القرصنة... سرطان الإنترنت الخبيث ومراحل تطوره عبر التاريخ

القرصنة الإلكترونية تجتاح العالم (إنديان اكبرس)
القرصنة الإلكترونية تجتاح العالم (إنديان اكبرس)
TT

القرصنة... سرطان الإنترنت الخبيث ومراحل تطوره عبر التاريخ

القرصنة الإلكترونية تجتاح العالم (إنديان اكبرس)
القرصنة الإلكترونية تجتاح العالم (إنديان اكبرس)

يقولون إن السرقات الكبيرة تحدث في وضح النهار. وهذا ما برهنه بالفعل قراصنة «الفدية الخبيثة».
فجأة ومن دون مقدمات، وجدت 99 دولة نفسها تحت رحمة بركان هائج من الهجمات الإلكترونية غير المسبوقة، والتي أثرت على أداء الكثير من المؤسسات والمنظمات الحكومية والخاصة في العالم.
ضرب فيروس «وانا كراي» الناجم عن برنامج «الفدية الخبيثة» الجسم الدولي أجمع، وتفشى فيه كسرطان قاتل.
من روسيا إلى إسبانيا والمكسيك وفيتنام، تضررت عشرات الآلاف من أجهزة الكومبيوتر بالبرنامج الذي يستغل ثغرة في نظام التشغيل «ويندوز». ويعتقد الخبراء أن هذه الثغرة كشفت في وثائق تمت قرصنتها العام الفائت، لوكالة الأمن القومي الأميركية (إن إس إيه).
ويمنع البرنامج المستخدم من فتح ملفاته ويجبره على دفع مبلغ من المال قيمته 300 دولار (275 يورو) لاستعادتها. وتدفع الفدية بالعملة الافتراضية «بيتكوين» التي يصعب تقفي أثرها.
* تحقيقات دولية بالكارثة الإلكترونية
استدعى الحدث الطارئ إعلاناً خطيراً من المكتب الأوروبي لأجهزة الشرطة الأوروبية (يوروبول) الذي أكد أن «الهجوم بمستوى غير مسبوق، وسيتطلب تحقيقاً دولياً معقداً لمعرفة الفاعلين»، بينما ركز وزراء مالية مجموعة السبع خلال اجتماعهم في إيطاليا على مسألة الأمن الإلكتروني ومكافحة القرصنة المعلوماتية.
يبحث المحققون وخبراء المعلوماتية عن آثار القراصنة الذين شنوا الهجمات إلكترونية الخبيثة.
ذكر اليوروبول أنه تم تشكيل فريق في المركز الأوروبي لمكافحة جرائم المعلوماتية «للمساعدة في هذا التحقيق»، موضحا أنه «سيضطلع بدور كبير فيه».
وأكد المسؤول في الشركة المعلوماتية «إف - سيكيور» في فنلندا، ميكو هيبونين، لوكالة الصحافة الفرنسية «انه أكبر هجوم من هذا النوع في التاريخ»، مشيرا إلى «اختراق 130 ألف نظام في مائة بلد في العالم».
أما الشرطة الفرنسية فقد ذكرت أن موجة الهجمات الإلكترونية أصابت «أكثر من 75 ألف» جهاز كومبيوتر في العالم حتى الآن.
شرح لانس كوتريل، المدير العلمي لمجموعة «إنتريبيد» الأميركية التكنولوجية، أنه خلافا للفيروسات العادية، هذا الفيروس ينتقل من كومبيوتر إلى آخر عبر الخوادم المحلية وليس العناوين الإلكترونية. وأكد أن تأثير البرنامج «الخبيث» يمكنه أن يتفاعل مع الحاسوب من دون أن يقوم أحد بفتح رسالة إلكترونية أو النقر على رابط ما.
*أبرز المتضررين
بقي الخبراء متحفظين حيال انتشار الفيروس. فأعلن لوران ماريشال الخبير في الأمن المعلومات في شركة «ماك - افي» لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا نعرف حتى الآن ما إذا كان الأمر في انحسار أو في تصاعد».
ويبدو أن القطاع الصحي البريطاني الذي يعمل فيه 1.7 مليون موظف، كان من الضحايا الرئيسيين لهذه القرصنة.
تحدثت وزيرة الداخلية البريطانية امبر راد للبي بي سي قائلة إن «نحو 45 مؤسسة» طبية تأثرت بهذا الهجوم. وقد اضطر بعضها لإلغاء عمليات جراحية أو إرجائها.
