في قضايا فساد وتهريب، وهو ما قطع الطريق أمام قانون المصالحة الاقتصادية والمالية في نسخته، التي اقترحها الرئيس الباجي قائد السبسي على البرلمان منذ سنة 2015.
وفتح قانون المصالحة في النسخة التي تقدم بها الرئيس التونسي الأبواب أمام إمكانية إبرام الصلح مع المستفيدين من جرائم مرتبطة بالفساد المالي وبالاعتداء على المال العام.
وأقر القانون نفسه عفوا عن مخالفات الصرف المالي بالنسبة لرجال الأعمال، وهو إجراء يهدف إلى تسوية الوضعيات العالقة وتعبئة الموارد من العملة الصعبة لفائدة الدولة، لكن يتطلب الانتفاع بهذا الإجراء التصريح بالمكاسب والمداخيل ودفع قيمة 5 في المائة من قيمتها.
إلا أن معظم ما احتواه مشروع هذا القانون كان محل جدل سياسي قوي بين الائتلاف الحاكم المؤيد لقانون المصالحة، والمعارضة الرافضة له، التي اعتبرته «تبييضا لمنظومة الفساد السابقة»، ودعت إلى المحاسبة ضمن منظومة العدالة الانتقالية، وهددت بالنزول إلى الشارع وتنظيم احتجاجات شعبية ضد هذا القانون.
ويتهم عدد من أحزاب المعارضة، حزب النداء بمحاولة التغطية على رجال أعمال ساهموا في تمويل الحملة الانتخابية للرئيس السبسي في انتخابات 2014. وتؤكد أن قانون المصالحة عبارة عن «رد جميل لمن مولوا تلك الانتخابات»، التي أوصلت الحزب إلى الحكم على حساب حركة النهضة.
من ناحية أخرى، دعت جمعية القضاة التونسيين جميع القضاة إلى تأخير جلسات المحاكمة وتمريرها إلى السنة القضائية المقبلة، بداية من الغد، باستثناء القضايا الإرهابية وقضايا الفساد، والقضايا ذات الطابع المعيشي. وبهذا الخصوص قالت روضة القرافي، رئيسة جمعية القضاة التونسيين، إن الجمعية اتخذت هذا القرار لعدم استجابة الحكومة ووزارة العدل للمطالب المادّية التي سبق أن توجهت بها، ولعدم إرجاع ما اقتطع من مرتبات القضاة بعد تنفيذهم إضرابات عن العمل خلال الأشهر الماضية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.