«تكوين الرغبة»... لتحسين الصحة القلبية

«تكوين الرغبة»... لتحسين الصحة القلبية
TT

«تكوين الرغبة»... لتحسين الصحة القلبية

«تكوين الرغبة»... لتحسين الصحة القلبية

إدراك المرء مسؤوليته تجاه تحسين مستوى صحته، أو ما تعبر عنه الأوساط الطبية بـPNIPH، هو الأساس في تبنيه سلوكيات صحية، وهذه حقيقة. وأمراض القلب الناجمة عن نقص تروية عضلة القلب بالدم Ischemic Heart Disease نتيجة تضيقات أو سدد الشرايين التاجية، لا تزال السبب الرئيسي للوفيات وللمرضى في جميع أرجاء العالم، وهذه حقيقة ثانية. وهذه النوعية من الأمراض القلبية، الأكثر شيوعاً في العالم، هي من نوعية الأمراض التي يُمكن الوقاية من الإصابة بها، والتي يُمكن أيضاً حتى بعد الإصابة بها العمل بنجاح في منع حصول وفي تخفيف حدة مضاعفاتها وتداعياتها. وهذه حقيقة ثالثة. ومزج الحقائق الثلاث هذه في «أنبوب اختبار منطقي» بالمختبر، لا محالة سيُعطينا حقيقة مفادها أن غالبية المُدركين لمسؤوليتهم تجاه صحة أنفسهم ولديهم القدرة على ترجمة فهمهم لكيفية التعامل مع مسببات أمراض شرايين القلب هم بالفعل يقومون بإجراء تغيرات في سلوكيات حياتهم اليومية بما يمنع حصول الإصابات بها ويُخفف من تداعياتها ومضاعفاتها.
والسؤال المطروح تلقائياً إلى الأوساط الطبية أولاً ولغيرها ثانياً: هل هذا ما يحصل عند مزج تلك الحقائق الثلاث في خارج مختبرات البحث العلمي، أي في أذهان عموم الناس وعلى وجه الخصوص الناس الأعلى عُرضة للإصابة بأمراض الشرايين القلبية؟
الإجابة ربما عرض الكثير من تفاصيلها الباحثون من جامعة معهد أوتاوا للقلب في أونتاريو بكندا، وذلك ضمن نتائج دراستهم المنشورة في عدد الثالث من مايو (أيار) الحالي لمجلة «رابطة القلب الأميركية Journal of the American Heart Association». وقال الباحثون في مقدمة دراستهم إن أمراض شرايين القلب يُمكن الوقاية منها إلى حد كبير لأنها تنجم عن عوامل خطورة معروفة، وعوامل الخطورة عددها قليل، وهي قابلة للتعديل بطريقة ممكنة عبر تبني سلوكيات حياتية واضحة في كيفية العمل على تطبيقها.
وأضافوا: رغم أهمية استراتيجيات الوقاية الأولية المعترف بها بدرجة عالية في الأوساط الطبية فإنه لا يُعرف إلاّ القليل عن العلاقة ما بين «إدراك ووعي المرء مسؤوليته تجاه تحسين مستوى صحته» وبين ترجمة هذا الإدراك إلى سلوكيات صحية على أرض واقع حياته اليومية، وتحديداً قالوا: ثمة تسعة من «عوامل الخطورة القابلة للتعديل» PMRFs، في شأن الإصابات بنوبات الجلطة القلبية، هي المسؤولة عن 90 في المائة من حالات الإصابة بها بين عموم الناس، ورغم المعرفة الواسعة بها فإن تأثيرها على التصورات الصحية للناس غير معروف.
