ميركل تختبر قوتها في معقل خصومها الاشتراكيين

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (رويترز)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (رويترز)
TT

ميركل تختبر قوتها في معقل خصومها الاشتراكيين

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (رويترز)
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل (رويترز)

يأمل حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في إلحاق الهزيمة الأحد بالاشتراكيين الديمقراطيين في معقلهم رينانيا شمال فستفاليا، في اقتراع يشكل اختبارا بالغ الأهمية قبل الانتخابات التشريعية التي ستجري في سبتمبر (أيلول).
ويفترض أن ينتخب أكثر من 13 مليون مقترع - أي خمس الناخبين المسجلين في ألمانيا - البرلمان الجديد في هذه المقاطعة التي تضم أكبر عدد من السكان.
وسيشكل فوز المحافظين في الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحتى تقارب في النتائج بين الحزبين، ضربة للاشتراكيين الديمقراطيين وزعيمهم مارتن شولتز، الذي يطمح إلى التفوق على ميركل في انتخابات الخريف وحرمانها بذلك من ولاية رابعة.
وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تعادل الحزبين الكبيرين في المقاطعة، بينما كان الاشتراكيون الديمقراطيون يتقدمون 13 نقطة على المحافظين في 2012.
وبالنسبة إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، هذا الفوز ضروري بعد هزيمتيه في الربيع في مقاطعتي السار وشليسفيغ - هولشتاين. وهزيمة جديدة في معقله التاريخي ستضر بالتأكيد بفرص فوزه في الانتخابات التشريعية العامة، كما ترى وسائل إعلام ومحللون.
وبدا شولتز متفائلا الخميس بتأكيده أمام أنصاره في رينانيا: «أحيانا نربح وأحيانا نخسر وانطباعي أن الأحد سيكون يوما نقول فيه +لقد ربحنا+».
ويمكن لفوز الاشتراكيين الديمقراطيين أن ينعش حملة الرئيس السابق للبرلمان الأوروبي الذي تتقدم عليه ميركل بفارق كبير في استطلاعات الرأي.
وقبل أسابيع فقط كان يسجل تقدما كبيرا، حتى إنه بدا قادرا على التفوق على المستشارة الألمانية. ولخصت مجلة «دير شبيغل» الأسبوعية لوضع بالقول إنه إذا فازت الرئيسة الاشتراكية الديمقراطية لرينانيا هانولوري كرافت: «فإن فرص الحزب الاشتراكي الديمقراطي في استعادة المستشارية ستزداد، وإذا خسرت فهذا سيعني أن قطار شولتز توقف».
وقال الخبير السياسي أوسكار نيدرماير إن «الهزيمة ستشكل كارثة رمزية»، للاشتراكيين الديمقراطيين الذين قد يكون عليهم في هذه الحالة: «دفن الآمال في وصول مارتن شولتز إلى المستشارية».
وأكد فولفغانغ بارتفوردر (67 عاما) رئيس البلدية المحافظ السابق في المقاطعة: «في منطقة يفترض أن يتقدم فيها الحزب الاشتراكي الديمقراطي عشر نقاط على الاتحاد المسيحي الديمقراطي، إذا حققنا تعادلا فإن ذلك سيكون إشارة قوية للانتخابات التشريعية».
وتشكل حصيلة أداء حكومة المقاطعة التي يهيمن عليها الاشتراكيون الديمقراطيون محور جدل. فعلى الصعيد الأمني يشدد الاتحاد المسيحي الديمقراطي على فشل السلطات المحلية في منع حدوث مئات الاعتداءات الجنسية التي تقول الشرطة إن مهاجرين قاموا بارتكابها ليلة رأس السنة 2015 - 2016 في كولونيا.
كما تواجه انتقادات لأنها لم توقف في الوقت المناسب الشاب التونسي أنيس العامري الذي قام باعتداء «متطرف» في برلين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مع أنه كان معروفا من قبل شرطة المنطقة التي عاش فيها.
على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وبينما يشدد شولتز وأنصاره على ضرورة الأنفاق لمساعدة الأكثر فقرا، يتحدث المحافظون عن البطالة التي بلغت نسبتها 7.5 في المائة، أي أعلى من المعدل الوطني بنقطتين ما يجعلها أقرب إلى النسبة المسجلة في مناطق ألمانيا الشرقية السابقة التي تواجه صعوبات اقتصادية.
وقالت ميركل خلال حملتها في المنطقة في الأسبوع الماضي إن «الحديث عن العدالة الاجتماعية لا يكفي».
وأضافت أن «العدالة الاجتماعية تتحقق بإحداث مزيد من الوظائف وبميزانية متينة». وأخيرا، سيتابع المراقبون النتائج التي سيحققها شعبويو حزب البديل من أجل ألمانيا بينما يسجل تراجعا على المستوى الوطني بسبب خلافات داخلية. وعلى الرغم من ذلك يتوقع أن يدخل إلى البرلمان الثالث عشر من أصل 16 مجلسا في البلاد، وهذا ما يثير الأمل لديه في شغل مقاعد في مجلس النواب الألماني (بوندستاغ) في الخريف.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