ماكرون يهدد بالرد الفوري على استخدام الكيماوي في سوريا

هدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برد «فوري» على استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، معلناً أيضاً عن رغبته بـ«تعزيز الشراكة مع روسيا» لحل الأزمة السورية.
وقال ماكرون، في المؤتمر الصحافي المشترك مع ضيفه الرئيس فلاديمير بوتين في قصر فرساي، إن اللجوء إلى السلاح الكيماوي بالنسبة لفرنسا «خط أحمر»، وإن «أي استخدام له ستليه عمليات انتقامية ورد مباشر من فرنسا في أي حال». وهذه المرة الأولى التي يقول فيها مسؤول فرنسي إن باريس يمكن أن ترد منفردة على استخدام السلاح الكيماوي، ما يعكس تغيراً جوهرياً في التعاطي العسكري مع الأزمة السورية، علماً بأن الرئيس السابق فرنسوا هولاند قد تراجع عن خطط لضرب مواقع عسكرية للنظام السوري في صيف عام 2013، بعد تراجع الرئيس الأميركي السابق الذي كان بدوره قد وصف اللجوء إلى الكيماوي بأنه «خط أحمر».
ومن جانب آخر، برز تحول آخر في الموقف الفرنسي الرسمي، بإعلان ماكرون أنه من المهم، في إطار البحث عن حل سياسي، الحديث إلى ممثلي الفئات السورية كافة، بمن فيهم نظام بشار الأسد. لكن ماكرون سارع إلى التأكيد على أن إعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق «ليست من أولوياته»، وأن المهم هو «إقامة خريطة طريق سياسية» من أجل «الوصول إلى حل سياسي شامل من شأنه، بالإضافة إلى القضاء على الإرهاب، إعادة السلام إلى سوريا».
وأشارت مصادر فرنسية إلى أن المواقف التي أعلن عنها ماكرون تنبع من قراءته للحاجة للخروج من حالة التهميش التي تعاني منها باريس وأوروبا في الملف السوري. ومن «الثوابت» الفرنسية تأكيد ماكرون على الحاجة لـ«عملية انتقال ديمقراطي»، شرط أن يكون الحل السياسي «شاملاً» للجميع، وأن يحافظ على بنى الدولة السورية. وبرأيه، أن «الدول الفاشلة» في المنطقة «تشكل كما رأينا تهديداً لدولنا الديمقراطية، وأدت إلى تقدم المجموعات الإرهابية». وشدد ماكرون على أهمية إيصال المساعدات الإنسانية إلى كل المناطق المحتاجة في سوريا.
واحتل الملف السوري حيزاً واسعاً في محادثات الرئيسين، وكذلك في المؤتمر الصحافي المشترك الذي تأخر ما يزيد على الساعة ونصف الساعة عن الموعد المحدد له. وعاد ماكرون أكثر من مرة إلى موضوع الإرهاب الذي اعتبر محاربته بمثابة «أولوية الأولويات» للطرفين، مؤكداً رغبة مشتركة فرنسية - روسية بالعمل معاً في هذا المجال.
وشدد ماكرون على رغبته في «تعزيز الشراكة» مع روسيا «بعيداً عن العمل الذي نقوم به في سياق الائتلاف» الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأميركية. ومن التدابير العملية التي يسعى إليها الرئيس الفرنسي التركيز على «تبادل المعلومات»، مشيراً إلى الاتفاق مع بوتين على إنشاء «مجموعة عمل» فرنسية روسية خاصة بسوريا.
من جهته، جاء كلام بوتين في الموضوع السوري أقل تفصيلاً. إلا أنه اعتبر أن ثمة «كثيراً من الأمور التي تلتقي حولها التحليلات» الروسية - الفرنسية. وفيما يمكن اعتباره إشادة بالجهود التي تبذلها موسكو، اعتبر ماكرون أن ما تم الاتفاق عليه في آستانة، أي وقف النار وإقامة مناطق تخفيف القتال، ساهم في خفض العنف، لكنه غير كاف للوصول إلى الحل المنشود.
