التباين القانوني والسياسي بتفسير نصاب الجلسة يضاعف معوقات انتخاب الرئيس اللبناني

خبير دستوري عدّ التذرع بحضور الثلثين «تعطيل متعمد»

التباين القانوني والسياسي بتفسير نصاب الجلسة يضاعف معوقات انتخاب الرئيس اللبناني
TT

التباين القانوني والسياسي بتفسير نصاب الجلسة يضاعف معوقات انتخاب الرئيس اللبناني

التباين القانوني والسياسي بتفسير نصاب الجلسة يضاعف معوقات انتخاب الرئيس اللبناني

يثير النصاب القانوني لانعقاد الجلسات التالية للجلسة الأولى لانتخاب رئيس جديد للبنان سجالا حادا على المستويين السياسي والقانوني، إذ تختلف تفسيرات المادة الدستورية التي تحدد الأكثرية المطلوبة لانعقاد الجلسة أولا ولانتخاب الرئيس ثانيا.
وتفيد المادة 49 من الدستور اللبناني بأن رئيس الجمهورية «ينتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي». ويتمحور السجال القانوني والسياسي حول مضمون هذه المادة تحديدا، إذ ينطلق منها رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري للقول إنه لا يمكن لجلسة انتخاب الرئيس أن تنعقد إلا بحضور 86 نائبا، أي غالبية الثلثين من أعضاء المجلس النيابي، على أن ينتخب الرئيس بأكثرية الثلثين في دورة الانتخاب الأولى وبالنصف زائد واحد في دورات الانتخاب التي تلي.
ومع إصرار بري على هذا التفسير، وفي ظل مقاطعة نواب حزب الله وكتلة النائب ميشال عون، يبدو أن تأمين النصاب القانوني لانعقاد أي جلسة سيبقى متعذرا ما لم يتوافق الأفرقاء اللبنانيين على مرشح مشترك، ما يعني بالتالي شغور موقع الرئاسة إلى أجل غير مسمى. ويدفع هذا الواقع بعض القوى السياسية والمراجع الدستورية إلى التأكيد على أنه لا يمكن استمرار التذرع بنصاب الثلثين، غير المحدد في الدستور، من أجل «نسف» الاستحقاق الرئاسي نظرا لرغبة فريق سياسي في إيصال مرشحه للرئاسة. وفي هذا السياق، يوضح الخبير الدستوري والوزير السابق إدمون رزق في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن «الدستور لم يحدد نصابا خاصا لانعقاد جلسة انتخاب الرئيس وإنما اشترط أكثرية الثلثين في دورة الانتخاب الأولى لانتخاب الرئيس مقابل أكثرية مطلقة من أعضاء البرلمان، أي 65 صوتا، لانتخاب الرئيس في دورات الانتخاب التي تلي». ويستنتج أنه «ليس هناك أي نصاب مطلوب بالتالي لانعقاد دورات الانتخاب التالية للدورة الأولى».
ويشدد رزق على أنه «باستثناء اشتراط أكثرية الثلثين لانعقاد جلسة الانتخاب الأولى، فإن النصاب العادي أي 65 صوتا هو المعمول به». ويشرح رزق قائلا: «إذا حضر 65 نائبا إلى جلسة عادية وطرح قانون ما للتصويت، يمكن التشريع بأكثرية الموجودين، أي إذا صوت 33 نائبا لصالحه»، مستنتجا أن «اشتراط النصف زائد واحد في الدورات التالية لدورة الانتخاب الأولى يحتّم أن يحصل المرشح على 65 صوتا، أي أنه يمكن انعقاد الجلسة بحضور 65 نائبا».
وفي سياق متصل، يرفض المرجع القانوني والدستوري الدكتور حسن الرفاعي، وهو أيضا نائب ووزير سابق: «التمسك بنصاب الثلثين في الدورة الثانية وما بعدها»، ويعد أن «المفروض، وفقا للمادة 49 وما استقر عليه العرف في الدول الديمقراطية والفقه، أن يلتئم مجلس النواب بكامل أعضائه وخاصة عند انتخاب الرئيس». ويوضح الرفاعي، في حديث تلفزيوني قبل يومين، أنه «على الطريقة اللبنانية ذكرت المادة 49 الثلثين لنجاح المرشح في الدورة الأولى وإن لم يتوافر الثلثان ففي الجلسات التالية يكون النجاح على أساس النصف زائد واحد».
