قراءة في إخفاق المعاصرة الإسرائيلية

إليعزر شبايد في «مبدأ الشعب المختار والليبرالية الحديثة»

إليعزر شبايد
إليعزر شبايد
TT

قراءة في إخفاق المعاصرة الإسرائيلية

إليعزر شبايد
إليعزر شبايد

في كتابه متنوع الفصول والمثير للجدل «مبدأ الشعب المختار والليبرالية الحديثة» يتوقف المفكر الإسرائيلي إليعزر شبايد الذي يعمل محاضراً في الفكر والدراسات اليهودية في الجامعة العبرية في القدس عند القضايا الإشكالية في المجتمع اليهودي من منظور نقدي تاريخي بموازاة استمرار الصراع المباشر مع الشعب الفلسطيني والمواجهة الإقليمية مع العالم العربي والإسلامي. في فصل الافتتاح يبدأ بتعريف معنى «الشعب المختار» ويفسر «التميز» الذي يفهمه السواد الأعظم من اليهود المتدينين بطريقة خاطئة، فمنذ نزول التوراة على جبل سيناء تم اختياره من بين الشعوب الوثنية وليس له أية أفضلية على الديانات التوحيدية التي تلت اليهودية كالمسيحية والإسلام.
ينتقد (شبايد) منهاج التعليم العبري الذي حاد عن الهدف التربوي لصالح الإنجاز العلمي مع تراجع دور العائلة نظراً للضغوطات الاقتصادية وهيمنة الجامعات ومؤسسات التعليم العالي على سبل الدراسة التي تهدف إلى خلق طالب يستطيع النجاح في الجامعة في موضوع يمنحه المكانة الاجتماعية والدخل المرتفع، وبهذا يخسر المجتمع الإنسان الأخلاقي.
يحيل (شبايد) التغيرات الكثيرة التي حصلت في إسرائيل إلى التغيرات الاقتصادية التي بدأت في الثمانينات من القرن الماضي حيث شكلت السوق الحرة ونفوذ سلطة أصحاب الأموال مناخاً جديداً ساهم في رفع نسبة الفقر وبقاء الشبح الطائفي بين الطوائف اليهودية الذي سعت الدولة العبرية إلى إلغائه منذ نشوئها، ومن تداعيات ذلك تفاقم الاحتجاج الشعبي على غلاء المعيشة في التسعينات، لم يزده فشل اتفاقية أوسلو إلا غضباً وتطرفاً مرده إلى التفاوت الاقتصادي بين الأثرياء والفقراء وبين الضواحي ومركز البلاد وبين الفلسطينيين العرب واليهود وبين الطوائف اليهودية وتياراتها المختلفة، تفاوت اقتصادي يقترن بتفاوت في تعريف المجتمع الإسرائيلي لنفسه وللمجتمع الفلسطيني المجاور الذي يفرض عليه سلطة احتلالية، هذا المخاض الذي يفرز يومياً حلقات من القتل الديني دون إيجاد رادع لها.
أما بالنسبة للعنف الأسري والجريمة المنظمة وانتشار الدعارة والاغتصاب والعنف الكلامي فمرد ذلك إلى انتهاء الروح الطليعية - الاجتماعية - الأخلاقية التي سادت قبل قيام الدولة العبرية وفي سنوات فقرها وتواضعها المعيشي. ويعتبر عام 1967 أي العام الذي احتلت فيه إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان عاماً مفصلياً في تغيير وجهة سياسة البلاد، وبالتالي الأخلاق العامة، فالمناخ الليبرالي ذو الطابع الرأسمالي الطبقي هو الذي شجع المخدرات والعنف في أوساط الشبيبة وفوضى التحرر الجنسي والتجارة بالنساء، وهي أمور تتنافى كلياً مع الديانة اليهودية.
