بادية الشام... مسرح مواجهة واشنطن وطهران

في ضوء القرار المشترك بالتصدي لتوسع إيران في المنطقة

بادية الشام... مسرح مواجهة واشنطن وطهران
TT

بادية الشام... مسرح مواجهة واشنطن وطهران

بادية الشام... مسرح مواجهة واشنطن وطهران

لم تسرق حتى الساعة أي جبهة الضوء من جبهة البادية السورية التي شهدت قبل أكثر من أسبوع حركة أميركية لافتة بإطار التصدي لدفع إيران بمجموعة من الميليشيات للسيطرة على معبر التنف والوصول إلى الحدود العراقية وبالتالي تأمين ممر بغداد - دمشق ومن خلفه بيروت - طهران. ولعل ما نتج عن القمة العربية - الإسلامية - الأميركية التي شهدتها الرياض نهاية الأسبوع الماضي، لجهة القرار المشترك بالتصدي لتوسع إيران في المنطقة، جعل الأنظار تتركز أكثر على البادية السورية التي قد تتحول مسرحا لمواجهة أميركية - إيرانية مفتوحة، خاصة في ظل المعلومات عن تعزيزات وصلت إلى قاعدة التنف العسكرية بالتزامن مع استكمال الميليشيات التابعة لطهران تقدمها باتجاه «الخطوط الحمراء» التي رسمتها واشنطن وأبلغت بها موسكو.
في جنوب شرقي سوريا، استنفار متواصل منذ أكثر من 10 أيام. الفصائل المدعومة أميركيا تتحضر لمعركة «بركان البادية» لطرد الميليشيات الموالية لطهران من المناطق التي تقدمت إليها مؤخرا في بادية الشام، في حين تواصل عناصر هذه الميليشيات محاولات التقدم، ولقد باتت بالفعل على مشارف «الخط الأحمر» الذي رسمته واشنطن، وهو يبعد 40 كلم عن القاعدة العسكرية في التنف؛ حيث تتحصن قوات أميركية وبريطانية ونرويجية تدرّب مقاتلين معارضين ينضوون بشكل رئيسي ضمن إطار «جيش مغاوير الثورة».
ويبدو أن هذه الميليشيات ستكون وفق خبراء، في حال قررت خرق «الخطوط الأميركية الحمراء»، على موعد مع ضربات جوية جديدة تنفذها واشنطن، على غرار الضربة التي استهدفت قبل 10 أيام قافلة لمقاتلين تقودهم طهران، كانوا في طريقهم إلى قاعدة التنف العسكرية في جنوب سوريا قرب الحدود مع العراق والأردن.
ومن جانب آخر، وعلى الرغم من إعلان نظام دمشق في حينه أن القصف الجوي الذي نفذته طائرات التحالف الدولي قرب الحدود الأردنية استهدف «إحدى النقاط العسكرية للجيش (النظامي) السوري» في شرق البلاد، أكّد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مقتل ثمانية أشخاص «معظمهم غير سوريين». كذلك نقلت شبكة «سي إن إن» عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية قوله إن واشنطن أرسلت طائرتين «استعراضا للقوة» لإرغام المركبات السورية على العودة، وأضاف: «لكن المركبات لم تتوقف، ما أدى إلى التصعيد من استعراض للقوة إلى غارة جوية». ووفقاً للمسؤول الأميركي، اخترقت ثلاث عشرة مركبة «منطقة نزع السلاح» حول قاعدة التنف، وهي المنطقة التي أبلغ التحالف الروس بضرورة الابتعاد عنها. وقال المسؤول إن 5 من المركبات كانت على بعد 29 كيلومتراً من القاعدة عند منتصف ليلة الخميس عندما تم إرسال الطائرات الأميركية.