وكان لافتاً أن ماكرون جعل «أولويته المطلقة» القضاء على «داعش» وعلى المجموعات الإرهابية الأخرى، وبوصلة للسياسة الفرنسية التي عانت من العمليات الإرهابية منذ أوائل عام 2015، وهو بذلك يشكل نقطة تقاطع مع القراءتين الأميركية والروسية.
وبالإضافة إلى الملف السوري، مكن اللقاء الرئيسين من تناول الملف الأوكراني الذي يسمم العلاقات بين روسيا والدول الغربية التي ما زالت تفرض عقوبات مختلفة على روسيا. بالإضافة إلى ذلك، تم تناول العلاقات الثنائية، وقد سعى الطرفان إلى تناولها من زاوية الاستمرارية التاريخية بين البلدين. وقد جاءت دعوة بوتين إلى فرنسا بمناسبة إقامة معرض عن الزيارة التاريخية التي قام بها قبل 300 عام القيصر بطرس الأكبر إلى قصر فرساي للقاء ملك فرنسا لويس الخامس عشر، الذي كان عمره وقتها 7 سنوات. وأفضت الزيارة وقتها إلى إقامة علاقات دبلوماسية، وإقامة تحالف كان يحتاجه الأول لمواجهة الإمبراطورية النمساوية ومملكة السويد.
وأمس، جاء بوتين إلى القصر نفسه بمناسبة المعرض الذي أقيم بمبادرة من فرنسا، وبالتعاون بين قصر فرساي ومتحف «أرميتاج» في مدينة سان بطرسبرغ الروسية. وشهدت هذه المدينة بداية صعود نجم بوتين، الكولونيل في جهاز «كي جي بي» (المخابرات الروسية)، قبل أن يباشر مساراً سياسياً انطلاقاً من الوظائف التي شغلها كمساعد لعمدة مدينة سان بطرسبرغ. وقد أشار ماكرون إلى تعلق بوتين بمدينة سان بطرسبرغ.
وحقيقة الأمر أن المعرض شكل بالنسبة لرئيس الجمهورية الفرنسي الشاب «ذريعة» لتوجيه دعوة لنظيره الروسي لزيارة فرنسا. وبذلك يكون ماكرون قد تصرف بعكس ما فعل سابقه فرنسوا هولاند، في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، عندما «أفهم» بوتين أنه «غير مرغوب به» في باريس التي كان ينوي المجيء إليها لتدشين كاتدرائية أرثوذكسية على الضفة اليسرى لنهر السين، ومركز ثقافي محاذ لها. وحجة هولاند وقتها أنه «يستحيل» استقبال بوتين بعد عمليات القصف التي قام بها الطيران الروسي في حلب، ومثابرة موسكو على إجهاض أية محاولة في مجلس الأمن الدولي.
أما من الجانب الروسي، فإن بوتين بمجيئه إلى باريس يريد أن يطوي صفحة تحبيذه لمنافسة ماكرون على الرئاسة مارين لوبان، مرشحة اليمني المتطرف التي استقبلها قبل الانتخابات في الكرملين، وقبلها دعمه لمرشح اليمين التقليدي فرنسوا فيون. وقد برر بوتين استقبال لوبان بالقول إنها «لم تكن هذه زيارتها الأولى إلى موسكو، فهي تأتي إلى روسيا بشكل منتظم». وتابع الرئيس الروسي: «نحن مستعدون لاستقبال الجميع، وعندما طلبت السيدة لوبان أن نستقبلها، لم نجد ما يبرر رفض ذلك».
فضلاً عن ذلك، فإن بوتين الذي ما زال «محروماً» من العودة لمجموعة السبع منذ عام 2014، وضمه لشبه جزيرة القرم، يريد إظهار قدرته على كسر «عزلته» الغربية، وإن كان ذلك بحجة افتتاح معرض ثقافي تاريخي. وقد خابت آمال بوتين في إصلاح سريع للعلاقات الروسية – الأميركية، والتقارب مع الرئيس دونالد ترمب، بعد التحقيقات في تدخل الأجهزة الروسية في الانتخابات الأميركية، ما يعني أن ملف التطبيع مع واشنطن وضع على الرف في الوقت الحاضر.