اعتماد الإسرائيليين للنموذج الغربي والوفرة الاقتصادية لم تخلق بالضرورة مجتمعاً سعيداً يضمن العدالة والحرية، حيث انتشر الفساد لاختلاط المال بالسلطة السياسية وهذا الخلل يطاول اليوم كل جوانب الحياة.
أما العنصرية والمظاهر الجديدة من الإرهاب اليهودي في المستوطنات فنجمت عن التناقض في سياسة الحكومات الإسرائيلية حول إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية. ويساهم الإعلام سريع التفاعل إلى المزيد من العنف بسبب التقليد الخفي لدى المتلقي للعنف الذي يستلهمه من الإعلام وبضمنه العنف السياسي والديني وعدم قبول الآخر. فالمتطرفون من اليهود في المستوطنات يؤمنون أن العين بالعين والسن بالسن، وهذا القانون البدائي نجم عن ابتعادهم عن الحياة المدنية وسلطة القانون كما أن مواقف الإعلام الليبرالي تزيدهم كراهية لليسار الإسرائيلي والغرب وللقوى التقدمية التي تريد إنهاء الصراع، تساندهم التيارات اليمينية في الكنيست التي تسمى الصهيونية - الدينية ومن جهة أخرى تدينهم دولة القانون المرتبطة بموازين إقليمية ودولية، من هنا يتأزم التباعد بين اليسار واليمين ويفشل الطرفان في إيجاد قرارات تحجم الاستيطان لصالح الحل السياسي مما يساهم في تقويض دولة القانون وأسس المجتمع المدني.
في موقفه حول بيت المقدس، يقول شبايد إن فكرة قيام بيت المقدس الثالث فكرة لا يمكن أن تنفذ لأسباب دينية وسياسية، وأن الوقف الإسلامي لم يعترض ذات يوم على صلاة اليهود في حائط المبكى قبل عام 1948 وبعده رغم أن الصراع المسلح عام 1929 بدأ من نقطة التماس بين الحرم المقدسي وحائط المبكى. رغم مطالبة المغالين من اليهود بالدخول للصلاة في باحة المسجد الأقصى فإن الشرطة الإسرائيلية تمنعهم.
ويرى «شبايد» أن ما يحيط بالإنسان في هذه البلاد لا يسمح كثيراً بخلق الشخصية الضميرية الأخلاقية التي تملك القدرة على النقد الذاتي تجاه نفسها، وتميز بين الخير المتوهم الذي هو شر وبين الخير الحقيقي وتجد نفسها من خلال العطاء الإنساني وليس فقط بالاستغلال الاستهلاكي.
لا يبدو شبايد متفائلاً في كتابه هذا، لكنه استمراراً لكتبه السابقة التي تناولت الهوية اليهودية والعزلة ونظريات بقاء الشعب اليهودي فإنه دقيق في استعراض قضايا المجتمع الإسرائيلي استعراضاً علمياً يستند إلى السبب والنتيجة ونقدها.



