قد تمثل «الأسهم المفردة» خطراً على سلامتك المالية، ربما لا ترغب في سماع هذا الأمر الآن في ظل ما تشهده سوق الأسهم من مستويات ارتفاع جديدة منتظمة، حيث سجل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» للأسهم رقماً قياسياً جديداً، الأسبوع الماضي، بعد تحقيقه ارتفاعاً جديداً مع افتتاح الأسبوع. وقد سجل رقماً قياسياً في يومين من أيام الأسبوع الماضي أيضاً. بحساب العائد على الأسهم، سجل عائد أكبر من 6 في المائة خلال العام الحالي، وأكثر من 15 في المائة خلال الاثني عشر شهراً الأخيرة.
إلى جانب ذلك، تحقق الرهانات الضخمة على الأسهم الصاعدة أرباحا هائلة، فحتى هذه اللحظة في 2017، على سبيل المثال، حققت كل من الشركتين المدرجتين على مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، وهما شركة «فيرتيكس فارماكوتيكالز» للتكنولوجيا الحيوية، وشركة «أكتيفيجن بليزارد» لتطوير ألعاب الفيديو، عائداً يزيد على 50 في المائة منحته لحاملي الأسهم المحظوظين بكلتا الشركتين.
ما من شك في أنك إذا اخترت السهم المنطلق في الوقت المناسب يمكن أن تصبح ثرياً، وقد أبلى بعض منتقي الأسهم بلاءً جيداً على مدى فترة طويلة، لكن قبل أن تنطلق نحو اختيار السهم، ربما ينبغي عليك التفكير في الاحتمالات... ليس الأمر أن الأسهم على غرار الأمثلة المذكورة ستنتهي، بل المشكلة هي أنه في الوقت الذي تشهد فيه سوق الأسهم بالكامل انتعاشاً على المدى الطويل، فقد لا تشهد الأسهم المفردة مثل هذا الانتعاش.
وتوضح دراسة جديدة أجراها هندريك بسمبايندر، أستاذ المالية في جامعة ولاية أريزونا، بشكل مقنع أنه في الوقت الذي يعد فيه الاستثمار في سوق الأسهم ككل أمراً منطقياً وعقلانياً، يواجه منتقدو الأسهم المفردة عقبات هائلة... فيما تقل المخاطرة مع الاستثمار لدى صناديق تحوط منخفضة التكلفة متنوعة.
في ورقة بحثية تحمل عنوان «هل تتفوق الأسهم على أذون الخزانة؟»، وجد الأستاذ بسمبايندر أن الأسهم المفردة تشبه تذاكر اليانصيب، حيث تحقق نسبة ضئيلة من الأسهم الفائزة نجاحاً مذهلاً، لكن حين تُمنى بأرباح وخسائر طوال فترة نشاطها، تكون النتيجة هي عدم تحقيق أكثر الأسهم أي أرباح إطلاقاً.
كذلك اكتشف أن 58 في المائة من الأسهم المفردة قد فشلت منذ عام 1926 في التفوق على أذون الخزانة، التي تبلغ مدتها شهر، طوال فترة نشاطها. وتعد هذه نسبة منخفضة بالنظر إلى العائدات الضعيفة على أذون الخزانة، التي تبلغ مدتها شهراً، التي تحقق حالياً عائداً أقل من واحد في المائة.
ورأى الأستاذ بسمبايندر أن صافي عائدات السوق منذ 1926 حتى 2015 قد بلغ نحو 4 في المائة من الأسهم في السوق بالكامل بقيادة شركة «إيكسون موبيل»، تليها «آبل»، و«جنرال إلكتريك»، و«مايكروسوفت»، و«آي بي إم». على العكس من ذلك، بلغ العائد الأكثر شيوعاً للأسهم المفردة طوال تلك الفترة نحو سالب مائة في المائة، أي خسارة كاملة تقريباً.
ربما تبدو هذه الصورة القاتمة للأسهم المفردة معارضة للحدس وغير متوقعة، لكن في النهاية كثيراً ما يقال إن أداء الأسهم يتفوق على أداء السندات على المدى الطويل. لهذا السبب عادة ما يتلقى مستثمرو المدى الطويل نصيحة بالتمسك بالأسهم في محافظهم الاستثمارية.
مع ذلك تتمثل المشكلة في أن الاحتمالات الوردية طويلة المدى بالنسبة للأسهم، مقابل السندات، تستند بشكل تام على الصورة الكبيرة.. وحين تلقي نظرة عن كثب ربما تكون التفاصيل مربكة.