واعترفت مجموعة رينو الفرنسية لصناعة السيارات بأنها تأثرت بهذا الهجوم، ولا سيما مصنع داسيا رينو في رومانيا ومصنع ساندرلاند في بريطانيا واليابانية نيسان شريكة رينو.
أعلن البنك المركزي الروسي أن نظامه المصرفي استهدف بالهجوم الإلكتروني وكذلك عدد من الوزارات، موضحا أن القراصنة حاولوا اختراق المنشآت الإلكترونية لشبكة السكك الحديد.
وتأثر بهذه العملية عدد من الشركات مثل مجموعة «فيديكس» الأميركية العملاقة للبريد وشركة الاتصالات الإسبانية «تلفونيكا» التي دعت موظفيها بمكبرات الصوت إلى وقف تشغيل أجهزة الكومبيوتر فورا.
كتب القرصان الإسباني السابق، شيما الونسو، الذي أصبح مسؤولا عن أمن المعلوماتية في «تلفونيكا» الإسبانية، على مدونته قائلا: «على الرغم من الضجة الإعلامية التي أثارها هذا البرنامج للحصول على فدية، لم يكن له تأثير حقيقي، لأنه ظهر على محفظة العملة المستخدمة أن عدد الصفقات ضئيل».
وتابع أن آخر أرقام السبت تشير إلى أن «ستة آلاف دولار فقط» دفعت إلى طالبي الفديات.
دفع هذا المبلغ المتواضع، عمار زنديق، المسؤول في شركة الأمن المعلوماتي «مايند تكنولوجيز» إلى ترجيح كفة هجوم شنه قراصنة أرادوا إثارة ضجة أكثر من جمع أموال.
وفي مبادرة غير معهودة، قررت مايكروسوفت تفعيل تحديث لبعض برامجها لمواجهة هذا الفيروس. ويهاجم هذا الفيروس خصوصا نسخة «ويندوز اكس بي» التي لم تعد «مايكروسوفت» تؤمن متابعتها التقنية. ولم يستهدف نظام التشغيل «ويندوز 10» بالهجوم.
*بطل مجهول أوقف العملية بـ11 دولارا فقط
نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن «البطل المجهول» دارين هوس، العامل في شركة الأمن «Proofpoint» استطاع إيقاف عملية القرصنة بـ11 دولارا فقط.
فقام هوس، بالاشتراك مع صاحب حساب «تويتر» «MalwareTechBlog» بشراء اسم النطاق المشفر في كود الفيروس والذي يسمى «iuqerfsodp9ifjaposdfjhgosurijfaewrwergwea.com»، ما أحبط أي محاولة من القراصنة لخرق أي حاسوب أو ملف إلكتروني.
وأكدت «الغارديان» أن هوس وصديقه رصدا بعد ذلك آلاف الطلبات التي ترسل إلى النطاق المسجل في الثانية الواحدة. ونقلت عن هوس قوله: «لم أكن أتصور أن تسجيل اسم النطاق سيوقف البرمجية الخبيثة»، محذرا في الوقت نفسه أنه في حال غير الهاكرز من كود البرمجية فسيستعيد الفيروس القدرة على العمل.
ووفقا لموقع «lenta» الروسي، فإن اسم النطاق المكتشف في نص الكود كان يجب أن يستخدمه الهاكرز في الحالات القصوى.
وكانت شركة «Windows» أصدرت تحديثات خاصة لأنظمة التشغيل حتى تلك التي لم تعد توفر دعما تقنيا لها مثل «Windows XP» و» Windows Server 2003» و» Windows 8»، وذلك للحماية من إصابة الأجهزة بفيروس «WanaCrypt0r 2.0» وهو نفسه «WannaCry» الذي يقوم بتشفير البيانات ويظهر رسالة بدفع فدية.
أما موقع Politico، فأفاد بأن البرنامج الذي أنتجته وكالة الأمن القومي الأميركية، يسمح للبرمجيات الخبيثة بالانتشار عبر بروتوكولات تبادل الملفات المثبتة على أجهزة حواسيب كثير من المؤسسات حول العالم.
فالقراصنة، أو «الهاكرز» يستخدمون البرامج التي استخدمتها وكالة الأمن القومي الأميركية على شكل واسع خاصة في هكذا حالات استثنائية ومهمات خطرة، وفقا لتغريدة العميل السابق للوكالة، إدوارد سنودون.
