خريطة النفوذ العسكري في المناطق السورية: المدن للنظام والأرياف للمعارضة

الأكراد يحتفظون بثلاث مدن شمالا.. وطموح «داعش» التوسع شرقا

خريطة النفوذ العسكري في المناطق السورية: المدن للنظام والأرياف للمعارضة
TT

خريطة النفوذ العسكري في المناطق السورية: المدن للنظام والأرياف للمعارضة

خريطة النفوذ العسكري في المناطق السورية: المدن للنظام والأرياف للمعارضة

حيّد الاتفاق الأخير بين نظام الرئيس السوري بشار الأسد ومعارضيه في مدينة حمص، المنطقة الواقعة في وسط سوريا كليا عن المعارك العسكرية، شأنها شأن العاصمة السورية والخط السريع الذي يربطها بوسط وساحل البلاد. وإذا كانت القوات الحكومية تسعى من خلال هجماتها العنيفة لاستعادة السيطرة على الغوطة الشرقية لدمشق التي تعدّ أبرز معاقل المعارضة المهددة بالسقوط عسكريا بيد النظام، فإنها فشلت في تكرار سيناريو حمص في حلب، العاصمة الاقتصادية للبلاد، حيث تدور معارك عنيفة للحد من تقدم قوات المعارضة الممسكة بأكثر من 60 في المائة من المدينة. وتشير الخارطة العسكرية في سوريا إلى أن القوات الحكومية تسيطر على معظم المدن في المحافظات الكبرى، باستثناء الرقة، فيما فقدت السيطرة على جزء كبير من الأرياف، أهمها في حلب وإدلب وحماه (شمالا) ودير الزور (شرقا) ودرعا (جنوبا) والغوطة الشرقية لدمشق، بينما تسيطر وحدات حماية الشعب الكردي، المنسجمة سياسيا مع النظام، على أرياف الحسكة ومدينة القامشلي.
واتبعت دمشق، منذ دخول حزب الله اللبناني على خط مؤازرة قواتها بالمعارك العسكرية الداخلية في مايو (أيار) 2013، استراتيجية فصل المعارك وقطع خطوط التواصل بين مقاتلي المعارضة في شمال سوريا وجنوبها. وابتدعت خطا عسكريا وهميا يبدأ من القصير بريف حمص الغربي، ويمتد شرقا إلى المدينة التي حاصرتها القوات الحكومية وتقدمت في أحيائها، باستثناء حمص القديمة. ووفق هذه الاستراتيجية، تفرّغ النظام لاستعادة السيطرة على محيط عاصمته، وقضم مناطق سيطرة المعارضة بريف دمشق والمناطق الحدودية، معتمدا على حشد عسكري كبير.
وبعد استعادته السيطرة على أجزاء واسعة في منطقة القلمون، ومحاولة تحييد جنوب دمشق، باستثناء داريا المحاصرة ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، يشير تصعيد النظام شرق دمشق، إلى اندفاعه للسيطرة على مناطق الغوطة الشرقية التي تُعدّ المعركة الأهم بالنسبة إليه في هذا الوقت، بهدف استكمال خطط بدأها جنوب دمشق لتأمين عاصمته.
ومنذ مطلع أبريل (نيسان) الماضي، باتت الغوطة الشرقية من المناطق الواقعة شرق عاصمة السورية، وتحديدا المليحة وجوبر، نقطة التركيز الأهم في المعركة. ويهدد الضغط العسكري للقوات الحكومية، مدعومة بمقاتلين من حزب الله، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، باستعادة السيطرة على المنطقة، على الرغم من أنها تعرضت لأكثر من 26 هجوما خلال 40 يوما بهدف السيطرة عليها، كما تقول مصادر المعارضة لـ«الشرق الأوسط». وتضيف: «الهجمات تنطلق من المناطق الحدودية مع العاصمة السورية، بمحاذاة العباسيين وبلدة جرمانا، باتجاه المليحة وجوبر، وسط قصف عنيف بالمدفعية والصواريخ تتعرض له مواقع المعارضة في الداخل»، لافتة إلى أن تلك الهجمات «لم تنجح في تحقيق تقدم ميداني كبير، نظرا لاستخدام المعارضين أنفاقا ومجاري الصرف الصحي التي تمكنهم من تنفيذ هجمات مضادة خلف خطوط قوات النظام».
غير أن التصعيد الكبير، يعده معارضون مؤشرا على نية النظام السوري استعادة السيطرة على المنطقة التي باتت مصدر قلق بالنسبة للنظام. وتقول المصادر إن استعادة الغوطة الشرقية «ليست سهلة كما يتصور البعض»، مشيرة إلى أن دوما، وهي عاصمة ريف دمشق وأكبره مدنه وأولى المدن التي خرجت ضد النظام «تحتضن عددا كبيرا جدا من المقاتلين، فضلا عن أن المدنيين لا يزالون فيها، مما يُضفي صعوبة على السيطرة عليها»، رغم الحصار المفروض على المدينة، وسائر مناطق الغوطة الشرقية، منذ أكثر من 14 شهرا. وفي الشمال، استثمرت المعارضة، ضعف الضغط العسكري النظامي، فحققت تقدما واسعا في الأرياف، وصولا لسيطرتها على أكثر من نصف مدينة حلب. وتمكنت قوات المعارضة من طرد القوات الحكومية من كافة أرياف حلب التي تمتد شمالا حتى الحدود التركية، وقضم مساحات إضافية من المدينة التي تتركز معاركها على محور الشيخ نجار (شمال شرقي المدينة) وجمعية الزهراء (شمال غربي المدينة)، بحسب عضو المجلس الوطني السوري حسان نعناع الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن المعارضة «أحبطت تقدم النظام باتجاه السجن العسكري والمناطق التي تسيطر عليها».
في المقابل، تخترق المعارضة صفوف النظام بعمليات في مناطق واقعة تحت سيطرته، أهمها باب الفرج وحلب القديمة التي تسيطر المعارضة على نحو 70 في المائة منها، بالإضافة إلى معارك في عمق المدينة مثل ثكنة هنانو. وحذر نعناع من هجمات النظام العنيفة لفرض حصار على مناطق سيطرة المعارضة، بهدف تشكيل ضغط نفسي على منطقة يسكنها أكثر من مليون شخص.
وفي الريف الشمالي، تسيطر وحدات الحماية الكردية على ثلاث مدن رئيسة، وتمكنت من إبعاد مقاتلي المعارضة عنها، فيما يسيطر تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف بـ«داعش» على المدن الواقعة شرق حلب، هي «الباب» و«منبج» وسد تشرين وجرابلس التي تربط مناطق نفوذها بالرقة. وتعد الأخيرة أبرز معاقل التنظيم الذي يحاول التقدم باتجاه أرياف الحسكة ودير الزور، عبر قتال الجيش الحر والكتائب الإسلامية و«جبهة النصرة».
وبينما يسعى النظام لتأمين مركز المحافظة في درعا (جنوب البلاد) من هجمات المعارضة، عن طريق الهجوم منه باتجاه مناطق سيطرتها في الأرياف، يتكرر السيناريو ذاته في ريف اللاذقية، حيث يواصل النظام التصعيد لاستعادة السيطرة على منطقة كسب التي كانت حتى الأمس القريب معقلا له.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.