بعد الولايات المتحدة... كابوس قرصنة الانتخابات يؤرق أوروبا

يصوِّت الفرنسيون اليوم (الأحد)، لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس المنتهية ولايته فرنسوا هولاند، وذلك في الدورة الثانية التي يتنافس فيها مرشح الوسط إيمانويل ماكرون الأوفر حظا بحسب استطلاعات الرأي، ومرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتشددة مارين لوبان.
لكن قبل أقل من 48 ساعة من فتح مراكز الاقتراع أمام الناخبين، تعرضت حملة ماكرون المرشح لقرصنة رسائلها الإلكترونية، وتم نشر كمية كبيرة من الوثائق تقول الحملة إنها «خليط من أوراق حقيقية ومزيفة».
وفي محاولة منها للسيطرة على سير الانتخابات من دون تأثر بالتسريبات، حذرت السلطات الفرنسية وسائل الإعلام والجمهور من نشر وتداول أي تفاصيل بشأن القرصنة أو المعلومات المسربة، ومن يقع في ذلك يتعرض للمسائلة الجنائية.
وأعادت التسريبات إلى الأذهان ما حدث في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، والتي فاز بها الرئيس دونالد ترمب في مواجهة هيلاري كلينتون، حينما تم قرصنة الرسائل الإلكترونية للحزب الديمقراطي، وتردد أن قراصنة روس يقفون وراءها.
ومع ذلك لا تزال الجهة أو الأشخاص الذين قاموا بقرصنة حملة ماكرون غير معروفين، فلم تتهم الحملة جهة معينة، مشيرة إلى أن الاختراق يهدف إفساد وإضعاف الحملة والديمقراطية في فرنسا، بحسب موقع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».
وأكد هولاند مساء أمس (السبت) أن عملية القرصنة هذه «لن تمر بلا رد». وأضاف: «كنا نعرف أن هناك مخاطر من هذا النوع خلال الحملة الرئاسية، بما أن هذا حدث في أماكن أخرى».
وأوصت الهيئة الوطنية لمراقبة الحملة الرئاسية وسائل الإعلام «بالبرهنة على روح المسؤولية وعدم تناقل مضمون هذه الوثائق حتى لا تضر بجدية الاقتراع».
وأضافت أن «نشر أو إعادة نشر مثل هذه البيانات التي تم الحصول عليها بشكل غير شرعي، والتي من المرجح أن تكون أضيفت إليها وثائق مزورة، يؤدي إلى التعرض للملاحقة القضائية».

معلومات حاول الإعلام طمسها

وفور نشرها على موقع «تويتر» للرسائل القصيرة، تناقل اليمين هذه الوثائق.
وصرح فلوريان فيليبو، نائب رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، عبر موقع «تويتر»، إلى أن التسريبات قد تتضمن معلومات حاولت وسائل الإعلام طمسها.
وأفاد موقع «ويكيليكس» الذي أعاد نشر التسريبات بأنه في المجمل «هناك آلاف الرسائل الإلكترونية والصور والوثائق المرتبطة بها، يعود آخرها إلى 24 أبريل (نيسان)» أي غداة الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية.
وأكد الموقع الذي أدرج رابطا يؤدي إلى هذه الوثائق، أنه لا يقف وراء هذه العملية التي باتت تحمل اسم «ماكرونليكس».
وأكد حزب ماكرون «إلى الأمام»، في بيان، أن الوثائق التي تمت قرصنتها رسائل إلكترونية «أو وثائق مالية» وكلها «شرعية» لكن أضيفت إليها «وثائق مزورة لإثارة الشكوك والتضليل».

مفاجأة جديدة

ورجحت استطلاعات الرأي الأخيرة قبل بدء الاقتراع، فوز ماكرون (39 عاما) المصرفي السابق ووزير الاقتصاد السابق في عهد الرئيس المنتهية ولايته فرنسوا هولاند، الذي جاء في الطليعة في الدورة الأولى من الانتخابات، ما بين 61.5 و63 في المائة من الأصوات، مقابل 37 إلى 38.5 في المائة لمنافسته البالغة من العمر 48 عاما.
لكن التصويت المفاجئ للبريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي والفوز الذي لم يكن مرجحا لدونالد ترمب في الولايات المتحدة، يدعوان إلى الحذر حيال استطلاعات الرأي التي تواجه صعوبة في تقدير التأثير المحتمل للامتناع عن التصويت أو «الأوراق البيضاء».
وفي إعلان دعائي، قارن ماكرون موقفه بما حدث لكلينتون في الانتخابات الأميركية التي كانت تشير استطلاعات الرأي إلى فوزها قبل الانتخابات، وقال: «الأسوأ ليس مستحيلا! صوّت!»، مخاطبا من يعتزمون مقاطعة الاقتراع، ومحذرا من إمكانية فوز لوبان وإن كانت مستبعدة.