*تاريخ القرصنة الإلكترونية
لم يكن مفهوم الاختراق قديما يعني اختراق شبكة حاسوب أو موقع إلكتروني فقط، وإنما كان اختراق أي جهاز لتحقيق هدف خاص يسمى اختراقا. لذلك، يمكننا القول إن عام 1903 شهد أول عملية اختراق في التاريخ، وتطورت الاختراقات بعدها لتصل إلى حد الحروب الإلكترونية.
كان الفيزيائي جون أمبروز فلمنج يستعد لعرض إحدى العجائب التكنولوجية المستجدة في عام 1903، وهي نظام تلغراف لاسلكي بعيد المدى ابتكره الإيطالي جوليلمو ماركوني، في محاولة لإثبات أن رسائل شفرة مورس يمكن إرسالها لاسلكيا عبر مسافات طويلة. وكان الحدث منظما أمام جمهور غفير في قاعة محاضرات المعهد الملكي الشهيرة بلندن.
وقبل بدء العرض بقليل، بدأ الجهاز ينقر، مكونا رسالة. بدأت الأحرف بالظهور، وتحولت إلى قصيدة ساخرة بشكل غير لائق تتهم ماركوني «بخداع الجمهور».
والمخترق هو الساحر والمخترع البريطاني نيفيل ماسكيلين الذي قال لصحيفة «تايمز» إن هدفه كان كشف الثغرات الأمنية من أجل الصالح العام.
- الثمانينات والتسعينات
وفي عام 1981 تشكلت مجموعة قراصنة «نادي فوضى الحاسوب» في ألمانيا، ومجموعة «آسياد البرامج» (وير لوردز) في أميركا التي تتألف من الكثير من المتسللين المراهقين ومخترقي الهاتف والمبرمجين والكثير من قراصنة الحاسوب الذين يعملون في الخفاء.
أما في صيف عام 1994، فتمكن قرصان روسي يدعى فلاديمير ليفين من اختراق بنك «سيتي بنك» الأميركي وتحويل عشرة ملايين دولار من حسابات عملاء إلى حساباته الشخصية في فنلندا وإسرائيل.
حكم عليه بعد اعتقاله بالسجن ثلاث سنوات، واستعادت السلطات كافة المبلغ المسروق باستثناء أربعمائة ألف دولار.
- القرن الـ21
في ديسمبر (كانون الأول) 2006 أجبرت ناسا على حجب رسائل البريد الإلكتروني التي تأتي مع مرفقات قبل إطلاق المركبات الفضائية خشية اختراقها، وذكرت مجلة «بيزنس ويك» الأميركية أن خطط إطلاق مركبات الفضاء الأميركية الأخيرة حصل عليها مخترقون أجانب غير معروفين.
في عام 2007 تعرضت شبكات حاسوب الحكومة الإستونية لهجوم من نوع الحرمان من الخدمة من طرف مجهولين، وذلك بعد جدال مع روسيا بشأن إزالة نصب تذكاري، وتعطلت في الهجوم بعض الخدمات الحكومية الإلكترونية والخدمة المصرفية عبر الإنترنت.
أيضا في ذلك العام، تمكن قراصنة من اخترق حساب بريد إلكتروني غير سري لوزير الدفاع الأميركي، ضمن سلسلة كبيرة من الهجمات للوصول إلى شبكات حاسوب البنتاغون.
استمرت مساعي القراصنة لسرقة عدة حسابات ومواقع وملفات إلكترونية بالتفاقم في الأعوام الماضية. وسجل العالم الكثير من عمليات القرصنة الكبيرة، وتتفاوت أكبر عمليات قرصنة في العالم بين موقع وآخر، لكن لم تنكر أي جهة أن قضية القرصنة المتعلقة بالانتخابات الأميركية عام 2016، نقلت هذه المحاولات من مجرد تلاعب إلكتروني رقمي إلى حرب عالمية واسعة.
- العبث بالانتخابات
تصاعدت حدة الجدل في الولايات المتحدة بشأن اتهامات روسيا بالقرصنة خلال الانتخابات الأميركية، وبحسب تقارير أميركية، فإن واشنطن حددت العملاء الروس المسؤولين عن القرصنة الإلكترونية، وفقا لشبكة «سي إن إن» الأميركية.