وأخيراً، فإن التقرب من باريس له انعكاساته الإيجابية على العلاقات الروسية مع الاتحاد الأوروبي الذي ما زال يفرض وواشنطن عقوبات اقتصادية ومالية وتجارية على روسيا بسبب أوكرانيا.
وقد استبق ماكرون أية انتقادات لمبادرته الدبلوماسية بالتأكيد على الحاجة لـ«الحوار مع روسيا»، بحسب ما أعلن في المؤتمر الصحافي الذي عقده في بروكسل عقب انتهاء القمة الأطلسية. ويريد ماكرون الحوار «من غير ضعف»، وقد سبق له أن أكد أنه «لن يقدم أي تنازل» بخصوص أوكرانيا. أما بخصوص الموضوع السوري، فإن ماكرون يرى أن غياب الدول الغربية كلها عما يجري في آستانة يعد «انكساراً لها»، وأن «رؤيته» لسوريا محكومة بثلاثة هواجس: الأول، إلحاق الهزيمة بـ«داعش». والثاني، العمل على حل سياسي «جماعي»، أي ألا يكون متروكاً لروسيا وحدها، ويضم كل الأطرف. وأخيراً، المحافظة على «بنى» الدولة السورية، مخافة الوقوع مجدداً في الفراغ، واستنساخ التجربتين العراقية والليبية.
وبحسب المراقبين، فإن هدف القضاء على «داعش» لن يطرح مشكلة سياسية، بل «تنظيمية»، أي لجهة كيفية تنظيم التعاون الميداني. كذلك بالنسبة لمبدأ الإبقاء على بنى الدولة السورية، أو الحل الجامع. لكن المشكلة في تحديد المنهج، ومعرفة مصير النظام، وتحديداً مستقبل الأسد.
وحتى تاريخه، لم يبدر عن موسكو ما يوحي بأنها مستعدة لانتقال سياسي جدي في سوريا، فيما ترى باريس أنه من غير هذا الانتقال، فإن الحرب «لن تنتهي» هناك. وقال ماكرون سابقاً إنه من «الضروري التحدث مع روسيا من أجل تغيير إطار الخروج من الأزمة العسكرية»، ومن أجل بناء حل «جماعي». وبحسب المحلل السياسي كريستيان ماكاريان، فإن الطرفين «ربما حققا تقدماً ما» في الموضوع السوري، في حال «اطمأنت» موسكو لبديل يمكن أن يحل محل الأسد، لكن أمراً كهذا سيكون حلاً على «المدى المتوسط»، أي مع نهاية المرحلة الانتقالية.
ويرى خبراء العلاقات الدولية في باريس، وبينهم باسكال بونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، وتوماس غومارت، مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن الزيارة «لن تسفر عن حلول» للمسائل الخلافية بين باريس وموسكو، لكنها تشكل بالمقابل «فرصة» للرئيسين لإقامة تواصل مباشر في المرتبة الأولى، والسعي لإرساء أسس لحوار «جدي»، على قاعدة ما يريده كل طرف بموجب ما يعتبره «مصالحه الأساسية». كذلك تريد باريس أن يكون الحوار بين طرفين «متكافئين».
ونُقل عن مصادر الوفد المرافق لبوتين أن الأخير «شعر بالاعتزاز» بالدعوة، مضيفة أن اللقاء كان «جيداً» والأجواء «إيجابية»، ما يتيح تناول كل المواضيع. واستبقت وزيرة الشؤون الأوروبية مارييل دو سارنيز المحادثات بتأكيد أن المحادثات «ستكون صريحة ومباشرة»، وأن الرئيس الفرنسي «لن يتردد في طرح المسائل ذات العلاقة بالحريات» في روسيا.
من جانبه، اعتبر السفير الروسي في باريس ألكسندر أورلوف، في حديث إذاعي، أن «الكثير من الأمور بين روسيا وفرنسا ستكون مرتبطة بما سيحصل في اللقاء الأول»، ودعا إلى البدء بتخطي «حالة التشكيك» التي تراكمت في السنوات الأخيرة.