سباق علمي لتصميم رقاقات ذكاء صناعي مطورة

صنع يان لي كون Yann LeCun رقاقة ذكاء صناعي تسمى «آنا» ANNA، لكنه كان متقدماً على زمنه بنحو 25 عاماً. كان ذلك العام هو 1992، وكان لي كون باحثاً في «مختبرات بيل»، وهي من مختبرات البحث والتطوير المرموقة في ضواحي مدينة نيويورك. وقام مع زملائه من الباحثين بتصميم هذه الرقاقة لتشغيل شبكات عصبية صناعية عميقة، وهي مجموعة من الأنظمة الرياضية القادرة على تعلم المهام وحدها من خلال تحليل قدر كبير من البيانات، لكن «آنا» لم تصل يوماً إلى السوق الكبيرة. وكان أداء ذلك النوع من الشبكات جيداً في التعرف على الحروف والأرقام الموجودة على الحسابات الشخصية والأظرف، لكنها لم تتمكن من أداء مهام أخرى، على الأقل بشكل عملي.
مع ذلك أسهمت الشبكات العصبية الصناعية اليوم في إحداث تحول سريع في كبرى شركات الإنترنت، ومنها «غوغل»، و«فيسبوك»، و«ميكروسوفت». ويشرفني أن أكون حالياً على المختبر المركزي للذكاء الصناعي في شركة «فيسبوك»، حيث يمكن لتلك الشبكات التعرف على الوجوه والأشياء الموجودة في الصور، وترجمتها من لغة إلى أخرى، بل وما هو أكثر من ذلك. يقول لي كون إنه بعد مرور 25 عاماً يحتاج السوق كثيراً إلى رقاقات مثل «آنا»، ومن المتوقع أن تظهر تلك الرقاقات قريباً بأعداد كبيرة.
* رقاقات ذكية
وقد صنعت شركة «غوغل» أخيراً الرقاقة الخاصة بها، وأطلقت عليها اسم «تي بي يو» TPU، وتستخدم بشكل كبير في مراكز البيانات الضخمة التي تقوم عليها إمبراطورية الإنترنت التي أسستها الشركة. وتساعد تلك الرقاقة، التي يتم دمج الآلاف منها في الآلات، في القيام بكل شيء، بدءاً بالتعرف على الأوامر المنطوقة على الهواتف الذكية، التي تعمل بنظام «آندرويد»، ووصولاً إلى اختيار النتائج على محرك البحث «غوغل». مع ذلك ليس هذا سوى بداية لموجة أكبر، حيث كشفت محطة «سي إن بي سي» الأميركية حديثاً عن عمل كثير من المهندسين المشاركين في مشروع «غوغل تي بي يو» حالياً على تصنيع رقاقات مماثلة في إطار مشروع رائد جديد يسمى «غروك» (Groq)، وإن شركات كبرى تجارية في مجال صناعة الرقاقات ومنها «إنتل»، و«كوالكوم»، تسير في الاتجاه نفسه.
لا تزال شركات مثل «غوغل»، و«فيسبوك»، و«مايكروسوفت» قادرة على تشغيل الشبكات العصبية الصناعية الخاصة بها على رقاقات كومبيوتر معيارية تعرف باسم «سي بي يو»، وهي وحدات معالجة مركزية. مع ذلك نظراً لتصميم رقاقة الـ«سي بي يو» كمعالج متعدد الأغراض، لن تتمكن من أداء مهمتها بفعالية وكفاءة. ويمكن للشبكات العصبية الصناعية أن تعمل بشكل أسرع، وتستهلك قدراً أقل من الطاقة حين تعمل مع رقاقات مصممة خصيصاً للتعامل مع الكمّ الكبير من الحسابات الرقمية التي تحتاج إليها تلك الأنظمة.
وتوضح شركة «غوغل» أنها بصناعة رقاقة «تي بي يو» الخاصة بها قد وفرت تكاليف مالية لإنشاء نحو 15 مركزاً من مراكز البيانات. والآن تدفع شركات مثل «غوغل»، و«فيسبوك» بهذه الشبكات إلى الهواتف، وسماعات الواقع الافتراضي، حتى تتمكن من تفادي التأخير الذي ينتج عن إرسال صور إلى مراكز بيانات بعيدة، وهم بحاجة إلى الرقاقات التي يمكنها العمل على أجهزة شخصية أيضاً. يقول ليكون: «لا تزال هناك مساحة كبيرة تتسع لرقاقات أكثر تخصصاً تكون أكثر فعالية».
بعبارة أخرى، سوق تلك الرقاقات كبيرة، لهذا السبب تتحمس الكثير من الشركات لهذا الأمر.
* أبحاث رائدة
تعمل شركة «إنتل» بعد استحواذها على مشروع رائد يسمى «نرفانا» على تصنيع رقاقة مخصصة للتعلم الآلي. وكذلك تعمل شركة «آي بي إم» على تصنيع مكونات يتجلى فيها تصميم الشبكة العصبية الصناعية. وقد بدأت شركة «كوالكوم» أخيراً في تصنيع رقاقات خصيصاً لتنفيذ الشبكات العصبية الصناعية حسبما يقول لي كون المطلّع على خطط «كوالكوم» لموقع «وايرد. كوم» الإلكتروني، لأن شركة «فيسبوك» تساعد تلك الشركة المصنعة للرقاقة على ابتكار وسائل تكنولوجية تتعلق بالتعلم الآلي.