وأفادت البيانات بأن هؤلاء الأشخاص، الذين لم تذكر أسماؤهم، أرسلوا رسائل إلكترونية «إيميلات» خاصة بالحزب الديمقراطي، إلى موقع ويكيليكس الذي ينشر وثائق مسربة، في محاولة للتأثير في التصويت لصالح دونالد ترمب، وإسقاط منافسته هيلاري كلينتون.
- إسقاط مسؤولين
تسببت وثائق سرية قرصنها الروس بإسقاط المرشحين عن الحزب الديمقراطي لانتخابات الكونغرس في الكثير من الولايات.
كما تسببت عمليات القرصنة الإلكترونية الروسية بتصاعد السجال بين الرئيس المنتخب ووكالات الاستخبارات الوطنية بعد العثور على دلائل تؤكد محاولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال أجهزة الاستخبارات تشويه الديمقراطية الأميركية، وتحديد هوية الفائز بالانتخابات.
دفع هذا الأمر إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى طرد دبلوماسيين روس من الولايات المتحدة وفرض عقوبات جديدة على موسكو.
أقال ترمب الأسبوع الفائت، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، جيمس كومي، الذي كان يقود تحقيقات متعلقة بصلات محتملة بين فريق حملة ترمب وروسيا.
وكان كومي (56 عاما) الذي عينه أوباما في هذا المنصب، أكد في 20 مارس أنه يحقق في احتمال «التنسيق» بين مقربين من ترمب وروسيا قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، واحتمال قرصنة الروس لملفات متعلقة بكلينتون، منافسة ترمب للرئاسة، ما دفع بترمب للفوز بلقب الرئاسة.
يمكننا أن نتهم التطور التكنولوجي وصانعي العالم الافتراضي والرقمي بكل ما وصلنا إليه اليوم من جرائم إلكترونية وعمليات سرقة وقرصنة قدرت بملايين الدولارات سنويا في العالم. ذلك عدا عن ضحايا القراصنة المتخصصين بجرائم الاغتصاب وترويج المخدرات وخطف الأطفال والتجارة بالبشر. ولكن، لا يسعنا أيضا إلا أن نتهم الحروب والمجاعات والفقر المتفشي في العالم، الذي فجر طاقات البشر السلبية. فمفهوم القرصنة لم يكن مرتبطا بالإنترنت من قبل. بل، ارتبط بالسرقات الناتجة عن حروب بين جماعات وعشائر وملوك وسلاطين وبلدان. ومما يحصل في العالم من حولنا، أصبح بوسعنا التأكد أن الحرب تخلق اللصوص، بكل أشكالهم وأهدافهم، والسلام وحده يشنقهم.



تدعو لـ«محاسبة الأسد»... «مجموعة السبع» مستعدة لدعم الانتقال السياسي في سوريا

موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
TT

تدعو لـ«محاسبة الأسد»... «مجموعة السبع» مستعدة لدعم الانتقال السياسي في سوريا

موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)
موظف يشرف على الأعلام الموضوعة في قمة مجموعة السبع في إيطاليا عام 2017 (رويترز)

أعلن قادة مجموعة الدول السبع الكبرى في بيان، الخميس، إنهم على استعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، وفقاً لوكالة «رويترز».

وذكرت مجموعة السبع أن الانتقال السياسي بعد نهاية الحكم الاستبدادي، الذي دام 24 عاماً لبشار الأسد، يجب أن يضمن «احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

وطالبت المجموعة أيضاً بضرورة «محاسبة نظام الأسد».

وأضاف البيان: «ستعمل مجموعة السبع مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير، وتكون نتاج هذه العملية، وتدعمها بشكل كامل».

كما دعا القادة «كل الأطراف» إلى «الحفاظ على سلامة أراضي سوريا، ووحدتها الوطنية، واحترام استقلالها وسيادتها».