في هذه الأثناء، يترقّب خبراء بالملف السوري وبسياسة واشنطن الخطوة الأميركية. ويتوقع هؤلاء أن تنخرط الولايات المتحدة أكثر في ميدان العمليات السوري من خلال تأمين الدعم الجوي للمجموعات السورية البرّية التي تدعمها، وكذلك زيادة أعداد عناصرها من خبراء ومستشارين وقوات خاصة، المنشورين في المنطقة. وفي هذا السياق، يقول رياض قهوجي، رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري» (إنيغما): «تشهد سياسة واشنطن تجاه الشرق الأوسط تغييرات كبيرة على عدة صعد، على أن تبقى سرعة هذه التغييرات ومدى دراماتيكيتها رهن حنكة الإدارة ونجاحها في تسويقها وتنفيذها داخلياً وخارجياً».
ويؤكد قهوجي، في مقال بموقع «منتدى الأمن والدفاع العربي» أن هذا ما خلصت إليه اجتماعات وحلقات حوار مع مسؤولين في الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع (البنتاغون) ومراكز الأبحاث في واشنطن. وهو ينقل عن مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية أن «سياسة أميركا نحو إيران ودول الخليج ستشهد تحولاً بنسبة 180 درجة». ويلفت الخبير الاستراتيجي اللبناني - الذي يتخذ مركزه من دبي مقراً له - إلى أن «أهم هدفين للإدارة الأميركية الجديدة فيما يخص طهران هما إيقاف أو الحدّ من تطور برنامج الصواريخ الباليستية، وحصر الانفلاش الإيراني في المنطقة، وتحديداً عبر منعها من فتح ممر برّي يصل حدود إيران الغربية بالبحر المتوسط عبر العراق وسوريا، وهذا مع التركيز على إنهاء وجود إيران وحلفائها من المناطق المحاذية للجولان».
* القضاء على «داعش»
من جهة ثانية، حسب مسؤولين عسكريين أميركيين سيبقى موضوع القضاء على تنظيم داعش الإرهابي المتطرف على قمة أولويات الإدارة الأميركية الجديدة، ولكن من منطلق آخر وغايات مختلفة عن تلك التي كانت تبنّتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وفي هذا الإطار، يوضح قهوجي: «هدف محاربة (داعش) والمجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة سيكون ضمن سياسة الحد من نفوذ إيران والنظام السوري اللذين يستغلان الحرب ضد هذه الجماعات لتوسيع مناطق نفوذهما في سوريا والعراق». وعليه، فهدف الحرب على «داعش» وأتباعه، حسب الإدارة الجديدة في واشنطن، لن يكون للقضاء عليه فحسب، إنما السيطرة على أراضيه ومنع إيران وحلفائها من احتلالها واستخدامها في بناء الممر البري نحو الساحل السوري.
ويرجّح قهوجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تكون المعركة الكبيرة والرئيسية في محيط مدينة البوكمال ثاني كبرى مدن محافظة دير الزور، المتاخمة للحدود العراقية، «حيث سيسعى الإيرانيون لتلاقي القوات التابعة لهم والآتية من الحدود العراقية مع تلك المقاتلة داخل الحدود السورية»، ويضيف أنه «إذا نجحت القوات المدعومة أميركياً بالوصول إلى هذه المنطقة وقطع الطريق على تلاقي الميليشيات الإيرانية، فستكون قد أفسدت الخطة والطموحات الإيرانية، وسنشهد عندها فرض واقع جديد وتدخل أكبر من الجانب الأميركي». ويتابع قهوجي: «الأمور ستتبلور وتتحرك في بداية الشهر المقبل، بعيد انتهاء جولة الرئيس الأميركي في منطقة الشرق الأوسط واجتماعات حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقمة مجموعة الدول السبع (G7)».
* «جيش مغاوير الثورة»
على صعيد آخر، برز في الآونة الأخيرة دور «جيش مغاوير الثورة» بقيادة العقيد مهند الطلاع كذراع أساسية لواشنطن في المنطقة الشرقية من سوريا، على غرار اتخاذها في الشمال السوري ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) - ذات الغالبية الكردية - حليفا أساسيا لها، على الرغم من كون الأول لا يزال متواضعاً من حيث العدد والإعداد والقدرات إذا ما قورن بـ«قسد». وأظهرت دراسة حديثة أعدها مركز «جسور» للدراسات أن «جيش مغاوير الثورة»، الذي من المتوقع أن يخوض معركة دير الزور هو الفصيل المعارض الذي يسيطر على أكبر مساحة جغرافية، تتمثل بشكل رئيسي في منطقة البادية (بادية الشام)، وهو ما اعترض عليه مسؤولون في فصيل «أسود الشرقية» الذي يقاتل في المنطقة أيضاً ويعمل ضمن مشروع غرفة «الموك» (مقرها الأردن).
