لقاء «ودي» بين ترمب والبابا فرنسيس

دعا البابا فرنسيس الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى استخدام رئاسته لنشر السلام في العالم، فيما تبادل الرجلان ابتسامات في أول لقاء مباشر بينهما في الفاتيكان صباح أمس.
واستمر اللقاء بين ترمب والبابا (80 عاما)، الذي كان من المحطات المرتقبة في جولة ترمب الأولى خارج بلاده، أقل من 30 دقيقة، وانتهى بابتسامات على وجهي الرجلين. ولاحقا قال الرئيس عن البابا: «إنه شخص مميز... لقد عقدنا لقاء رائعا».
ووصف الفاتيكان اللقاء بين الرجلين بأنه «ودي»، مؤكداً موقفهما المشترك من الإجهاض وقلقهما المشترك بشأن المسيحيين المضطهدين في الشرق الأوسط. وقال ترمب للبابا: «أشكرك. أشكرك. لن أنسى ما قلته». وقدم البابا لترمب ميدالية محفور عليها شجرة زيتون، الرمز العالمي للسلام.
وقال باللغة الإسبانية: «أقدّم هذه لك لتكون أنت أداة سلام»، فرد ترمب: «نحتاج إلى السلام».
وفي لحظة طريفة، أشار البابا إلى وزن ترمب وسأل زوجته ميلانيا: «ماذا تطعمينه؟ بوتيتسا؟» في إشارة إلى الكعكة الغنية بالسعرات الحرارية التي تتميز بها سلوفينيا، بلد ميلانيا الأصلي، كما نقلت وكالة الصحافة العالمية.
وقدم ترمب للبابا كثيرا من الهدايا، من بينها مجموعة من الطبعات الأولى لكتب ألفها مارتن لوثر كينغ، وتمثال بروزني. أما البابا، فقدّم لترمب نسخا من النصوص المهمة الثلاثة التي نشرها أثناء توليه الباباوية، ومن بينها واحدة عن البيئة يدعو فيها الدول الصناعية إلى الحد من انبعاثات الكربون لمنع التبعات الكارثية على كوكب الأرض.
ووعد ترمب بقراءة النصوص. وكان قد هدد سابقا بتجاهل اتفاق باريس حول الانبعاثات ووصف الاحتباس الحراري العالمي بأنه خدعة.
خلال العام السابق، تبادل الرجلان الانتقادات واختلفا في قضايا من بينها الهجرة والرأسمالية وكذلك البيئة. وأكّد بيان للفاتيكان «الالتزام المشترك من أجل الحياة وحرية العبادة والضمير».
ومنذ انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني)، أجاز ترمب للشركات أن ترفض تمويل نفقات منع الحمل لموظفيها، وجمد تمويل منظمات غير حكومية دولية تؤيد الإجهاض، وعين قاضيا محافظا متشددا معروفا بمواقفه المعارضة للإجهاض في المحكمة العليا. وهذا ما يحظى بتأييد الكاثوليك المحافظين الذين يشكلون نصف الناخبين الأميركيين، إضافة إلى تأييد البابا فرنسيس. فرغم وصفه بأنه «ثوري»، يبقى البابا الأرجنتيني حارسا صارما للتقاليد في المسائل الأخلاقية، وقد عارض مؤخرا الأبحاث العلمية حول الأجنّة البشرية.
وارتدت زوجة ترمب ميلانيا وابنته إيفانكا الثياب السوداء وغطاء الرأس الأسود، تماشيا مع البروتوكول التقليدي الذي لم يعد ملزما لزائرات الفاتيكان.
وجرى اللقاء في مكتبة قصر الفاتيكان الفخم الذي لا يستخدمه البابا، وقد اختار بدلا من ذلك سكنا متواضعا في نزل لرجال الدين الزائرين. وبعد ذلك، قام ترمب بجولة خاصة في كنيسة سيستينا المزخرفة بجداريات من روائع مايكل أنجلو، وكاتدرائية القديس بطرس حيث المذبح البابوي تعلوه مظلة النحات برنيني.
