سيول تعد بفتح صفحة جديدة مع الجارة الشمالية المتمردة

تنصيب مون جاي - إن رئيسا لكوريا الجنوبية يشير إلى فتح صفحة جديدة حيال الملف النووي لكوريا الشمالية والصين. الواضح من تصريحاته التي أطلقها أمس ربما سيكون مون أكثر انفتاحا على الجارة المتمردة ضد الإجماع الدولي، إلا أن ذلك قد يثير غضب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ويثلج قلب بكين. وبعد أن دعا خلال حملته الانتخابية إلى استئناف الحوار مع الجارة الشمالية، سارع الرئيس الجديد مباشرة بعد تنصيبه أمس الأربعاء إلى تأكيد استعداده لزيارة الشمال «في حال توافرت الشروط». الرئيس مون خاطب أنصاره قائلا: «سأقوم ببناء دولة جديدة، وسوف أجعل كوريا عظيمة، كوريا نفخر بها، وسأكون الرئيس الفخور بهذه الدولة الفخورة». وأضاف مون بعد دقائق من تنصيبه أنه مستعد لزيارة كوريا الشمالية.
ووصل مون إلى السلطة في وقت يشتد فيه التوتر مع بيونغ يانغ التي تمضي قدما في برامجها النووية والصاروخية في تحد للضغوط الأميركية وعقوبات الأمم المتحدة.
وصوله إلى السلطة يمكن أن يعوق الحزم الذي يبديه الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه كوريا الشمالية لأنّ مون يدعو إلى الحوار والمصالحة مع الجارة الشيوعية لتهدئة الوضع وإعادة بيونغ يانغ إلى طاولة المفاوضات.
وقال مون المحامي السابق القادم من الحزب الديمقراطي (يسار الوسط) بعد أدائه القسم «إذا احتاج الأمر فسأتوجه على الفور إلى واشنطن». وأضاف: «سأتوجه إلى بكين وطوكيو أيضا وحتى إلى بيونغ يانغ إذا توافرت الظروف»، مضيفا أنه سيجري «مفاوضات جدية» مع الولايات المتحدة والصين بشأن نشر الدرع الأميركية المضادة للصواريخ «ثاد». ويثير نشر هذه المنظومة في كوريا الجنوبية غضب الصين التي تعتبره تهديدا لقدرات الردع التي تملكها وللأمن الإقليمي.
وقد دعا مون لإحياء بعض المشاريع بين الكوريتين، وضمنها المنطقة الصناعية كايسونغ حيث توظف شركات الجنوب عمالا من الشمال. إلا أن خبراء حذروا من أن هامش المناورة لديه سيكون محدودا. وقال روبرت كيلي، من الجامعة الوطنية في بوسان، في تصريحات للوكالة الفرنسية إن سياسة سيول إزاء الشمال ستتغير «بشكل كبير» مضيفا: «لكن ليس بقدر ما يتمناه كثير من اليساريين في كوريا الجنوبية ومون ذاته».
وتابع كيلي أنه إذا كان مون يسعى إلى تحقيق انفراج مع بيونغ يانغ: «فإنه سيكون على مسار تصادمي مع حكومة الولايات المتحدة، حيث الإجماع قوي على اعتبار أن كوريا الشمالية تشكل تهديدا عالميا حقيقيا».
وبعد فوزه انهالت على مون التهاني من واشنطن وبكين. وجاء في بيان التهنئة للبيت الأبيض «نتطلع إلى العمل مع الرئيس المنتخب مون ومواصلة تعزيز التحالف بين الولايات المتحدة وجمهورية كوريا وتعميق الصداقة والشراكة الدائمتين بين بلدينا». وأجرى مون أول اتصال هاتفي مع ترمب أمس الأربعاء، حسب وكالة كوريا الجنوبية. وهنأ بدوره الرئيس الصيني شي جينبينغ الأربعاء الرئيس مون، متعهدا «تعزيز الثقة المتبادلة ومعالجة الخلافات بشكل سليم».
