إرهاب ميليشيات إيران و«داعش» وتأثيراته على المصالح الخليجية

«القاعدة» استغلت الوضع الفوضوي الانقلابي للتوسع في اليمن

إرهاب ميليشيات إيران و«داعش» وتأثيراته على المصالح الخليجية
TT

إرهاب ميليشيات إيران و«داعش» وتأثيراته على المصالح الخليجية

إرهاب ميليشيات إيران و«داعش» وتأثيراته على المصالح الخليجية

يمثل تنامي الإرهاب بأشكاله التنظيمية والفكرية واحدا من التهديدات المباشرة للأمن الإنساني في زمن العولمة. ذلك أن الحرب والنزاعات التقليدية، والفقر، وانتشار الاتجار الدولي بالمخدرات والبشر والسلاح؛ أصبحت نسقا ومصدرا للأخطار التي تمس الأمن الجماعي والاستقرار الاجتماعي والسلام السياسي العالمي. ولم يعد الإرهاب لوحده ظاهرة تشكل مأزقا جديدا للدولة الحديثة والمجتمع الدولي، بل أصبح العجز عن وقف وتيرة انتشارها، وما يعنيه ذلك من توسع دائرة الحروب، يفرض بناء تعاملات تعاونية وتشاركية تتجاوز ما هو معمول به حاليا من داخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
ذلك أن الإرهاب عبر مسيرته وخبرته منذ 11-9 – 2001 استطاع التكيف مع تناقضات السياسات والمصالح الدولية لدرجة يمكن القول إنه فرض نفسه باعتباره فاعلا حقق «اندماجا» متواصلا في المنظومة الدولية، باعتباره مهددا للسلم العالمي وفي الوقت نفسه، مرتكزا جديدا لبناء التحالفات الدولية. وما نشهده اليوم في اليمن، والعراق ولبنان وسوريا وليبيا دليل ساطع على ذلك.
في السياق نفسه يمكن القول إن الإرهاب بتشكلاته التنظيمية الميليشياوية، وتمظهراته الدولية؛ بدأ يحتل مساحات واسعة في تشكيل التحالفات الإقليمية والأممية، كما أنه أدخل الدول العربية في عصر الميليشيات العابرة للقارات. وظهرت «فصائل شيعية مسلحة شكلتها ودعمتها إيران، باعتبارها فاعلا يتجاوز الدولة، ويعمل وفق رؤية موحدة تخدم تغير التوازنات الإقليمية بالشرق الأوسط. صحيح أن هناك تحالفا دوليا ضد الإرهاب، لعبت كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية دورا بارزا في ولادته منذ 2014؛ وأنه تحقق نوع من التقدم في مواجهة الإرهاب الداعشي تحديدا. غير أن نتائج التحالف ووجهت على الأرض بصعوبات جمة لا تتعلق، فقط بالزخم الآيديولوجي، والتوسع الاستقطابي الذي اكتسبه تنظيم داعش، ودولته المزعومة على أرض سوريا والعراق من جهة؛ وإنما كذلك من جهة استغلال جماعة «القاعدة» للوضع الفوضوي الانقلابي للتوسع في اليمن، جراء ما أنتجته السيطرة العسكرية الحوثية على السلطة والعاصمة صنعاء.
من جهة ثالثة، وجب الأخذ بعين الاعتبار، كون السياسة الدولية الحالية تعيش وضعا يجسد فارقا بين الإحساس بالخطر، والقدرة الفعالة على مواجهة منابع الإرهاب العالمي بالشرق الأوسط. وتجسد الحالة التركية مع كل من «داعش»، وحزب العمال الكردستاني هذه الحالة اللاتوازنية؛ فأنقرة تعيش التهديد، وارتباط القدرة والحرية في المواجهة مع الجماعات الإرهابية، بالمس بالمصالح الروسية والأميركية والإيرانية، بالعراق وسوريا.
كذلك، تجدر الإشارة إلى أن تضارب المصالح الاستراتيجية، في المنظومة الدولية بالشرق الأوسط، يزيد من إمكانية المس بالأمن القومي للدول العربية؛ وخاصة الدول الخليجية، التي تستهدفها، طهران، والميليشيات الطائفية باليمن والعراق. ورغم أن «عاصفة الحزم» منذ مارس (آذار) 2015، تشكل وعيا بهذا الوضع القائم، وتحولا جذريا في التعامل الخليجي مع التهديدات الخارجية، وتفتح أفقا واسعا لبناء عقيدة وتكامل عسكري خليجي؛ فإن دول مجلس التعاون في حاجة عاجلة لتكوين قوات خليجية للردع، يكون من مهامها التدخل السريع لمواجهة التنظيمات الإرهابية والدفاع المشترك، وتحقيق التوازن الاستراتيجي مع طهران.
