الحكومة الجزائرية تحمل الإعلام الجديد مسؤولية العزوف عن انتخابات البرلمان

صورة لفيديو «مانسوطيش» الذي انتشر على «يوتيوب»
صورة لفيديو «مانسوطيش» الذي انتشر على «يوتيوب»
TT

الحكومة الجزائرية تحمل الإعلام الجديد مسؤولية العزوف عن انتخابات البرلمان

صورة لفيديو «مانسوطيش» الذي انتشر على «يوتيوب»
صورة لفيديو «مانسوطيش» الذي انتشر على «يوتيوب»

أبدت الحكومة الجزائرية استياء بالغاً من نشاط مدونين بالفيديو، لعبوا دوراً كبيراً في تشجيع الجزائريين على العزوف عن انتخابات البرلمان التي جرت الخميس الماضي، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يعرف بـ«الإعلام الجديد» (نيوميديا). أما الإعلام «التقليدي»، فقد انقسم إلى صحف وفضائيات خاصة تعاملت مع الاستحقاق ببرودة، وصحف حكومية واكبت حملة لرئيس الوزراء عبد المالك سلال، أطلقها في الميدان لحث الناخبين على صم آذانهم عن خطاب قطاع من المعارضة دعا إلى مقاطعة صناديق الاقتراع.
ويلقى شريط فيديو انتشر على «يوتيوب»، مدته 4 دقائق، وعنوانه «مانسوطيش»، رواجاً منقطع النظير منذ أسبوعين بسبب محاكاته واقع غالبية الجزائريين، ونظرتهم إلى الانتخابات والمترشحين لها. الفيديو من إنتاج الشاب الناشط المعروف شمس الدين العمراني، وكلمة «مانسوطيش»، جاءت على وزن «مانفوطيش» بالعامية الجزائرية، أي: أرفض أن أنتخب. وقد حقق هذا العمل أكثر من 4 ملايين مشاهدة منذ الأيام الأولى لبثه.
ويؤدي العمراني في الفيديو دور المواطن المحروم من أبسط حقوقه، كالشغل والسكن، مندداً بالحكومة التي لا تفعل شيئاً من أجل تلبية هذه الحقوق، ولكنها تلح عليه من أجل أن ينتخب، على أساس أن ذلك واجب، وينبغي أن يقوم به. وعلى هذا الأساس، يحث العمراني الجزائريين على مقاطعة الانتخابات، نكاية في الحكومة والبرلمانيين الجدد. والظاهر، بحسب مراقبين، أن «مانسوطيش» فعلت فعلتها، وكان لها أثر في غياب أكثر من 15 مليون جزائري عن الموعد. فمن ضمن 23 مليون مسجل في اللائحة الانتخابية، أدلى 8 ملايين بأصواتهم فقط. ومن ضمن هذا العدد مليونان وضعوا ورقة بيضاء في الصندوق.
وتسبب فيديو آخر بـ«يوتيوب» في غضب الحكومة، لأنه حرض على مقاطعة الانتخابات أيضاً: «رسالة إلى البرلمانيين»، وهو عمل مصور لشاب مشهور أيضاً، يستنبط معاني من فيلم «الرسالة» الشهير، في قالب هزلي ينقل صراعاً بين قبيلة ترمز إلى الحكومة التي تريد شراء الأصوات بالمال، وقبيلة أخرى يتزعمها «ابن تينا» (مدون فيديو أنس تينا) ترفض الانتخابات، وتقدح في المجلس الشعبي الوطني (الغرفة البرلمانية الأولى) وأعضائه.
وهاجم وزير الداخلية نور الدين بدوي، ووزير الشؤون الدينية محمد عيسى، الإنتاجين اللذين تم تصميمهما بشكل محترف، رغم بساطة الإمكانيات. وتحدث عيسى عن «وجود أطراف معادية لمصالح الجزائر» تقف - حسبه - وراء العمراني وتينا.
وبشأن الإعلام الخاص، فقد منع وزير الاتصال حميد قرين أكثر من 35 فضائية خاصة من النزول إلى الميدان لتغطية الانتخابات، بذريعة أنها لا تملك ترخيصاً. وتم السماح بذلك لـ5 تلفزيونات فقط، واشترطت عليها الحكومة الامتناع عن نقل خطاب الأحزاب والشخصيات التي دعت إلى العزوف عن الانتخابات. وتقيدت هذه الفضائيات بالشرط خوفاً من سحب الترخيص منها. ويوجد فضائية حكومية واحدة تملك إمكانيات مادية وبشرية كبيرة، تم تسخيرها كلها في اتجاه التشجيع على الانتخاب. ومع ذلك، فشلت السلطات في المسعى.
أما الصحف الخاصة، وأهمها «الوطن» الفرنكفونية و«الخبر» المعربة، فقد كانتا بمثابة القناة الوحيدة الناقلة لنداء مقاطعة الاستحقاق، وكانتا تنقلان أيضاً دعوات الحكومة إلى الانتخاب بكثافة، ولكن بلمسة نقدية. وهما صحيفتان محسوبتان على تيار المعارضة العلمانية، وتتعرضان لضغوط مالية شديدة، مصدرها الحكومة.
وعلى عكس هاتين الصحيفتين، انخرطت الصحف العمومية «النصر» و«الشعب» و«المجاهد» و«الجمهورية» في خطة الحكومة في الانتخابات، لكن ضعف مقروئية هذه الصحف حال دون تنفيذ إرادة الحكومة، إذ عجزت عن إيصال صوت المسؤولين إلى الجزائريين.
يشار إلى أن السلطات رفضت منح التأشيرة لعشرات الصحافيين الأجانب، خصوصاً الفرنسيين، ممن أظهروا رغبة في تغطية الحدث الانتخابي. ولا يعرف سبب هذا الموقف الغريب من طرف الحكومة الجزائرية.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.