«الشرق الأوسط» في مهرجان كان (6): «كان» يتجه للاحتفاء بالسينما العربية

فيلم ميشال هنيكه الجديد يصيب ويخيب في الوقت نفسه

لقطة من «نهاية سعيدة»
لقطة من «نهاية سعيدة»
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان كان (6): «كان» يتجه للاحتفاء بالسينما العربية

لقطة من «نهاية سعيدة»
لقطة من «نهاية سعيدة»

شهد مهرجان كان الفرنسي العالمي هذا العام حضورا لافتا تخللته أنشطة فنية مختلفة. فعلى الصعيد السينمائي شهد حفل المهرجان غداء سنويا أقامه مهرجان دبي السينمائي الدولي، ودعا إليه لفيفا كبيرا من أصدقاء المهرجان ومن الإعلاميين والسينمائيين. هذا الحفل يدعم علاقة المهرجان الإماراتي بمهرجان «كان» المعروف يأتي مصاحباً للمركز الذي داوم المهرجان على إنشائه في «قرية المهرجانات»، وهي عبارة عن مجمّع ممتد على الساحل تشغله دول ومؤسسات سينمائية عالمية.
وجاءت المنصّة الثانية بعد بضع ساعات وكان مركزها مكتب شركة «ماد سوليوشنز» لرئيسها علاء كركوتي الذي يواصل حشد طاقاته المختلفة في سبيل دعم السينما العربية على مستوى المحافل الدولية.
حفلة هذا المركز كانت لقاءً ضم لفيفاً إعلامياً من بينهم النقاد العرب الذين شاركوا في الدورة الأولى باعتبار أنه تقليد جديد ستقوم به الشركة وهو تقديم جوائز للأفلام العربية التي تجد السبيل للعرض العالمي في المهرجانات والأسواق الدولية.
جوائز هذه الدورة توزعت على النحو التالي:
- جائزة أفضل فيلم: «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد، الذي سبق لنا هنا أن قدّمناه بكثير من الإعجاب المستحق.
- جائزة أفضل مخرج ذهبت إلى المصري محمد دياب عن فيلمه «اشتباك» كما أن جائزة أفضل سيناريو ذهبت إليه وشقيقه خالد دياب.
- جائزة أفضل ممثلة نالتها هبة علي عن دورها في «أخضر يابس».
- جائزة أفضل ممثل ذهبت إلى التونسي ماجد مستورة عن «نحبك هادي».
وكل هذه الأفلام مرّت أمام أعين النقاد خلال تغطيتهم لمهرجانات برلين وكان خلال دورة العام الماضي ومن يعرف علاء كركوتي يعرف أنه لا يتوقف عن الإتيان بالمزيد من الأفكار التي تعود على السينما العربية من ناحية وعلى شركته كفاعل رئيسي في توجيه دفة العمل الإعلامي والتوزيعي صوب الأفلام العربية المستحقة.
المنصّة الثالثة وقعت ليلاً عندما أقامت «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» حفلتها السنوية أيضاً التي تخللها إعلان الجمعية عن منحة 100 ألف دولار لمؤسسة Film Aid International التي تعنى بشؤون توفير الأفلام السينمائية لضحايا التهجير حول العالم. في كلمته نبّه رئيس الجمعية لورنزو سوريا (Soria) إلى الأزمة الكبيرة الناتجة عن وجود أكثر من 30 مليون لاجئ حول العالم نتيجة عوامل الحروب أو الظروف الاقتصادية والسياسية المختلفة.
في الوقت ذاته، كانت هناك منصّة رابعة لم يستطع النقاد حضورها لأنها تزامنت مع فيلم ميشال هنيكه الجديد «نهاية سعيدة» وحفلة «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» التي دعا إليها مهرجان «الجونة» الذي ستنطلق دورته الأولى في سبتمبر (أيلول) تحت إدارة الزميل انتشال التميمي.