ذلك أن الزمن الدولي الحالي إقليميا، متأثر برؤية الحرس الثوري لموقع إيران المستقبل في الخريطة الجيوسياسية الدولية، وهو يستفيد من حالة التطييف العقدي للظاهرة الإرهابية التي تمارسها «داعش» و«القاعدة»، من جهة، والميليشيات الشيعية العابرة للحدود من جهة ثانية. وغير خفي أن هذه الحالة الآيديولوجية أصبحت واحدة من العوامل الأساسية التي لم تعد تهدد الأمن الإنساني وحسب، وإنما تمنح الجماعات الإرهابية عمرا أطول، وانتشارا آيديولوجيا أوسع، وقدرة تنظيمية على إعادة التموقع الجغرافي والانبعاث الذاتي.
* تناقضات المواجهة بالعراق
في هذا السياق، علينا أن نتذكر أن عقيدة المصالح الاستراتيجية الأميركية، اقتضت مع إدارة بوش الابن حث المنتظم الدولي على غزو العراق والإطاحة بالديكتاتور صدام حسين. لكن الغزو الأميركي للعراق فتح مجالا جديدا لانتعاش الإرهاب منذ 2003؛ ومنح إيران فرصة ذهبية للعبث بمستقبل المنطقة وإخضاعها لمصالحها الطائفية والسياسية والاقتصادية، من خلال هيمنتها على العراق، وبناء «شبكة عالمية للتوسع الشيعي»، تتجاوز الدور التقليدي لـ«حزب الله» اللبناني الموالي لطهران.
لقد ساعد هذا المناخ تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» آنذاك على حشد الأنصار في الأنبار، وظهرت الفلوجة باعتبارها مركزا لمقاومة الاحتلال. ولقسوة المواجهة لجأت السياسة الأميركية إلى تشكيل «الصحوات»، وخاضت هذه الأخيرة مواجهات دامية مع الإرهاب، اختلط فيها العشائري بالعقدي والوطني، وتم إلحاق الهزيمة بـ«القاعدة». غير أن هذه الهزيمة سرعان ما تحولت مع «التحالف الموضوعي» لطهران وواشنطن بالعراق، إلى انبعاث جديد ومتوحش للظاهرة الإرهابية، باسم «دولة الخلافة» المزعومة.
فقد استطاع التنظيم، خلق نخبة عسكرية جديدة، كانت جزءا منه أو تدربت على يديه، واصلت ربط التنظيم بالجماعة الأم، وفي الوقت نفسه تحقيق التجدد بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي منتصف 2006؛ والانتقال إلى البراءة من تنظيم أيمن الظواهري في مرحلة لاحقة. أكثر من ذلك، تطور التشكيل الجماعاتي للإرهاب، وأدخل جيل أبو بكر البغدادي المنطقة في دائرة مظلمة سميت «إدارة التوحش». وتم من خلالها تسريع السيطرة على الأرض، وتكوين ما زعم أنها «دولة الخلافة» في الشرق الأوسط، واستقطبت بشكل مثير الجيل الثالث من شباب المسلمين بأوروبا وآسيا وأفريقيا.
غير أن ما يجب أخذه في الحسبان أن تطورات التنظيم الإرهابي الجديد منذ 2012، لم تكن بعيدة عن حسابات أميركا وإيران بالعراق وسوريا. فقد عرفت هذه المرحلة تسريعا للمفاوضات السرية حول البرنامج النووي الإيراني، كما عرفت تبادلا للرسائل السرية بين الولي الفقيه علي خامئني والرئيس باراك أوباما. وبينما تبنى هذا الأخير ما سمي سياسة «الصبر الاستراتيجي» في مواجهة توسع «داعش» في العراق وسوريا، وغض الطرف عن حقيقة الدور الإيراني بالمنطقة؛ عملت طهران على توسيع نفوذها في هاتين الدولتين، ولعبت وحدات «الباسيج» دورا كبيرا في تفريخ عشرات الميليشيات، كلها تدور في الفلك الإيراني وتدافع عن مصالح طهران الاستراتيجية بالمنطقة.