تأهب في بريطانيا وألمانيا

إلى ذلك، بدأت كل من بريطانيا وألمانيا من الآن تعزيز أمنيهما الإلكتروني تحضيرا لانتخابات رئيسية في البلدين، حتى قبل الهجمة الإلكترونية التي استهدفت مرشح الرئاسة الفرنسي ماكرون، بعد أشهر من وقوع هيلاري كلينتون ضحية القرصنة المعلوماتية.
وعادت كلينتون مؤخرا للتأكيد على قناعتها بأن قيام روسيا بقرصنة بريد حملتها الإلكتروني، تسبب جزئيا في خسارتها للانتخابات الرئاسية العام الماضي لصالح دونالد ترمب.
وقالت المرشحة الديمقراطية السابقة خلال مناسبة خيرية الثلاثاء الماضي: «لو أن الانتخابات جرت في 27 أكتوبر (تشرين الأول) لكنت أنا رئيستكم».
وسعيا لتجنب ما حصل في الولايات المتحدة وفرنسا، تتخذ الأجهزة الاستخباراتية في بريطانيا وألمانيا إجراءات لمنع وقوع هجمات إلكترونية قبيل حملات انتخابية حامية في البلدين.
وفي الشهر الماضي، ذكر تقرير برلماني بريطاني أن دولا خارجية مثل روسيا والصين ربما تورطت في انهيار موقع تسجيل المصوتين قبل استفتاء «بريكست».
واضطرت الحكومة البريطانية حينها لتمديد الموعد النهائي للتسجيل للتصويت في الاستفتاء الأوروبي، بعد انهيار موقع التسجيل الحكومي في 7 يونيو (حزيران) 2016، وقبل 100 دقيقة من الموعد المحدد لإغلاقه.
ورغم أن الحادث لم يؤثر بشكل فعلي على نتيجة الاستفتاء، فإن اللجنة أكدت أهمية تعلم الدرس لعمليات التصويت في المستقبل، وأنها لا بد أن تمتد إلى ما بعد المسائل الفنية.

الأحزاب أهداف سهلة

يرى خبير الأمن الإلكتروني إيوان لوسن، أن الأحزاب السياسية تشكل أهدافا سهلة، كونها «لا تحظى غالبا بأمن إلكتروني قوي».
وقال لوكالة «برس أسوسييشن» الإخبارية، إنهم كونهم مجموعات «غير ربحية ولا يملكون كثيرا من المال لصرفه على المشكلة (...) فيمكننا منطقيا توقع حدوث سرقة وانتهاك للمعلومات».
وبعد يوم من إعلان رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي المفاجئ عن إجراء انتخابات عامة في الثامن من يونيو، أفاد مركز الأمن الإلكتروني الوطني في البلاد بأنه في «حالة تأهب».
ويعي البريطانيون المشكلة، حيث كانوا قد أحبطوا محاولة قراصنة روس للتدخل في انتخابات عام 2015، وفقا لرئيسة المركز كياران مارتن.
وإدراكا لحجم المسألة، عقد مركز الأمن الإلكتروني الوطني «ندوة تقنية» في مارس (آذار) 2017، دعا إليها الأحزاب السياسية الرئيسية في بريطانيا لتزويدها بخطوات عملية لتخفيض خطر حدوث هجمات من هذا النوع، وتقديم النصح بشأن كيفية إدارة هذه الحوادث.
واتخذت السلطات الألمانية خطوات مشابهة قبل الانتخابات العامة التي ستجري في سبتمبر (أيلول).
وفي مارس، حذرت آرني شوينبوم، رئيسة المكتب الفيدرالي الألماني لأمن المعلومات من أن الشبكات الحكومية تتعرض لهجمات «بشكل يومي».
وأما رئيس الاستخبارات المحلية، هانز - جورج ماسن، فأكد الثلاثاء أن ألمانيا تواجه «تجسسا إلكترونيا عدوانيا بشكل متزايد» فضلا عن هجمات أخرى متفرقة.
وفي أواخر مارس، أطلقت القوات الألمانية المسلحة قيادة جديدة تتمثل مهمتها في حماية أسس تكنولوجيا معلومات الجيش وأنظمة الأسلحة التي تستخدم الكومبيوتر، إضافة إلى مراقبة التهديدات عبر الإنترنت.
وبحسب وزارة الدفاع، تعرضت الأنظمة المعلوماتية للجيش الألماني لأكثر من 280 ألف هجوم خلال الأسابيع التسعة الأولى من هذا العام.

روسيا في مرمى الاتهام

وكما هو الحال في الولايات المتحدة، حددت كل من لندن وبرلين، روسيا مصدرا لمعظم الهجمات.
وقالت مديرة المركز البريطاني، مارتن، لصحيفة «صنداي تايمز» في فبراير (شباط)، إنه «خلال العامين الماضيين، حدث تغير كبير في العدوانية الروسية عبر الفضاء الإلكتروني».
وتصر موسكو على رفضها جميع الاتهامات بأن الدولة ترعى الهجمات الإلكترونية، حيث أكد بوتين: «نحن لا نتدخل أبدا بالحياة والعملية السياسية في الدول الأخرى».