هذه الاحتفالات، التي هي أكثر من حفلات عامرة الموائد أو ساهرة، تؤكد أهمية «كان» كحاضن للمشاريع السينمائية التي توظف أهميته وحجمه الكبيرين، لإعلان عن ولاداتها أو اتجاهاتها الجديدة وهناك الكثير مما نسمعه عن هذه الاتجاهات والنشاطات من مكاتب مختلفة لكن المؤكد أن المهرجان المصري الجديد لا يأتي وحده في عداد ما يتم تحضيره من مهرجانات عربية.
من ناحيته، أثبت «مهرجان الشارقة لسينما الأطفال» حضوره مجدداً معلناً عن أن دورته المقبلة تأتي تجسيداً لمرحلة جديدة أوسع نشاطاً وأهم حضوراً مما سبق. من ناحية ثانية تم الإعلان عن ولادة مهرجان جديد آخر هو مهرجان «عمان السينمائي» في العاصمة الأردنية. السيد جورج ديفيد، مسؤول «الهيئة الملكية للأفلام» ذكر أن الوقت حان لانضمام الأردن لمهرجانات السينما الجادة في سبيل نشر ودعم السينمات المحلية والعربية.
يمكن القول إن أحداً لم يكن بانتظار فيلم ميشال هنيكه الجديد «نهاية سعيدة» هو كالاعتقاد بأن مهرجان «كان» يقع في المكسيك. أحد أكثر أفلام المسابقة إثارة للاهتمام والتوقعات، وأحد أكثرها حضوراً هو عمل هنيكه الذي يضع نصب عينيه خروج المخرج بسعفة ثالثة بعد سعفتين سابقتين. الأولى عن «الشريط الأبيض» (2009) والثاني عن «حب» (2012) وذلك ضمن جوائز أخرى نالها من هذا المهرجان من بينها جائزة أفضل مخرج عن فيلم «مخبوء» (2005) وجائزة لجنة التحكيم الكبرى عن «أستاذة البيانو».
لم يقض على اللهفة لمشاهدة الفيلم الجديد سوى ذلك التنظيم السيئ الذي تتسبب به إدارة المهرجان دورة بعد أخرى، حيث يتأخر عرض الفيلم لنحو نصف ساعة بعدما ترك المهرجان ألف مشاهد مزروعين على الرصيف المقابل بانتظار فتح الأبواب. الحجة يوم أول من أمس أن تم اكتشاف قنبلة. هذا مقبول. الحجة ليل أمس (وقبله في مرات متعددة) أن الفيلم السابق بدأ بدوره متأخراً، كما لو أن هذا العذر مقبول من مهرجان يصرف نحو 20 مليون يورو على كل شاردة وواردة لكنه لا يجد سبيلاً لتنظيم مواعيده على نحو يتقيد فيها هو بالبرنامج المعد.
عندما بدأ الفيلم أرخى ميشال هدوءاً حذراً. بادر المشاهدين بلقطات مصوّرة بالهاتف (عاد إليها لاحقاً) ثم بدأ بسرد منواله من تقديم الحدث وإطاره على نحو يلفه الغموض. المخرج النمسوي (75 سنة) يعرض هنا حال عائلة فرنسية برجوازية (حسب الكلمة المستخدمة في منشورات الفيلم ذاته) تعيش في بلدة ساحلية (كاليه) ولا تتعايش مع مشكلاتها التي تشبه الصرخات المكبوتة.
صاحبة هذه الصور - كما سنعرف لاحقاً - هي فتاة اسمها إيف عمرها 13 سنة توحي فيها بتوجهها نحو نوافذ التواصل الاجتماعي لكي تخترق وحدتها القاسية داخل أسرتها خصوصاً من بعد أن تم إيداع أمها في المستشفى إثر جرعة دواء زائدة عن الحاجة يشتبه أن زوجها (والد الفتاة) مسؤول عنها. دور الأب (يقوم به ماتيو كازوفيتز) يعيش الرابطة العائلية التي تشده إلى طاقم أسروي يجتمع عند أوقات الغداء ويختلف عليها وبعدها. هناك الجدد جورج (جان - لوي ترتنيا) وابنته (إيزابيل أوبير) وابنها الشاب بيير (فرانز روغوفسكي)، وهذا الأخير يؤمن بأن العالم ينضوي تحت هيمنة المؤسسات الكبيرة ما سيخلق فجوة أكثر اتساعاً بين من يملك وبين من لا يملك.