حالياً، تتركز وجهة «مغاوير الثورة» على مدينة دير الزور على طول الحدود الشرقية الممتدة من التنف على مثلث الحدود السورية - الأردنية - العراقية، وشمالاً باتجاه دير الزور. وقد تطوّرت من ميليشيا «جيش سوريا الجديد» التي أُعلن عنها في الصيف الماضي وتعرّضت لانتكاسة إثر ضربة جوية يُعتقد أنها روسية استهدفت معسكراً لهم في المنطقة، إلى «جيش مغاوير الثورة»، ولم يسجل لها أي احتكاك مع قوات النظام. أما ميليشيا «أسود الشرقية» المدعومة من غرفة «الموك»، فيقتصر دعم الغرفة لها على الدعم اللوجيستي والتسليحي، من غير مشاركة في القتال إلى جانبها. وتنتشر هذه القوة في بادية جنوب شرقي السويداء وتمتد شمالاً حتى القلمون الشرقي، ولقد استطاعت أن تحرز تقدماً كبيراً منذ مارس (آذار) الماضي على حساب «داعش».
ووفق الباحث الاستراتيجي والخبير العسكري الأردني الدكتور فايز الدويري، فإن ما تشهده منطقة البادية ليس مواجهة إيرانية - أميركية مباشرة بل أشبه بـ«حرب بالوكالة» تخوضها ميليشيات محسوبة على طهران وفصائل مدعومة أميركياً.
* «حرب بالوكالة»
ويؤكد الدويري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الميليشيات التي تتقدم باتجاه التنف محصورة بـ«كتائب الإمام» و«سيد الشهداء» وهي ميليشيات عراقية، نافياً انضمام ميليشيا «حزب الله» أو ميليشيات فلسطينية للقتال على هذه الجبهة. ويضيف: «في المقابل يقاتل (مغاوير الثورة) و(أسود الشرقية) و(أحرار العشائر) وقوات (أحمد العبدو) بطرف الفصائل المحلية المدعومة أميركياً». ويشير الدويري إلى أن واشنطن «تتدخل بشكل مباشر عند الضرورة وهو ما شهدناه قبل 10 أيام حين استهدفت قافلة لكتائب (سيد الشهداء) كانت تقترب من معبر التنف»، مستبعداً أن «تلعب إيران أي دور مباشر في المعركة هناك، فتكتفي بإرسال الميليشيات العراقية التي تقحمها في سياسة حافة الهاوية».
وفي السياق ذاته، تردد في الأيام القليلة الماضية، أن مجموعات من «لواء القدس الفلسطيني»، التي كانت موجودة في حلب، انتقلت للمشاركة في معارك بادية تدمر وفي العملية العسكرية التي تهدف قوات النظام السوري من خلالها إلى التقدم نحو الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور. ويُعتبر «لواء القدس الفلسطيني» الذي أسس عام 2013 من أبرز المجموعات الفلسطينية التي ساندت نظام الأسد في مدينة حلب وريف محافظتها، ومعظم مقاتليه من مخيمي النيرب وحندرات. وكانت ميليشيات شيعية عراقية جديدة يطلق عليها اسم «الأبدال» قد نشرت صوراً لعناصرها الأسبوع الماضي على الطريق المؤدية إلى معبر التنف، وقالت إنها سيطرت على نقطة مهمة في المنطقة. أما وكالة «فارس» الإيرانية التابعة لـ«الحرس الثوري»، فقد أعلنت أن طهران سترسل 3000 مقاتل من «حزب الله» إلى معبر التنف «لإحباط» ما سمتها «المؤامرة الأميركية»، وذلك بعد الضربة العسكرية التي استهدفت رتلا لقوات النظام في المنطقة، الأسبوع الماضي.