وقال الرئيس الصيني: «أتمنى العمل معكم بحيث يصبّ تطور العلاقات بين الصين وكوريا الجنوبية في مصلحة البلدين والشعبين»، بحسب ما نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة.
وفي رسالة التهنئة، أكد شي أنه يولي «أهمية كبرى للعلاقات» مع سيول. والبلدان اللذان كانا خصمين خلال الحرب الكورية (1950 - 1953) يقيمان علاقات دبلوماسية منذ 25 عاما فقط. وأثار نشر الدرع الأميركية المضادة للصواريخ (ثاد) في كوريا الجنوبية لمواجهة التهديدات القادمة من الشمال غضب بكين. واتخذت بكين أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية إجراءات ضد الشركات الكورية الجنوبية اعتبرتها سيول تدابير انتقامية اقتصادية. وكان قد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه على سيول دفع نفقات نشر الدرع الصاروخية التي تبلغ مليار دولار وهذا ما أثار استياء كوريا الجنوبية. وذكر متحدث باسم رئاسة الأركان في كوريا الجنوبية أمس الأربعاء أن الرئيس مون تحدث هاتفيا مع رئيس أركان الجيش لي سون - جين وبحث معه الأحداث المتعلقة بكوريا الشمالية. ونقلت وكالة يونهاب الكورية الجنوبية للأنباء في وقت سابق عن لي قوله لمون إن الجيش الكوري الجنوبي مستعد للتحرك في أي لحظة إذا «قام العدو باستفزازات».
ومن ناحية أخرى ذكرت وكالة يونهاب الجنوبية أن مون عين لي ناك - يون حاكم إقليم جيولا رئيسا للوزراء على أن يتم الإعلان عن ذلك في وقت لاحق. وقال متحدث باسم مون إنه ليس لديه علم بتفاصيل من هذا القبيل ورفض الإدلاء بمزيد من التعليقات.
داخليا، يواجه مون تحديات كثيرة على رأسها عواقب فضيحة الفساد المدوية التي كلفت الرئيسة السابقة بارك غيون - هي منصبها. وهو يرث بعد فوزه المريح في الانتخابات الرئاسية المبكرة بلدا منقسما بعمق. وقال مون، في تصريحات أوردتها الوكالة الفرنسية من سيول «سأكون رئيسا لكل الكوريين الجنوبيين»، واعدا «بخدمة حتى الذين لا يؤيدونني». وأضاف: «سأكون رئيسا قريبا من الشعب».
وفاز مون بالرئاسة بعد فضيحة فساد في البلاد مثيرة للجدل أدت إلى إقالة الرئيسة السابقة. وبعد حملة هيمنت عليها قضيتا البطالة وتباطؤ النمو، فاز مون بـ41.1 في المائة من الأصوات أي بأصوات 13.4 مليون ناخب، بفارق كبير عن خصمه القادم من حزب الرئيسة المقالة الوسطى آن شيول - سو (21.4 في المائة). وقبيل مراسم التنصيب، التقى الرئيس الجديد نواب الحزب المحافظ «حرية كوريا» المؤيدين لخط متشدد مع كوريا الشمالية والذين اتهموه مرات عدة بأنه «سيسلم البلاد بأكملها إلى كوريا الشمالية بعد انتخابه».
وقال الرئيس الجديد لهؤلاء النواب: «أريد أن أظهر لشعبنا أننا نتقدم معا»، مؤكدا أنه سيطلب آراءهم في القضايا المتعلقة بالأمن القومي. وأضاف: «أرجوكم أن تتعاونوا». ولم تشهد شبه الجزيرة الكورية توترا إلى هذا الحد من قبل، وقد أجرت كوريا الشمالية في 2016 تجربتين نوويتين وعددا من التجارب الصاروخية. وكررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الأشهر الأخيرة أن الخيار العسكري مطروح، ما أدى إلى تصاعد التوتر، قبل أن يعلن ترمب أن لقاء مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ - أون «سيشرفه».