في الموصل... «داعش» يرحل والبؤس باقٍ

دمار بمليارات الدولارات سيستغرق إصلاحه وقتاً طويلاً

في الموصل... «داعش» يرحل والبؤس باقٍ
TT

في الموصل... «داعش» يرحل والبؤس باقٍ

في الموصل... «داعش» يرحل والبؤس باقٍ

تقترب الموصل من التحرر الكامل من قبضة تنظيم داعش، وسيكون ذلك بمثابة انتصار مهم على الإرهاب، غير أن مناطق واسعة في الموصل دُمِّرَتْ، وستتكلف عملية إعادة الإعمار في ثاني كبرى مدن العراق مليارات الدولارات، كما أنها ستستغرق وقتاً طويلاً.
وفى الوقت الذي يسمع فيه أزيز المقاتلات في أجواء الموصل، يدلف أبو فهد، جندي عراقي، يحمل بندقية في يده ويلبس نعلاً في قدميه، إلى صالة مستشفى السلام في الموصل، المبنى الأفضل في المدينة، الذي كان يمثل مشروعاً رائداً في الموصل. ويسير أبو فهد الآن على أوراق وملفات وبقايا جدران متناثرة على الأرض، والشاشات مدلاة من السقف والفوضى تعم كل مكان، وثمة آثار لمعارك شديدة ضد «داعش» بقي منها جدران تملؤها ثقوب أحدثتها الطلقات، وأسقف قصفتها القنابل، وممرات خربة، وتحول المستشفى إلى أنقاض، ولم يعد يستقبل مرضى.
وبينما كان يسير أبو فهد في ممر مظلم، حاملاً هاتفاً محمولاً للإضاءة، قال: «هنا»؛ وهو يشير بالضوء في حجرة مجاورة إلى جثة لمقاتل تابع لـ«داعش»، لم يتم إخراجها بعد.
وحسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية، لا تزال الحرب دائرة في كل مكان ضد متطرفين في الجزء الشرقي المحرر من الموصل، ولا تقتصر مظاهر هذه الحرب على مثل هذه المشاهد وحدها؛ إذ إن المستشفى لا يبعد كثيراً عن نهر دجلة الذي يقسم مدينة الموصل إلى نصفين، ويُسْمَع دوي الانفجارات، وإطلاق الرصاص من الجانب الآخر من النهر في البلدة القديمة، حيث تحصن التنظيم هناك وشرع في المقاومة، وتتصاعد أعمدة الدخان فوق الحارات المكتظة بمبانيها.
ورغم ذلك فإن نهاية «داعش» في الموصل تقترب أكثر فأكثر، فمنذ بدء الهجوم العراقي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، استعاد المهاجمون أكثر من 90 في المائة من المدينة، ومن الممكن أن يتم طرد التنظيم من المدينة بشكل كامل قبل شهر رمضان الذي سيبدأ بعد أسبوع.
ومع أن هزيمة «داعش» وشيكة، فإن الشعور بالأمل أو النشوة محدود للغاية في الموصل، وفي المنطقة المحيطة بها، وتتكدس يومياً عند نقاط التفتيش الكثيرة الموجودة على الطرق الرئيسية المؤدية إلى الموصل، شاحنات وسيارات تحمل بضائع وأشخاصاً إلى المدينة. ويقوم عمال النظافة بجمع القمامة في المدينة بتكليف من الأمم المتحدة، وعلى جانب الطريق يتم بيع البنزين من الجراكن أو مباشرة من الشاحنة؛ وذلك لعدم وجود محطات بنزين، وتولى حرفيون هنا وهناك إصلاح المنازل، غير أن المباني المخربة التي لا تحصى، التي يمكن مشاهدتها في كل مكان، تذكر بأن عملية إعادة الإعمار ستتكلف مليارات وستستغرق أعواماً.
يعاود مصعب التدخين، ويأخذ رشفة دخان عميقة من سيجارته، مبدياً استمتاعاً ظاهراً بذلك، وقال إن التبغ أيام «داعش» كان لا يباع إلا سراً، ومقابل عشرة دولارات للسيجارة، وأضاف مصعب (24 عاماً): «ومن يتم ضبطه يتم جلده».
ويُلاحظ أن مصعب مر بأوقات عصيبة، ويظهر ذلك من شعره الذي يملأه الشيب، على الرغم من صغر سنه، وأظافره التي يقرضها بأسنانه، كما أنه يعرج بشكل دائم على إحدى ساقيه، وهو ينتمي إلى جيل فقد سنوات مهمة، فعندما استولى التنظيم على الموصل في يونيو (حزيران) 2014 كان مصعب يستعد للامتحان الذي لم يتمكن من تأديته أبداً، والآن أصبح بلا شهادة. وقال مصعب الذي يعمل في مقهى بشكل غير منتظم: «لا أدري ماذا ينبغي على أن أفعل؟».
ولا يتمثل سبب إحباط الناس مثل مصعب، في أنهم اضطروا إلى تحمل حكم صعب لـ«داعش» في الموصل وحسب، بل لأن عملية إعادة الإعمار تسير على نحو متباطئ، فالفساد المنتشر في كل مكان في العراق، على موعد مع فترات أفضل في الموصل أيضاً، فالدول الأجنبية، وبينها ألمانيا تمنح المال، لكن الساسة العراقيين يتصرفون فيه، حسبما يقول موظف تابع للأمم المتحدة.
وثمة حاجة إلى تقديم المساعدة السريعة؛ فأكثر من 600 ألف شخص تشردوا منذ بداية الهجوم على الموصل في أكتوبر الماضي، وينتظرون العودة إلى ديارهم. ويقول شاب عراقي آخر إن الأمر المأساوي على وجه الخصوص هو غرب الموصل، الذي لا تزال الاشتباكات دائرة فيه، وعرض الشاب ليث دباغ مقطع فيديو على الجوال كان قد التقطه هناك، يظهر شوارع دمرها القصف تماماً، وأحياء تمت تسويتها بالأرض، وقال ليث إن «الحياة الطبيعية مستحيلة هناك».
ويرتدي ليث (27 عاماً) ومتطوع آخر، قميصين خضراوين، ويقومان بتنظيف الشوارع والمباني بشكل منتظم، ويتجول ليث وهو يشعر بالفخر داخل مدرسة أزال منها الأنقاض، وقال إن الشيء الوحيد المتبقي فيها هو الثقوب في الجدران جراء الرصاص، لكن الدراسة عادت في المدرسة مرة أخرى. ويطلق الشابان على مبادرتهما «دعونا نعيدها أجمل»، لكن أدوات الشابين محدودة. ويقول ليث، الذي ليس لديه عمل مثل الكثيرين في الموصل: «لقد تم تدمير الحياة هنا».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.