وفي موازاة دعوة الرفاعي إلى عقد جلسات متتالية للبرلمان حتى انتخاب رئيس جديد، يشدّد رزق في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» على أن «المفروض أن يعقد البرلمان جلسات متلاحقة في حال لم يحصل أي مرشح على أكثرية الثلثين في دورة الانتخاب الأولى»، مصرا على أن «النصاب القانوني كان متوافرا في الجلستين الأخيرتين، الثانية والثالثة، مع حضور 75 و67 نائبا تباعا، ولا يجوز بالتالي الاجتهاد عند وجود النصاب».
وتنص المادة 73 من الدستور اللبناني على أنه «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر، يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكما في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس». وبما أن ولاية الرئيس الحالي ميشال سليمان تنتهي في 25 مايو (أيار) الحالي، فإن المجلس النيابي يصبح حكما ملتئما انطلاقا من 15 مايو الحالي، أي قبل 10 أيام.
ويقول رزق في هذا الإطار إنه «كان يفترض بالبرلمان أن يعقد جلسات انتخاب متتالية بعد فشل الدورة الأولى بانتخاب رئيس، انطلاقا من أنه بدءا من دورة الانتخاب الثانية لا يتوفر أي نص دستوري حول وجوب توفر النصاب، سوى الأكثرية المطلوبة للفوز»، معدا أنه «يجب أن تستمر الدورات إلى ما لا نهاية حتى انتخاب الرئيس، وكل ما عدا ذلك يعد بمثابة تعطيل متعمد للمؤسسات وتعديل للدستور خلافا للأصول المتبعة». ويرى رزق أنه في حال لم يدخل الرئيس بري إلى قاعة المجلس النيابي لافتتاح جلسة الانتخاب، مع بدء الأيام العشرة الأخيرة قبل انتهاء ولاية سليمان والتي يتحول فيها البرلمان إلى هيئة ناخبة: «يمكن لنائب رئيس البرلمان (فريد مكاري) أو أكبر الأعضاء سنا (النائب في كتلة بري عبد اللطيف الزين) أن يترأس جلسة الانتخاب، على أن يبقى النواب داخل القاعة حتى انتخاب الرئيس».
هذا، وكان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أحد المرشحين للرئاسة اللبنانية، قد وصف ما جرى في الجلسة الثالثة بـ«الانقلاب الكامل على دستورنا وتقاليدنا البرلمانية وتاريخنا السياسي»، مستشهدا بمحطات تاريخية استثنائية شهدها مجلس النواب في العامين 1958 و1970 لانتخاب رئيس للجمهورية رغم الانقسام الذي كان حاصلا حينها، وكان أشد حدة من الوقت الراهن، ولكن لم يتم تعطيل النصاب بل مارس النواب واجبهم الوطني بكل ديمقراطية».
وفي السياق ذاته، اتهم ايلي كيروز، النائب في كتلة القوات، الرئيس بري وهيئة مكتب المجلس بـ«حسم النقاش الدستوري الدائر حول مسألة النصاب في الدورة الثانية، من دون العودة إلى المجلس النيابي»، فيما عده «مخالفة للرأي الغالب من الوجهة الدستورية لأهل العلم والاجتهاد وهو الرأي القائل بالأكثرية المطلقة الكافية لانتخاب الرئيس في دورات الاقتراع التي تلي بحسب نص المادة 49 من الدستور اللبناني».
واستعرض كيروز بعض الآراء الدستورية في هذا السياق، فنقل عن المرجع الدستوري الراحل الدكتور إدمون رباط قوله إن «المادة 49 من الدستور فرضت صراحة نصابا خاصا لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، غير أنه لم يذكر أن النصاب في الدورة الثانية يجب أن يكون بغالبية الثلثين من أعضاء المجلس النيابي». كما نقل عن الخبير الأكاديمي الدكتور زهير شكر أشارته إلى أن «الرأي القائل بالأكثرية المطلقة في الدورة الثانية هو الأقرب إلى التفسير القانوني السليم للنص الدستوري بما يضمن تأمين انتخاب رئيس للجمهورية واستمرارية المؤسسة الدستورية».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.