النظام يقمع طقوس رمضان في دمشق بذريعة «مكافحة الإرهاب»

المسحراتي أبرز الغائبين عن شوارع العاصمة السورية

أسرة في غوطة دمشق المحاصرة تجهز طعام الإفطار (إ.ب.أ)
أسرة في غوطة دمشق المحاصرة تجهز طعام الإفطار (إ.ب.أ)
TT

النظام يقمع طقوس رمضان في دمشق بذريعة «مكافحة الإرهاب»

أسرة في غوطة دمشق المحاصرة تجهز طعام الإفطار (إ.ب.أ)
أسرة في غوطة دمشق المحاصرة تجهز طعام الإفطار (إ.ب.أ)

عمد النظام السوري وميليشياته إلى القيام بممارسات تهدف إلى تغييب عادات وطقوس روحانية يمارسها الدمشقيون لاستقبال شهر رمضان، كانوا توارثوها عن آبائهم وأجدادهم ولطالما تفاخروا بها خلال قرون ماضية.
في سنوات ما قبل الحرب كان حديث أهل الشام قبل 10 أيام - وربما أكثر - من قدوم رمضان يتركز على كيفية إيفاء رمضان حقه من حفاوة الاستقبال، لما له من مكانة خاصة في قلوبهم، وتبادل الزيارات فيما بينهم قبل حلوله، نظراً لانشغالهم بالعبادات خلاله. وما إن تثبت رؤية هلاله حتى يبادروا إلى تهنئة بعضهم بعضاً في الطرقات وعلى أجهزة الهواتف، بينما تصدح مكبرت الصوت في المنازل والمحال التجارية بأناشيد دينية من وحي المناسبة أو آيات من القرآن الكريم، وسط تهافت الناس في الطرقات إلى المساجد لأداء صلاة التراويح.
لكن الوضع اختلف جذرياً في أغلب أحياء دمشق في ظل الحرب التي تمر بها البلاد منذ أكثر من 6 سنوات، ومع إحكام النظام وميليشياته قبضتهم على العاصمة. جاء الإعلان مساء الجمعة الماضي في وسائل إعلام النظام أن أول أيام شهر رمضان هو يوم السبت، مختصراً وخجولاً، واختفت حفاوة الاستقبال في الطرقات والأسواق التجارية التي تنتشر فيها بكثافة عناصر الميليشيات بذريعة حفظ الأمن.
وأعرب صاحب متجر في سوق جنوب دمشق انتشر فيه العشرات من عناصر الميليشيات، عن انزعاجه من الأمر. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «بدرت منهم إشارات وتلميحات يفهم منها أنهم لا يريدون سماع أي أناشيد دينية. المصيبة أننا لا نستطيع فعل شيء. لا يوجد في اليد حيلة، وبقاء الوضع على هذا الحال سيشجعهم في قادم الأيام على منع الناس من الصلاة والصيام وذكر الله».
وكانت سوريا تضم أكثر من 23 مليون نسمة، نحو 80 في المائة منهم من السنة. وكان لافتا ليل الجمعة - السبت، اقتصار فترة الأناشيد الدينية التي تنطلق من مآذن المساجد قبل موعد الإمساك، على بضع دقائق، بعدما كانت قبل الحرب تمتد لأكثر من 30 دقيقة، على حين بات من النادر مشاهدة شخص يذهب إلى المسجد لأداء صلاة الفجر، بعدما كانت المساجد تغص بالمصلين هذه الصلاة في فترة ما قبل الحرب.
وبينما عبر خطباء مساجد عن امتعاضهم لقلة عدد المصلين خلال صلاة الفجر وحضوا المصلين على أدائها في المساجد، أعرب رجل في العقد الخامس من عمره، عن ألمه الشديد بسبب ما وصلت إليه أحوال الناس. وقال: «إن ذهبت لأدائها قد لا أصل إلى المسجد، وإن وصلت وأديتها قد لا أعود إلى المنزل»، في إشارة إلى الخشية من اعتداءات عناصر الميليشيات المسلحة المنتشرين في مداخل الشوارع والأحياء بذريعة حمايتها من «الإرهاب» والذين يمضون الليل في تناول المشروبات الكحولية.
وشهدت أحياء دمشق الواقعة تحت سيطرة النظام في السنوات القليلة الماضية كثيرا من حالات اختفاء أشخاص بعد خروجهم لأداء صلاة الفجر. كما تعرض كثير من المصلين وهم ذاهبون أو وهم عائدون من المساجد بعد صلاة الفجر إلى اعتداءات من قبل عناصر الميليشيات المسلحة.
ولوحظ حرص القائمين على خدمة المساجد على إغلاقها بعد وقت قصير جداً من انتهاء الصلاة، لأن «هناك تعليمات بذلك»، بحسب قول أحدهم، خلال جدل كبير وطويل حصل بينه وبين مصلٍ، أراد أن يمكث في المسجد للعبادة والاستغفار وتلاوة القرآن الكريم كما كان الأمر قبل سنوات الحرب، عندما كانت المساجد تعج بالمصلين طوال النهار خلال شهر رمضان، ولا تغلق أبوابها إلا بعد انتهاء صلاة التراويح وحتى صلاة الفجر.
وأكثر ما يلفت الانتباه هو ازدياد تحرش عناصر الميليشيات بالمصلين وهم في طريقهم إلى المساجد لأداء صلاة التراويح، وإطلاق تلك العناصر عبارات استهزاء وسخرية تطال المسرعين في مشيتهم للوصول إلى المساجد، مثل: «أسرع.... راحت عليك».
ويحرص عناصر الميليشيات المنتشرة وبكثافة في محيط المساجد وأمامها على التدقيق وبشكل كبير في القادمين لأداء صلاتي الجمعة والتراويح، خصوصاً منهم من يرتدي ثوباً أبيض وقبعة بيضاء، وأحيانا يعمدون إلى تسجيل أسمائهم، والتأكد من أنهم من سكان الحي، مما أدى إلى تراجع كبير في أعداد المصلين الذين يرتدون الثوب الأبيض. وقال أحد المصلين: «لم يبق سوى وضع شروط للصلاة في المسجد من ضمنها منع ارتداء الجلابية (الثوب الأبيض)... هذه مسخرة».
واعتاد كثيرون من السنّة ارتداء أثواب بيضاء أثناء الذهاب إلى المساجد، خصوصاً يوم الجمعة وفي المناسبات الدينية، لدرجة أن بعضهم بات يعدّها رمزاً لاتباع هذا المذهب في البلاد.
وحتى سنوات ما قبل الحرب، بقي «المسحراتي» وطبلته وأناشيده الوديعة حاضرين في معظم الأحياء الدمشقية لإيقاظ الناس قبل أذان الإمساك لتناول وجبة السحور، رغم اعتماد البعض على المنبهات الإلكترونية أو الهواتف للاستيقاظ. لكن وبسبب الأوضاع السائدة حالياً، اختفى «المسحراتي» من الأحياء الدمشقية، ولم يعد يجرؤ أحد على الحديث في هذا الأمر أو مناقشته.
وإذا كانت التبرعات التي كان يقدمها الميسورون للمحتاجين تراجعت بشكل كبير الأعوام الماضية، فإنها تكاد تكون نادرة في هذا العام، وقال رجل في العقد السادس من عمره: «الناس بالكاد تكفي نفسها... حتى الميسورون باتوا يتحسبون لما سيأتي».



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.