يذكر أن النظام السوري وحلفاءه أعلنوا في الثامن من مايو (أيار) الحالي فتح معركة الوصول إلى الحدود العراقية، وبالتالي تأمين ممرّ بغداد - دمشق، ثم ممر بيروت - طهران، وذلك بالتزامن مع ما سبق تداوله عن حشود عسكرية على الحدود الأردنية مع سوريا تمهيدا لعملية تدعمها واشنطن في الجنوب.
وتجنّدت وسائل الإعلام التابعة للنظام و«حزب الله»، في حينه، للتحذير من «تحركات لقوات أميركية وبريطانية وأردنية باتجاه الأراضي السورية». بل إن «الإعلام الحربي» التابع لـ«حزب الله» وجه يومذاك على لسان مصدر فيه «تهديداً مباشراً» لواشنطن قائلا: «ليعلم الأميركيون وحلفاؤهم أنهم سيدفعون الثمن غالياً، وسيكونون أهدافاً جراء استباحتهم الأرض السورية».
أما قناة «الميادين» اللبنانية، المقربة من النظام السوري و«حزب الله»، فتحدثت بدورها عن «رصد تحرّكات عسكرية ضخمة تشير إلى اقتراب ساعة الصفر على الحدود السورية مع الأردن». ولفتت إلى «تجمّع حشود عسكرية أميركية وبريطانية وأردنية على الحدود الجنوبية لمحافظتي السويداء ودرعا من تل شهاب إلى معبر نصيب، وإلى منطقة الرمثا وانتهاءً في خربة عواد (بأقصى جنوب محافظة السويداء) ووجود كتائب دبابات بريطانية ثقيلة من نوع (تشالنجر) مع 2300 مسلح وعدد من طائرات الهليكوبتر العسكرية من طرازي (كوبرا) و(بلاك هوك)». ووفق ادعاءات القناة فإن «قرابة 4000 مسلح ممن دُرِّبوا في الأردن موجودون في منطقة التنف داخل الحدود السورية». ولكن في مقابل ذلك، لم يصدر أي تعليق رسمي أردني أو أميركي بخصوص أي تحضيرات لعملية عسكرية مرتقبة في الجنوب السوري. والأرجح أن التعزيزات اقتصرت على المشاركة في مناورات «الأسد المتأهب» لعام 2017 التي شاركت فيها 23 دولة خلال الفترة الواقعة من 7 حتى 18 مايو. وهو ما أكّده الدويري، مشددا على أن كل ما تم تداوله عن حشود على الحدود الأردنية - السورية للمشاركة في معركة كبيرة في الداخل السوري، تبين أنّه لا يعدو «زوبعة في فنجان»، باعتبار الأردن لا يجد نفسه معنياً أبدا بفتح جبهة مع سوريا وإن كان لن يتردد في دعم فصائل معارضة في معركتها لتأمين حماية حدوده.
* إيران... وأميركا
وفق المعطيات الراهنة، لا يبدو أن الطرف الإيراني بصدد الاستسلام قريباً للإرادة الأميركية بما يتعلق بممر التنف الذي يُعتبر غاية في الأهمية لطهران. وهذا ما يشدد عليه الباحث المتخصص بشؤون الجماعات المتشددة عبد الرحمن الحاج، الذي يشير إلى أن «الإيرانيين لن يتوقفوا عن المحاولة للسيطرة عليه، لكن هل سيسمح لهم الأميركيون بذلك؟ ليس هناك ما يؤشر إلى أي تهاون مع تقدم قوات موالية للإيرانيين».
ويرى الحاج في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا سيكون في الواقع أول امتحان لصدق النيّات الأميركية بخصوص ما أعلنه ترمب في قمة الرياض، علما بأن للمسؤولين الرئيسيين في إدارة الرئيس دونالد ترمب تجربة سيئة في العراق مع إيران، كما أن وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس يحمل تصورا متشددا تجاه طهران... وإذ كان قد استقال في عهد أوباما على خلفية الاختلاف معه في هذا الموضوع تحديدا».
