معنى الخيانة ومأزق إسرائيل الوجودي في نص روائي جدلي

رواية عاموس عوز الجديدة المرشحة لـ«مان بوكر» الدولية تبدأ بالنهايات

عاموس عوز
عاموس عوز
TT

معنى الخيانة ومأزق إسرائيل الوجودي في نص روائي جدلي

عاموس عوز
عاموس عوز

قليلة هي الروايات التي يجرؤ مؤلفوها على تحويلها إلى فضاء متخيل لمناقشة الأفكار السياسية الجدلية على نحو مباشر، فذلك دائما يكون إما دلالة على تمكن عال من الصنعة الروائية وثقة بامتلاك لعبة السرد الروائي (ديستوفسكي، وتولستوي، وتوماس مان، وأمبرتو إيكو) وإما - على النقيض تماما - فقدانا مطلقا للقدرة على الإبداع والتخيل تنتهي بصاحبها إلى الارتكاز على جفاف النقاشات الأكاديمية دون أن يتأهل عمله ليكون رواية ولا حتى كاتبا أكاديميا. رواية «جوداس» - أو يهوذا بحسب التسمية العربية - لعاموس عوز (ولد 1939 ويعده كثيرون الروائي الأهم في «إسرائيل» وضيفا دائما على قائمة الروائيين المرشحين لنيل جائزة نوبل للآداب)، تنتمي دون شك إلى نسق الاقتدار غير التقليدي الذي يجعل من حبكة الرواية - على أهميتها - مجرد موسيقى خلفية ترافق نقاشا محموما للأفكار.
الأفكار التي تجدها في «جوداس» ليست أقل من تساؤلات وجودية عن معنى دولة إسرائيل من حيث المبدأ، ومأزقها الأخلاقي الذي لا يبدو له أي أفق إلى الآن، وموقف حاسم في مواجهة منطق القوة الغاشم الذي يحكم عقل السلطة فيها، وإعادة قراءة - مستحقة - لمعنى الخيانة في المجال السياسي.
عاموس عوز بالطبع سياسي مهم ومفكر معروف قبل أن يكون روائياً، ويعتبر مؤسس حركة «السلام الآن» التي كانت لها أدوار مهمة في الداخل الإسرائيلي خلال مرحلة الثمانينات تحديداً، ومن الأصوات النادرة في النقاش الإسرائيلي العام التي ما زالت تطرح فكرة الدولتين كحل للمأساة الفلسطينية، وهو عندما يطرح وجهة نظره السياسية من خلال عمل روائي جريء - بالمقاييس الإسرائيلية الموغلة بالنظرة الأحادية والانحياز الشوفيني - فإنها تستدعي دون شك التأمل وكثيرا من الانتباه. وفعلا فقد تحولت الرواية إلى الأكثر مبيعا في السوق، وما لبثت أن نُقلت إلى لغات أخرى، من بينها الإنجليزية - النسخة التي بين أيدينا من ترجمة نيكولاس دولانغ - وأثارت نقاشات مهمة في الصحافة الغربية، وهي الآن على القائمة القصيرة للروايات المرشحة للفوز بجائزة مان للأعمال الأجنبية المترجمة في دورتها العام الحالي.
اختار عوز شخصية جوداس (يهوذا الإسخريوطي) التاريخية المحملة برموز متعددة المستويات في العقل الجمعي الإسرائيلي كثيمة مركزية لروايته التي تجري أحداثها في بيت مقدسي قديم شتاء 1959، ويطرح في فضائها تساؤلات صادمة بشأن معنى كل التجربة الإسرائيلية من خلال نقاشات تجري بين شخصيات إسرائيلية لثلاثة أجيال تمثل على نحو أو آخر تجارب المجتمع الإسرائيلي منذ مرحلة ما قبل الدولة، ثم مرحلة التأسيس في 1948، ولاحقا مرحلة الثقة خلال الخمسينات وما بعدها.
بالطبع فإن السردية التقليدية في النصوص الكلاسيكية عن يهوذا الإسخريوطي تجعل من الرجل نموذج الخيانة المحض. فهو كان عميلا للنخبة اليهودية التي أقلقتها حركة السيد المسيح فكلف باختراق المجموعة المحيطة بالسيد من الحواريين، ولم يكتف بالاختلاس منهم بعد أن ولاه السيد المسيح إدارة أموالهم، بل دفعه الجشع إلى بيع سيده بثلاثين درهما فضيا للتجار اليهود الذين كانوا يريدون تسليمه إلى سلطات الاحتلال الروماني، فقادهم إلى مكانه في حديقة الجيثسماني بالقدس وقبله من وجنته ليدل الجنود عليه. لكن عاموس عوز يطرح من خلال «جوداس» نصا نقيضا ورواية بديلة موجودة على نطاق أقل في بعض المصادر لتجعل من هذا الإسخريوطي أكثر الحواريين إيمانا برسالة المسيح، ولذا هو دفعه إلى الارتحال نحو القدس، ومن ثم أبلغ عنه السلطات كي يصلب ويعلق على الصليب، ليتحقق الفداء وفق العقيدة المسيحية التي جاء بها السيد المسيح ذاته. وهكذا تنقلب صورة الخيانة من عمل مسيء جدير بالإدانة إلى بطولة نادرة تستحق الإشادة، وأن عمل يهوذا ما كان إلا من يد الرب لا من رجس الشيطان.