في ظل هذا الوضع الذي عرف ظهور بيئة جديدة للإرهاب؛ تمكنت إيران وميليشياتها بزعامة «فيلق بدر» الذي تشكل في الأصل بزعامة محمد باقر الحكيم، بفتوى من طهران، وضم خليطاً من الهاربين من الجيش العراقي وأسرى الحرب العراقية الإيرانية الموالين لنظام طهران. ولم يكن غريبا أن يتدخل الحرس الثوري بشكل مباشر في العراق، مستغلا الجو الدولي العدائي لنظام صدام حسين، باعتباره - يومذاك - الراعي الأول للإرهاب العالمي.
وكانت السياسة الإيرانية ومصالحها الاستراتيجية تقتضي مشاركة «فيلق بدر» في احتلال العراق وإسقاط نظام صدام سنة 2003. وباسم محاربة الإرهاب، عمل الحرس الثوري الإيراني على تنزيل سياسة بعيدة المدى، وتتلخص في إعادة بناء دولة عراقية طائفية، تسيطر عليها ميليشيات وكتل سياسية، ترتبط عقديا وآيديولوجيا وعسكريا بالحرس الثوري والولي الفقيه.
ووصل الأمر مع بزوغ نجم «داعش» سنة 2014 حد إصدار آية الله علي السيستاني المرجع الشيعي الأعلى بالعراق لفتوى سميت «الجهاد الكفائي» وقيل إنها لمواجهة التنظيم الإرهابي، الذي بسط سيطرته على مناطق شاسعة من العراق وسوريا. غير أن حقيقة سياسة الحرس الثوري داخل العراق، وأهداف الفتوى الدينية لا تنحصر في محاربة تنظيم البغدادي؛ وإنما تكريس وضع مؤسساتي جديد تكون فيه الدولة العراقية، جزءا لا يتجزأ من النظام الإقليمي الذي تقوده إيران، في مرحلة ما بعد «داعش».
* استراتيجية جديدة ضد الإرهاب
إن التراجع الكبير الذي عرفته «خلافة البغدادي» في سنتي 2015- 2016، والذي تحول لتراجع كبير في النصف الأول من 2017، واكبته تحولات مهمة تتعلق بالمصالح الاستراتيجية الخليجية، والروسية والإيرانية والتركية، في العراق وسوريا، رغم التنسيق القائم فيما يخص مواجهة الجماعات الإرهابية. فقد تبين أن الإدارة الأميركية الجديدة ترعى مصالحها الذاتية بالمنطقة، وتخفف من وجودها العسكري بالشرق الأوسط مع توجهها شرقا نحو آسيا وبحر الصين؛ مع مراعاة المصالح الروسية بالمنطقة.
وإذا أضفنا لهذا تداعيات المصالحة التركية الروسية، وما أفرزته من تناقضات وتنسيق ثنائي داخل سوريا لمواجهة «داعش»؛ يتبين أن تراجع «دولة الخلافة» المزعومة، يصاحبه فتور في علاقة طهران بموسكو وتوترات مع واشنطن. وهذه الحالة الدولية الجديدة تحتم على مجلس التعاون الخليجي، توحيد جهوده الدبلوماسية، والتعامل بذكاء مع السياسة الاستراتيجية الجديدة لدونالد ترمب والتي تمنح الأولوية للقضاء على «داعش» و«القاعدة» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية. كما تسعى في الوقت نفسه لتجاوز الاحتراب الطائفي السني الشيعي، مع محاصرة ومراقبة صارمة للسياسة الإيرانية والميليشيات الشيعية التي تمثل درع إيران الإقليمية.
فالاستراتيجية الجديدة في حاجة أكيدة لروسيا، التي لم تعد تبتعد كثيرا عن الأولويات، وإذا استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية، خلق تشابك جديد للمصالح على الأرض بينها وبين روسيا وتركيا، فإننا سنكون حتما أمام وضع ينهي استغلال إيران لورقة الإرهاب، لخلق تحالفات غير تقليدية، ويضعف من قدرة «الحرس الثوري»، في خلق مزيد من الفوضى الميليشياوية بالشرق الأوسط، والمس بالأمن الإقليمي الخليجي.

* أستاذ زائر للعلوم السياسية جامعة محمد الخامس.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».