ويعتبر الحاج أنه «ليس من مصلحة أي دولة في المنطقة وجود ممرات عسكرية لإيران نحو البحر المتوسط عبر سوريا، كما يمكن الحديث عن مصلحة مشتركة إقليمية - دولية في إغلاق ممرات الإرهاب من إيران والعراق مصلحة إقليمية ودولية». ويستبعد الحاج أن تقرر إيران الدخول في مواجهة مباشرة مع الأميركيين لتأمين هذا الممر، من منطلق ألا قدرة لها أساسا على ذلك، وإن كانت ستستمر بالمحاولة ما لم تظهر الولايات المتحدة ردا حاسما.
كذلك يستبعد الحاج أن تلجأ الولايات المتحدة للاعتماد على قوات أميركية برّية للقتال في الشرق السوري، لافتا إلى أنها «مضطرة للاعتماد على مقاتلين محليين حيث يصعب أن يكون لدى الأكراد إمكانية بشرية للقتال هناك». ويتابع: «لهذا تقوم الولايات المتحدة بدعم وتجهيز قوات محلية بالتعاون مع الأردن وبريطانيا ليقوموا بهذا الدور فيطردوا (داعش)... بدءا من الحدود الجنوبية لسوريا ووصولا لدير الزور والرقة وشرقا نحو الحدود العراقية».
* أين الدور الروسي؟
هنا، اللافت أن الدور الروسي يبدو شبه منعدم في معركة التنف، إذ اقتصر رد فعل موسكو على الضربة الجوية التي نفذها التحالف الدولي في المنطقة بوقت سابق على الاستنكار. فلقد حذّر غينادي غاتيلوف، نائب وزير الخارجية الروسي، من أن أي عمليات عسكرية تؤدي إلى تصعيد الوضع في سوريا، تؤثر حتما على سير العملية السياسية في آستانة وجنيف. وأردف: «لا سيما مثل هذه الخطوة التي استهدفت القوات المسلحة السورية».
إلا أن الدور الروسي يتفعل في المعركة المتوازية التي يخوضها النظام عبر خط تدمر - السخنة - دير الزور، على الرغم من تأكيد خبراء أن موسكو ليست بصدد الدخول في مواجهة مع واشنطن «في الوقت الحالي»، وإن كانت لن تتردد في مسابقتها إلى دير الزور.
ومن جهتها، تتابع المعارضة السياسية عن كثب التطورات في المنطقتين الجنوبية والشرقية، وتعوّل على «متغيّرات كبيرة» بعد القمة الإسلامية - العربية - الأميركية التي عقدت في الرياض، لجهة تعاظم الدور الأميركي في التصدي للتمدد الإيراني. وفي هذا الإطار، يتحدث أحمد رمضان، رئيس الدائرة الإعلامية وعضو الهيئة السياسية في «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» عن «محاولة إيرانية مستمرة للتمدد نحو الحدود السورية مع العراق، وإبقاء خط الإمداد من بغداد مفتوحاً لحساب نقل الأسلحة والذخائر والإمداد لنظام الأسد»، ويقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه بات «من المعروف أن نظام بغداد وقّع في زمن نوري المالكي عام 2012 اتفاقاً مع النظام الإيراني يقضي بعبور الشاحنات من إيران إلى سوريا مروراً بأرض العراق من دون تفتيش، وهذه كانت مخصّصة لنقل الإمدادات العسكرية والمرتزقة، أما الآن فهناك قرار من التحالف الدولي بقطع هذا الطريق، وفرض رقابة على عمليات النقل الجوي، ما يعني محاصرة الميليشيات الإيرانية في سوريا والتضييق عليها». ويرجّح رمضان أن «يواصل الحرس الثوري الإيراني محاولة فتح طرف الإمداد الخاص به عبر أكثر من وسيلة»، مستدركاً «لكنني أعتقد أن تلك المحاولات لن تنجح، لأن ميليشيات إيران في سوريا ستكون هدفاً في المرحلة المقبلة».



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.