ليست رواية عوز تاريخية بالمعنى المألوف، بل إن رمزية شخصية يهوذا الإسخريوطي تقدم في إطارٍ معاصرٍ من خلال عمل شاب إسرائيلي اضطر إلى أسباب مختلفة التخلي عن استكمال بحثه الجامعي المتعلق بوجهات النظر اليهودية بشأن يهوذا الإسخريوطي، وتنتهي به الحال للعمل كمرافق نهاري لأستاذ متقاعد للتاريخ لا يكتفي من الجدل. وما يلبث أن يتعلق بسيدة حسناء غامضة في خمسيناتها تسكن المنزل، ليتبين لاحقا أنها زوجة ابن الأستاذ المتقاعد الذي كان قتل خلال حرب 1948، ويعلم منها أنها ابنة قائد إسرائيلي معروف من جيل ما قبل الدولة وعضو في مجلس القيادة اشتهر بكونه المعارض الوحيد للسياسات المتصلبة للصهيوني ديفيد بن غوريون، وعرف بدعوته لقيام دولة عبرية - عربية مشتركة تستوعب المواطنين الفلسطينيين في كيان موحد مع المهاجرين اليهود، وأنه بسبب مواقفه هذه تعرض للاتهام بالخيانة والشجب والنبذ من قبل الأغلبية المنتشية بمنطق القوة.
تبدو الرواية بشخصياتها - رغم شيء من مباشرة مبالغ بها - وبعناصرها الزمانية والمكانية أشبه بإسرائيل مصغرة، ودفاعا مريرا عن مواقف عوز نفسه في ساحة الجدل السياسي: الشاب الإسرائيلي المصاب بالحيرة وانعدام اليقين كأنه جيل إسرائيل المعاصر الذي يعيش صراع مثاليات في الدولة التي أسسها جيل تقاعد - يرمز له من خلال شخصية أستاذ التاريخ - ولم يعد يمتلك إجابات لتبرير مأزق إسرائيل الأخلاقي، بينما السيدة الخمسينية فقدت زوجها في الحرب لتقضي عمرها كأرملة، وعاش والدها منبوذا لمواقفه الداعية لاستيعاب الفلسطينيين في الدولة. اختيار عوز للمكان في القدس الغربية المحتلة - المقسمة - وداخل منزل قديم يوحي أنه كان غالبا مسكنا لعائلة عربية وتوقيت الرواية نهاية الخمسينات عندما انتهت نشوة الانتصار في حرب التأسيس، وتجاوز المجتمع قلق البقاء بعد صمود الدولة لعقد كامل، وكأنه تكثيف لرمزية الوجود الإسرائيلي كله على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهي رواية تبدأ بالنهايات: نحن الآن وصلنا هنا – كمجتمع إسرائيلي - إلى هذا الموقف الشديد الالتباس، ولكن أين نذهب من هنا؟
يدين عوز في «جوداس» منطق تفوق القوة الذي تتبناه المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية، وهو يقول على لسان بطله الشاب إن «اليهود عرفوا عبر آلاف السنين كل أشكال القوة: قوة الأفكار وقوة الكتب وقوة التمسك بالعقيدة وقوة الصلوات وقوة التجارة وقوة التوسط بين الآخرين وقوة العلم، لكنهم لم يدركوا أبدا خطورة القوة ذاتها كقوة. قوة العنف والسلاح المتفوق قد تؤجل الكارثة المحتومة شيئا من الوقت، لكنها لن تقدر أبدا على حل كل شيء».
الخيانة - وفق ما يطرحه عوز إذن - مسألة تستعصي على التعريف الدقيق، وتذهب أساسا إلى اعتلاء وجهة نظر محددة بشأن التاريخ والعالم، ربما لا تكون بالضرورة هي الأصح أو الوحيدة. بل هو يدفعنا - ما بعد النقاش الوجودي المحكوم به الإسرائيليون - إلى تقبل الحياة ذاتها بمثابة عمل خياني على مستوى ما، لا يمكن الاستمرار فيها إلا من خلال تلفيقات وتنازلات وتقلبات في المواقف والرؤى وانكسارات للأحلام.
ينتهي الشاب الإسرائيلي، وباستفزاز إيجابي من السيدة الخمسينية الحسناء، إلى ترك ذلك البيت الكئيب والوظيفة عديمة الأفق والمدينة المحتلة للبحث عن ذاته ومستقبله في مكان آخر. لن نعرف بالضرورة ما سيجرى له لاحقا، فعوز نفسه - ضمير الكيان الإسرائيلي إذا كان لمجتمع محتل ثمة ضمير - غير عارفٍ كيفية الخروج من هذا المكان الخانق المسمى إسرائيل، حيث الشتاء لا ينتهي.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.