والواقع أن هذا الموضوع هو قضية محورية في شأن تعامل الأوساط الطبية مع أمراض شرايين القلب التي تُصنف حتى اليوم لدى منظمة الصحة العالمية WHO بأنها «القاتل العالمي الأول»، وفي كيفية العمل على وقاية الناس من الإصابة بها وفي تخفيف حدة تداعياتها. ذلك أن التطور المستمر والضخم طوال العقود الماضية في معالجة أمراض الشرايين القلبية لا يزال مقتصراً على جانبين، الأول هو جانب التعامل الطبي المباشر مع حالات الإصابة بنوبة الجلطة القلبية والتدخلات المستعجلة في مختبرات القساطر وغرف العمليات وأجنحة العناية المركزة وأقسام الإسعاف بالمستشفيات، والجانب الثاني هو في أنواع المعالجات القلبية والفحوصات التي تخدم تحقيق الوقاية المتقدمة Secondary Prevention دون الوقاية الأولية Primary Prevention.
ومعلوم أن وقاية المرء من مرض ما تنقسم إلى نوعين وفق التصنيف الطبي: وقاية أولية تعمل على منع إصابة الشخص السليم بذلك المرض، ووقاية متقدمة تهدف إلى وقاية الشخص المُصاب بذلك المرض من مضاعفاته وتداعياته على المدى المتوسط والبعيد. وجانب الوقاية الأولية يتعامل بشكل مباشر مع نوعين من العوامل المؤثرة، عوامل ترفع وعوامل تُخفض احتمالات خطورة الإصابة بمرض ما بغية منع إصابة المرء بذلك المرض.
وكان الباحثون قد تتبعوا مدى اهتمام الناس بتسعة من العوامل القابلة للتعديل وذات التأثيرات المهمة في رفع أو خفض احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب وبنوبات الجلطة القلبية، وهي التدخين وضغط الدم وسمنة منطقة البطن والعوامل النفسية وتناول الخضار والفواكه بشكل يومي والكحول وممارسة الرياضة ونسبة مكونات أنواع الكولسترول. وشمل الباحثون في دراستهم أكثر من 45 ألف شخص تجاوبوا مع المسح الإحصائي الكندي للصحة. وتبين للباحثين أن أكثر من 82 في المائة من الأشخاص الذين لديهم اضطرابات في خمسة أو أكثر من العوامل التسعة المتقدمة هم بالفعل يُدركون أهميتها وجدوى التعامل معها بطريقة صحيحة، خصوصا التدخين وسمنة البطن وتدني النشاط البدني، ما يعني أن واحداً من كل خمسة أشخاص أعلى عُرضة للإصابة بأمراض الشرايين القلبية لا يُدرك أهميتها ولا جدوى التعامل الصحي معها ولا حاجته إلى تحسين صحته البدنية.
كما أفاد 55 في المائة من الأشخاص الأعلى عُرضة للإصابة بأمراض الشرايين القلبية بأن ثمة لديهم عوائق تمنعهم من تبني السلوكيات الصحية، وأهم العوائق تلك كما قال الباحثون هي عدم وجود قوة الإرادة وعدم وجود الرغبة في الانضباط الذاتي. وهي النتائج التي دفعت الباحثين إلى القول: «ثمة اليوم حاجة إلى تكوين فهم أفضل للعوامل الكامنة وراء نشوء التصورات الصحية ووراء تبني السلوكيات الصحية للاستفادة منها في جهود الوقاية من الإصابة بالأمراض القلبية».
والملاحظ طبياً أن إدراك خطورة أمر ما على الصحة له علاقة بتشكيل كيفية تعامل المرء مع عامل الخطورة ذلك، ولكن هذه العلاقة معقدة وترتبط بالأبعاد المختلفة لدى الشخص في إدراك مستوى أهمية تلك الخطورة الصحية لديه، وترتبط بمدى القدرة على تحمل تكلفة تبني السلوك الصحي وسهولة القيام بذلك، كما ترتبط بالقيمة التي يُضيفها المرء لمخرجات تلك السلوكيات الصحية في حياته اليومية، وعلى سبيل المثال، كما ذكر الباحثون، التدخين والسمنة كلاهما عوامل خطورة، إلاّ أن إدراك وفهم ذلك لا يجعلهما يُترجمان إلى سلوكيات حياتية يومية بالقوة نفسها، ولذا هناك انخفاض متواصل في معدلات التدخين وارتفاع متواصل في معدلات سمنة البطن.

* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]



دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
TT

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، إلى جانب مكملات زيت السمك، يمكن أن يبطئ بشكل كبير نمو خلايا سرطان البروستاتا لدى الرجال الذين يختارون المراقبة النشطة، ما قد يقلل من الحاجة إلى علاجات عدوانية في المستقبل، وفق ما نشر موقع «سايتك دايلي».

وجد باحثون من مركز UCLA Health Jonsson Comprehensive Cancer Center أدلة جديدة على أن التغييرات الغذائية قد تبطئ نمو الخلايا السرطانية لدى الرجال المصابين بسرطان البروستاتا الذين يخضعون للمراقبة النشطة، وهو نهج علاجي يتضمن مراقبة السرطان من كثب دون تدخل طبي فوري.

سرطان البروستاتا والتدخل الغذائي

قال الدكتور ويليام أرونسون، أستاذ أمراض المسالك البولية في كلية ديفيد جيفن للطب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس والمؤلف الأول للدراسة: «هذه خطوة مهمة نحو فهم كيف يمكن للنظام الغذائي أن يؤثر على نتائج سرطان البروستاتا».

وأضاف: «يهتم العديد من الرجال بتغييرات نمط الحياة، بما في ذلك النظام الغذائي، للمساعدة في إدارة إصابتهم بالسرطان ومنع تطور مرضهم. تشير نتائجنا إلى أن شيئاً بسيطاً مثل تعديل نظامك الغذائي يمكن أن يبطئ نمو السرطان ويطيل الوقت قبل الحاجة إلى تدخلات أكثر عدوانية».

تحدي المراقبة النشطة

يختار العديد من الرجال المصابين بسرطان البروستاتا منخفض الخطورة المراقبة النشطة بدلاً من العلاج الفوري، ومع ذلك، في غضون خمس سنوات، يحتاج حوالي 50 في المائة من هؤلاء الرجال في النهاية إلى الخضوع للعلاج إما بالجراحة أو الإشعاع.

وبسبب ذلك، يتوق المرضى إلى إيجاد طرق لتأخير الحاجة إلى العلاج، بما في ذلك من خلال التغييرات الغذائية أو المكملات الغذائية. ومع ذلك، لم يتم وضع إرشادات غذائية محددة في هذا المجال بعد.

في حين نظرت التجارب السريرية الأخرى في زيادة تناول الخضراوات وأنماط النظام الغذائي الصحي، لم يجد أي منها تأثيراً كبيراً على إبطاء تقدم السرطان.

الاستشارة الغذائية

لتحديد ما إذا كان النظام الغذائي أو المكملات الغذائية يمكن أن تلعب دوراً في إدارة سرطان البروستاتا، أجرى الفريق بقيادة جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس تجربة سريرية مستقبلية، تسمى CAPFISH-3، والتي شملت 100 رجل مصاب بسرطان البروستاتا منخفض الخطورة أو متوسط ​​الخطورة والذين اختاروا المراقبة النشطة.

تم توزيع المشاركين بشكل عشوائي على الاستمرار في نظامهم الغذائي الطبيعي أو اتباع نظام غذائي منخفض أوميغا 6 وعالي أوميغا 3، مع إضافة زيت السمك، لمدة عام واحد.

ووفق الدراسة، تلقى المشاركون في ذراع التدخل استشارات غذائية شخصية من قبل اختصاصي تغذية مسجل. وتم توجيه المرضى إلى بدائل أكثر صحة وأقل دهوناً للأطعمة عالية الدهون وعالية السعرات الحرارية (مثل استخدام زيت الزيتون أو الليمون والخل لصلصة السلطة)، وتقليل استهلاك الأطعمة ذات المحتوى العالي من أوميغا 6 (مثل رقائق البطاطس والكعك والمايونيز والأطعمة المقلية أو المصنعة الأخرى).

كان الهدف هو خلق توازن إيجابي في تناولهم لدهون أوميغا 6 وأوميغا 3 وجعل المشاركين يشعرون بالقدرة على التحكم في كيفية تغيير سلوكهم. كما تم إعطاؤهم كبسولات زيت السمك للحصول على أوميغا 3 إضافية.

ولم تحصل مجموعة التحكم على أي استشارات غذائية أو تناول كبسولات زيت السمك.

نتائج التغييرات الغذائية

تتبع الباحثون التغييرات في مؤشر حيوي يسمى مؤشر Ki-67، والذي يشير إلى مدى سرعة تكاثر الخلايا السرطانية - وهو مؤشر رئيسي لتطور السرطان، والنقائل والبقاء على قيد الحياة.

تم الحصول على خزعات من نفس الموقع في بداية الدراسة ومرة ​​أخرى بعد مرور عام واحد، باستخدام جهاز دمج الصور الذي يساعد في تتبع وتحديد مواقع السرطان.

وأظهرت النتائج أن المجموعة التي اتبعت نظاماً غذائياً منخفضاً في أوميغا 6 وغنياً بأوميغا 3 وزيت السمك كان لديها انخفاض بنسبة 15 في المائة في مؤشر Ki-67، بينما شهدت المجموعة الضابطة زيادة بنسبة 24 في المائة.