ويؤكد جيف جيلهار، نائب رئيس شركة «كوالكوم» لشؤون التكنولوجيا، أمر هذا المشروع. ويوضح قائلاً: «لقد قطعنا شوطاً طويلاً في وضع النماذج والتطوير».
من جانب آخر، يبدو أن شركة «إن فيديا» تتجه نحو المجال نفسه، فقد عينت الشركة المصنعة للرقاقات في سيليكون فالي، خلال الشهر الماضي، كليمنت فرابيت، الذي استكشف هذا النوع من صناعة الرقاقات وهو يدرس على أيدي لي كون في جامعة نيويورك، وأسس مشروعاً رائداً مميزاً في مجال التعلم يسمى «مادبيتس»، الذي استحوذت عليه شركة «تويتر» عام 2014. وتعد شركة «إن فيديا» بالفعل قوة مهيمنة في عالم رقاقات الذكاء الصناعي، قبل أن تتمكن شركات مثل «غوغل»، و«فيسبوك» من استخدام شبكة عصبية صناعية في الترجمة من لغة إلى أخرى على سبيل المثال، يجب عليها أولاً تدريبها على هذه المهمة الخاصة، وتغذيتها بمجموعة هائلة من الترجمات الموجودة.
وتصنع شركة «إن فيديا» رقاقات «جي بي يو» التي عادة ما تستخدم في تسريع مرحلة التدريب هذه. يقول ليكون: «فيما يتعلق بالتدريب، وضعت رقاقات «جي بي يو» السوق في مأزق، خصوصاً رقاقات «إن فيديا» أي أنه لا مفر من استخدامها. مع ذلك قد يشير وصول فرابيت إلى أن شركة «إن فيديا»، مثل «كوالكوم»، تستكشف رقاقات يمكنها تنفيذ شبكات عصبية اصطناعية بمجرد تدريبها.
لم تكن رقاقات «جي بي يو»، أو وحدات معالجة الغرافيك، مصممة لتكون رقاقة ذكاء صناعي، بل مصممة للتعامل مع الغرافيك فحسب. مع ذلك منذ نحو خمس سنوات، بدأت شركات مثل «غوغل»، و«فيسبوك»، استخدامها في تدريب الشبكات العصبية الصناعية لأنها كانت أفضل خيار متاح للقيام بهذه المهمة. ويعتقد لي كون أنها سوف تواصل قيامها بهذا الدور. ويوضح أن واضعي الشفرات والشركات قد تعرفوا على رقاقة الـ«جي بي يو»، ولديهم كل الأدوات اللازمة لاستخدامها. ويؤكد أنه سيكون من الصعب إزاحة تلك الرقاقات. مع ذلك، يعتقد لي كون أن سلالة جديدة من رقاقات الذكاء الصناعي سوف تغير طريقة تنفيذ شركات الإنترنت الكبرى للشبكات العصبية الصناعية، سواء في مراكز البيانات أو على أجهزة المستهلكين، من الهواتف وحتى آلات جزّ العشب، والمكنسة الكهربائية.
* رقاقات الأجهزة الجوالة
وكما أوضحت رقاقات «تي بي يو» من «غوغل»، يمكن أن تصل رقاقات الذكاء الصناعي بمراكز البيانات إلى مستوى جديد من الكفاءة والفعالية، خصوصاً مع تزايد الطلب على خدمات التعرف على الصور. ويمكن لتلك الرقاقات عند تنفيذ الشبكات العصبية الصناعية استهلاك قدر أقل من الطاقة الكهربائية، مع توليد قدر أقل من الحرارة. على صعيد آخر، ومع اتساع انتشار الواقع الافتراضي والمعزز، سوف تحتاج الهواتف والسماعات إلى رقاقات مماثلة. وكما أوضحت شركة «فيسبوك» حديثاً عند الكشف عن أدوات الواقع المعزز الجديدة، تتطلب هذه التكنولوجيا شبكات عصبية صناعية قادرة على التعرف على العالم من حولك. مع ذلك لا تستطيع أنظمة الواقع المعزز تشغيل تلك الرقاقات في مراكز البيانات. يستغرق إرسال كل ذلك القدر من الصور على الإنترنت وقتاً طويلاً مما يفسد تأثير الواقع المحفز.
وكما يوضح مايك شروبفير، كبير مسؤولي التكنولوجيا، تبدأ شركة «في بوك» الاعتماد على رقاقات «جي بي يو»، وغيرها من الرقاقات، التي تعرف باسم معالجات الإشارة الرقمية، في بعض المهام. مع ذلك على المدى الطويل، سوف تتضمن الأجهزة سلالة جديدة تماماً من الرقاقات، فهناك حاجة إلى ذلك، وسوف يتسابق مصنعو الرقاقات على تلبية تلك الحاجة.