واتصل ترمب بالرئيس الإيطالي، كما التقى لفترة وجيزة رئيس الوزراء باولو جنتيلوني، وقال خلال اللقاء: «لقد أحببنا إيطاليا كثيرا جدا... وتشرفنا بلقاء البابا». وزارت ميلانيا مستشفى أطفال، بينما التقت إيفانكا نساء من أفريقيا من ضحايا تهريب البشر، وذلك أثناء زيارتها إلى جمعية سانتيجيديو الكاثوليكية.
في فبراير (شباط) 2016 أثناء حملة ترمب التمهيدية للرئاسة، قال البابا ردا على سؤال، من غير أن يذكر ترمب، إن «شخصا يريد بناء جدران لا جسور ليس مسيحيا». واعتبر ترمب في حينه أنه من «المعيب» أن يقوم رجل دين «بالتشكيك في إيمان شخص»، من غير أن يتخلى عن مشروعه لبناء جدار على طول الحدود مع المكسيك.
وبهذا اللقاء في الفاتيكان، اعتبرت واشنطن أن الرئيس الأميركي اختتم جولته على «مراكز» الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى، بعد خطاب موجّه إلى العالم الإسلامي ألقاه في السعودية، ومحطة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية زار خلالها حائط المبكى في القدس.
وقال مستشار البيت الأبيض للأمن القومي، الجنرال هربرت ريموند ماكماستر: «هذه الزيارة تاريخية فعلا... لم يسبق لأي رئيس أن زار مراكز الديانات اليهودية والمسيحية والمسلمة ومواقعها المقدسة في رحلة واحدة. ما يحاول الرئيس ترمب القيام به هو توحيد الشعوب من جميع الديانات حول رؤية مشتركة تقوم على السلام والتقدم والازدهار».
وحولت الجولة الأنظار عن الضغوط الداخلية التي يتعرض لها ترمب في بلاده بسبب الاتهامات الموجهة له بالتواطؤ مع روسيا. ومع وصول شعبيته إلى أدنى مستوياتها، فإن ترمب يأمل في أن يتحسن وضعه بعد أن التقى البابا الذي يحظى بشعبية واسعة.
ووصل فريق ترمب إلى بروكسل بعد ظهر أمس، لعقد اجتماعات مع مسؤولين في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، قبل أن يعود إلى إيطاليا للمشاركة في قمة مجموعة السبع التي ستعقد في صقلية يومي الجمعة والسبت.
وحطت الطائرة الرئاسية «إير فورس وان» في قاعدة ميلسبروك العسكرية قادمة من روما، واستقبل ملك بلجيكا فيليب وزوجته الملكة ماتيلد الرئيس الأميركي مساء، قبل عقد اجتماع عمل مع رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال.
وزيارة ترمب التي تستغرق نحو 30 ساعة في بروكسل ستتيح له الاجتماع على انفراد مع عدة قادة أوروبيين. ويلتقي صباح اليوم رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، ثم يتناول الغداء مع الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون.
وبعد الظهر، يزور ترمب المقر الجديد للحلف الأطلسي في ضاحية بروكسل الشمالية؛ حيث ينتظره رؤساء الدول والحكومات الـ27 الأعضاء في الحلف، ثم تقام مأدبة عشاء. وبعد انتقادات ترمب المتكررة للحلف الذي اعتبر أنه هيئة «عفا عليها الزمن» يترقب أعضاء الحلف هذه القمة؛ لأنها ستكون مناسبة يؤكد خلالها الرئيس الأميركي التزام بلاده الثابت لضمان الأمن الأوروبي والأطلسي.