عندما ينتقل هنيكه بين شخصياته هذه يتقصد الإمساك بخيوطها حتى لا تبوح بأكثر ما يريدها أن تبوح. لديه أكثر من مشهد (بعضها قرب النهاية) تكمن فيه الكاميرا بعيداً عن الشخصيات وأفعالها. لا نسمع ما تقوله ولا نستطيع أن نتبين تحديداً أي حركة صادرة منها. بذلك عين الكاميرا هي عين المراقب التي دائماً ما هي هنيكية (نسبة إلى المخرج هنيكه). هذا ورد في أفلامه كلها كما وردت تلك اللقطات المأخوذة من كاميرا مراقبة أو كومبيوترات. الغاية هي التذكير بأن هناك دائماً من يراقب ما يدور. الأمر كان مثالياً في فيلمه «مخبوء» (Hidden)، إذ تم استخدامه لتقديم عائلة من ثلاثة أفراد تجد أنها مراقبة بإصرار من قِبل مجهولين.
لكن هنا، تبرد التفاعل مع الوارد على نحو أسرع. يبدو الفيلم طرقاً للأبواب المطروقة سابقاً من دون جديد فعلي يضيفه. الشخصيات مثيرة للاهتمام فيما تؤمه من بحث عن الذات والمعنى وبما تكتشفه من قيمة غائبة للعلاقات، لكنها ممهورة بأخطائها بما في ذلك أخطاء البحث الذي لا يؤدي بالضرورة إلى الخلاص.
في أحد المشاهد نجد جورج يخرج من البيت إلى كاراج السيارات. إنه شخص مقعد لكنه يستطيع قيادة إحدى هذه السيارات ويخرج بها تاركاً البيت الذي يراه (كما هنيكه) عنواناً لنهاية الحضارة الغربية (الأوروبية تحديداً). غيابه المفاجئ يثير اهتمام ابنته لكنه لن يدفعها للبحث جدياً عنه إلا لاحقاً كتدليل آخر على أن البيت الماثل أمامنا متداع من الداخل.
يعود المخرج إلى جورج وهو يقود نفسه على الكرسي المتحرك في أحد شوارع المدينة. يوقف (في مشهد آخر ملتقط من بعيد لا نسمع فيه ما يدور) مهاجرين أفارقة ويتحدث إليهم. هذا المشهد وسواه يزيد من غموض ومن الصلات المفككة بين المشاهد. هذه المرّة، ونسبة لما سبق لنا وأن شاهدناه من أعمال هنيكه، الفيلم الجديد هو قديم الطرح والأسلوب بالنسبة لمن شاهد أعمال هنيكه السابقة، لكنه مثير لمن لا يعرف تلك الأعمال أو لا يعرف الكثير منها.
ليس هناك أخيار في هذا الفيلم باستثناء من لا ينتمي إلى عائلة لوران مثل الخادمين رشيد (حسان غنزي) وجميلة (لبنة عبيدار). وينتهي الفيلم بأن الجميع، وأن ببعض التفاوت، مسهم في انهيار مثاليات الحياة الأوروبية. حتى الرسالة تأتي متكررة مع الاعتراف بأنها ما زالت مثيرة للاهتمام. نهاية «نهاية سعيدة» هي أبعد ما يمكن عن السعادة لكن عبر ما تبثه من إيحاءات عزلة وتناقض وضياع وعدم الوثوق بالمستقبل فإنها تتحوّل إلى تعليق ساخر في فيلم متجهم في معظم ما يعرضه.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».