«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية
TT

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

صدر حديثاً عن «محترف أوكسجين للنشر» في أونتاريو كتابٌ جديد بعنوان: «العودة إلى متوشالح - معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» للكاتب المسرحي الآيرلندي جورج برنارد شو، وقد نقله إلى العربية المترجم السوري أسامة منزلجي. ويأتي الكتاب ضمن سلسلة «أوكلاسيك»، (أوكسجين + كلاسيك = أوكلاسيك) التي يسعى من خلالها المحترف إلى «تقديم الكلاسيكيات بنهج جديد ومغاير عماده الاكتشاف وإعادة الاكتشاف»، وجاء الكتاب في 352 صفحة.

من التقديم:

«نحن هنا أمام كتابٍ يتخذ فيه برنارد شو من المسرحية والحوار والنقد السياسي طريقاً نحو البشرية وهي تعيش إحدى لحظاتها التاريخية الأكثر دماراً، ولنَكُن بعد قراءة الاستهلال حيالَ نظرياتٍ فلسفية وسياسية وأدبية تدفعنا للتفكير في طريقة تفاعلنا مع العالم وقد أمسى نموذج الحضارة على المحك، اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، فلا محيد عن الكوارث التي يُلحقها الإنسان بنفسه وبالطبيعة. فما الذي يحتاج إليه ليصبح أكثر نضجاً وحكمةً؟ يفترض شو أن ثلاثة قرون أو أكثر من عمر الإنسان كفيلة بأن تجعله يبلغ كماله العقلي في مسار تطوّرهِ وتحقيقه غايات وجوده السامية، فهل الامتداد الأفقي للزمن يحقق ذلك؟ من أين نبدأ؟ وأين ننتهي؟ هذا ما يقدمه لنا كتاب (العودة إلى متوشالح) كونه كتاباً يتحدّى الفناء! منطلقُه الأزل ومنتهاه الأبد. يبدأ من آدم وحواء في جنة عدن، وينتهي في عام 31920 ميلادي وقد أمسى بمقدور الإنسان العيش لما يتجاوز الثلاثمائة عام، وصولاً إلى ولادته من بيضة! إنه كتاب عصيٌّ على التصنيف، له أن يجسد تماماً ماهية (الخيال العلمي)، بوصف الخيال مع جورج برنارد شو (1856 - 1950)، يستدعي العلم والفلسفة والفكر بحق، مقدّماً هجائية كبرى لداروين والانتقاء الظرفي، مفضلاً تسميته الانتقاء التصادفي، فإذا استطعنا أن نُثبت أنَّ الكون بأكمله خُلِقَ عبر ذلك الانتقاء، فلن يطيق عيش الحياة إلّا الأغبياء والأوغاد.

يتخذ الكتاب معبره إلى الخيال من حقيقة أن البشر لا يعيشون مدةً كافية، وعندما يموتون يكونون مجرد أطفال، واجداً في لامارك والنشوء الخلّاق سنده، لنكون حيال عملٍ خالدٍ، لا هو مسرحية ولا رواية، بل مزيج بينهما، مسرحية تُقرأ ولا تُجسّد، ورواية يتسيّدها الحوار...

حملت المسرحيات الخمس العناوين التالية: (في البدء)، و(مزمور الأخوان بارناباس)، و(الأمر يحدث)، و(مأساة رجل عجوز)، و(أقصى حدود الفكرة)، وعبر حوارات عميقة حول مكانة العلم والتطور والفن والإبداع يسافر بنا برنارد شو عبر الأزمنة ليناقش الأفكار التي يطرحها أبطاله منذ آدم وحواء مروراً بالزمن الحاضر، ومضيّاً نحو المستقبل البعيد وقد وصلت البشرية إلى ذروتها، وتخلَّص الناس من الحب والجنس والعاطفة، وأصبحوا كائنات منطقية خالصة! لكن عبقرية برنارد شو في هذا الكتاب تكمن في تعامله مع فكرة الخلود، بحيوية وسخرية، مستكشفاً العواقب النفسية لطبيعة العقل البشري الذي يحتاج إليه الإنسان ليعيش ألف عام ويحكم نفسه بنفسه، ويتخلّص من الصراع والحروب والآفات التي تبدأ به وتنتهي بإفنائه»

جورج برنارد شو، كم هو معروف، كاتب مسرحي وروائي ومفكّر وناشط سياسي آيرلندي، وُلد في دبلن عام 1856 وتوفي عام 1950. عُرف بآرائه الساخرة المثيرة للجدل، ونزوعه التقدمي والرؤيوي، واشتراكيته الفابية. ألّف 5 روايات، و60 مسرحية، ضمّنها أفكاره ومقارباته السياسية والتاريخية والفلسفية، عدا عن مئات المقالات والمقدمات الفكرية لأعماله. من مسرحياته: «السلاح والإنسان»، 1894، و«الإنسان والسوبرمان»، 1903، و«بجماليون»، 1913. حين فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1925 رفضها، قائلاً: «أستطيع أن أسامح نوبل على اختراعه الديناميت، لكنْ وحده شيطان بهيئة إنسان من كان بمقدوره اختراع جائزة نوبل»، لكنه عاد وقبل الجائزة بشرط ألا يتلقى قيمتها المالية.

أما أسامة منزلجي فهو مترجم سوري له كثير من الترجمات مثل رواية «ربيع أسود»، 1980، و«مدار السرطان» و«مدار الجدي» وثلاثية «الصلب الوردي»، لهنري ميللر، و«أهالي دبلن» لجيمس جويس، و«غاتسبي العظيم» و«الليل رقيق» و«هذا الجانب من الجنة» لسكوت فيتزجيرالد، ومسرحيات وروايات لتينسي وليامز وبول أوستر وفيليب روث وتيري إيغلتون وآلي سميث وإريكا يونغ.