على صعيد متصل، صرح مصدر دبلوماسي، أمس، بأن حلف شمال الأطلسي سينضم إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، في تلبية لدعوة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للحلف بأن يزيد من دوره في محاربة التنظيم المتطرف.
وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته إن «سفراء الدول الأعضاء في الحلف اتخذوا القرار للتو... ولكن لا يزال يتعين أن يصادق قادة دول الحلف على القرار رسمياً غداً».
وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» من داخل مقر الحلف الأطلسي، قال رادوفان جافوشيك، سفير سلوفاكيا لدى مقر الناتو، إن «لقاءات القمة ستكون مهمة، فهي أول مشاركة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وستكون فرصة جيدة لتوجيه رسالة تعبر عن وحدة الصف في الحلف». وتابع أن الدول الأعضاء جاهزة للتعاون والشراكة، وأعتقد أن التركيز في القمة سيكون على القضايا الداخلية للحلف، إلى جانب بحث ما يحدث في محيط الحلف، كالوضع في أوكرانيا ومنطقة جنوب المتوسط، لافتاً إلى أن القمة «فرصة لإثبات اهتمامنا للدول الجارة والصديقة». وحول مكافحة الإرهاب، قال السفير السلوفاكي إنه سبق أن «أعلن الناتو أنه يساهم بشكل غير مباشر في التحالف الدولي عبر مشاركة عدد من الدول الأعضاء في الحلف ضمن التحالف الدولي ضد (داعش)، كما سبق أن أعلن الناتو عن دعمه لمهمة التحالف الدولي».
واستعدت بروكسل للقمة بتكثيف الإجراءات الأمنية بالقرب من مقر الناتو، وفي محيط مقار مؤسسات الاتحاد الأوروبي، حيث سيلتقي الرئيس ترمب مع قياداتها.
ومن وجهة نظر كثير من المراقبين، فإن تقوية العلاقات بين الجانبين الأوروبي والأميركي سيكون له انعكاس إيجابي على تعزيز الروابط بين دول الناتو. وخلال مؤتمر صحافي بمقر الحلف الأطلسي في بروكسل عشية انعقاد قمة قادة الحلف، قال ستولتنبرغ إنها قمة قصيرة ولكن ستكون مكثفة ومهمة.
ومن المقرر أن يناقش زعماء الحلف موضوعين رئيسيين هما كيفية تعزيز المساهمة في عمل التحالف الدولي ضد «داعش»، واستعراض الجهود المبذولة من قبل الدول الأعضاء لزيادة موازناتها واستثماراتها الدفاعية والعسكرية لتصل إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ورداً على سؤال يتعلق بموضوع التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، وما إذا كان الأمر سيؤثر على تبادل المعلومات الاستخباراتية، اعتبر ستولتنبرغ أن الأمر يتعلق بشأن داخلي أميركي، معلناً «استمرار الحلف في تبادل المعلومات مع واشنطن».
على صعيد متصل، يترقب قادة مجموعة السبع، الجمعة، في تاورمينا بصقلية موقف الرئيس الأميركي من اتفاق باريس حول المناخ.
ويتساءل قادة مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي ما إذا كان ترمب سينسحب فعلا من اتفاق باريس للتغير المناخي، الذي تعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أبرز داعميه بشأن الحد من انبعاثات الغازات السامة. وقالت الثلاثاء، في إشارة واضحة إلى ترمب الذي كان اعتبر أن التغير المناخي «خدعة» صينية: «لا أزال أحاول إقناع المشككين» بخطورة هذه المسألة.
ويرجح أن تركز جهود إبقاء الولايات المتحدة في اتفاقية باريس على إقناعه بأن الطاقة المتجددة قادرة على التوافق مع أجندته الداعمة للنمو الاقتصادي، بدلا من التعامل مع شكوكه حيال المسألة بشكل مباشر.
وكان ترمب أعلن أنه لن يتخذ أي قرار بشأن التغير المناخي إلى حين ما بعد قمة مجموعة السبع.