فحص الأستاذ بسمبايندر باستخدام قاعدة بيانات جامعة شيكاغو التي تعرف باسم «مركز أبحاث أسعار الأوراق المالية»، تقريباً كل سهم مدرج في السوق الأميركية منذ يوليو (تموز) 1926، وحتى ديسمبر (كانون الأول) 2015. وقارن بين عائدات تلك الأسهم وبين عائدات أذون الخزانة، التي تبلغ مدتها شهراً، خلال مدة قصيرة تصل إلى شهر، وكذلك طوال المدة الكاملة.
ووجد الأستاذ بسمبايندر أن أداء السهم لم يتفوق على أداء أذون الخزانة كوحدة مفردة. مع ذلك عند النظر إلى الأمر بشكل شامل، وجد أن سوق الأسهم ككل تتفوق على السندات، وأذون الخزانة، بفارق كبير.
توضح البيانات، التي نشرها أسواث داموداران، أستاذ المالية في جامعة نيويورك، على سبيل المثال أنه منذ عام 1928 حققت الأسهم عائداً قدره 9.5 في المائة تقريباً سنوياً، في مقابل عائد قدره 4.9 في المائة حققته أذون خزانة مدتها عشر سنوات، وعائد قدره 3.5 في المائة حققته أذون خزانة مدتها ثلاث سنوات. فازت الأسهم في هذا السباق وتخطتهما بمقدار ميل.
وقال داموداران في مقابلة: «توضح دراسات كثيرة أن أداء الأسهم يتفوق على أداء السندات بشكل عام، وليس لدي شك في صحة تلك البيانات إطلاقا».
كيف يكون هذان الأمران، وهما تراجع أداء السهم في العادة، وتفوق أداء سوق الأسهم ككل، صحيحين في الوقت ذاته. السبب في ذلك هو أن حفنة من الأسهم تميل إلى التفوق على الأسهم كبيرة العدد. وهناك تفسير فني لهذا الأمر أيضاً، وبلغة الإحصاء، تنحرف سوق الأسهم إيجاباً بوجه عام، بمعنى أن عدداً صغيراً نسبياً من النماذج الاستثنائية مثل شركتي «إيكسون»، و«آبل»، قد حقق عائدات هائلة أدت إلى ارتفاع السهم المتوسط، ذي النشاط العادي. يمكن القول بعبارة أخرى إن العائد المتوسط أكبر من الوسيط، أو العائد المعتاد.
ما الذي يعنيه كل هذا للمستثمرين؟ لا يعني هذا ضمناً أن انتقاء الأسهم لا يمكن أن يحقق نجاحاً، أو أنه سيضرّ الذين يقومون بالأمر بكامل وعيهم وإرادتهم. يقول الأستاذ بسمبايندر: «يمكن أن يحصل بعض الذين يختارون الأسهم الصحيحة على عائدات تشبه جائزة اليانصيب، لكنهم قد يرغبون في المخاطرة والقيام بهذا الأمر». مع ذلك يشير هذا ضمناً إلى أن أكثر الذين ينتقون أسهم بعينها لن يحافظوا على النجاح لفترة طويلة.
وقال الأستاذ بسمبايندر في معرض رده على أحد الأسئلة إنه شخصياً يفضل الاستثمار في صناديق التحوط منخفضة التكلفة المدرجة على المؤشر، التي يمكن من خلالها الاحتفاظ بمحفظة استثمارية متنوعة تشمل أسهماً وسندات.
وتمثل هذه استراتيجية قدراً أقل من المخاطرة، رغم أن الاستثمار في الأسهم دائماً ما يتضمن مخاطر، خصوصاً في أوقات مثل تلك التي نمر بها الآن حيث تشهد الأسهم صعوداً لفترة طويلة. ولا يعد هذا نهجاً ثورياً بأي وجه من الأوجه، حيث لن يحقق العائدات المرتفعة التي تكون ممكنة إذا نجحت في اختيار السهم الذي سيتفوق بأدائه على كل الأسهم الأخرى على مدى العقود المقبلة. ويوضح الأستاذ بسمبايندر قائلا: «هناك احتمال كبير بأن يكون ذلك السهم هو سهم لم نسمع به من قبل».
لذا، إن كنت واثقاً من قدرتك على معرفة واختيار ذلك السهم، فهذا سيكون أمراً جيداً بالنسبة إليك، لكنني أتمسك بصناديق التحوط المتنوعة التقليدية، لأني أعلم أنني لا أستطيع القيام بذلك.
* خدمة «نيويورك تايمز»