نوفيكوف مايفير... أطباقه إيطالية وصاحبه روسي وأسعاره نار

الفاتورة تقسم الظهر ولا تجد كرسياً فارغاً به

نوفيكوف في مايفير - تاغلياتا مع الجرجير والبارمزان - جمبري على طريقة أهالي صقلية
نوفيكوف في مايفير - تاغلياتا مع الجرجير والبارمزان - جمبري على طريقة أهالي صقلية
TT

نوفيكوف مايفير... أطباقه إيطالية وصاحبه روسي وأسعاره نار

نوفيكوف في مايفير - تاغلياتا مع الجرجير والبارمزان - جمبري على طريقة أهالي صقلية
نوفيكوف في مايفير - تاغلياتا مع الجرجير والبارمزان - جمبري على طريقة أهالي صقلية

اختيار المطاعم في هذه الزاوية الأسبوعية يعتمد على تقديم عناوين الأكل الجيدة حول العالم، وإذا كان هناك انتقاد فلا بد من ذكره وإذا كانت هناك مزايا جيدة فلا بد أن نبرزها، وأبرز مثال على ذلك هو اختيارنا اليوم للكتابة عن مطعم نوفيكوف الإيطالي في منطقة مايفير بلندن، فهذا المطعم ليس بحاجة لدعاية ولا بحاجة لمن يروج له لأن حجز طاولة فيه من شبه المستحيلات، وإذا حصلت على طاولة فأول شرط تسمعه من موظفة الحجز: «الطاولة متوفرة لساعتين فقط» وهذا الأمر لا يحصل فقط في نوفيكوف إنما في جميع المطاعم الراقية والغالية في لندن والعالم.
نوفيكوف مطعمان في مطعم واحد، هذا لأنه ينقسم إلى مطعم إيطالي (ولو أن فيه كثيرا من الأطباق التي لا تمت لإيطاليا بصلة)، ومطعم آسيوي يمزج ما بين المطبخ الياباني والماليزي والصيني. تصل إلى المطعم الإيطالي عبر سلم تنزل به إلى أسفل، الديكور جميل تميزه ثريات من الخشب قديمة الطراز تضيئها الشموع، والمكان واسع جدا مع مطبخ مفتوح، ومعظم المكونات معروضة وهي من ضمن الديكور الذي يهدف إلى منحك الشعور بأنك في سوق خضار وسمك، فحتى الأسماك معروضة بالقرب من الطاولات.
الرأي حول نوفيكوف ينقسم حوله نقاد الطعام في بريطانيا، وأتفهم هذا الانقسام لأني أضم صوتي إلى صوت الانتقاد الأهم الذي يدور حول أسعار الأطباق غير المنطقية والضجيج في المطعم، فيصعب في بعض الأحيان سماع المحادثة على الطاولة مع الأصدقاء. فريق العمل كله من الجنسية الإيطالية وهذا ما يعطي نوعا من الطمأنة بأن الطعام جيد، أما بالنسبة للزبائن، فهم أشبه بعارضات وعارضي الأزياء، فهذا العنوان ليس فقط للأكل لأنه بالفعل لتلاقي أفراد الطبقات المرفهة بعضها ببعض، ويسعى لزيارته من يرغب في الاحتفال بمناسبة مميزة (خطوبة عيد ميلاد... مثلا) وهذا المكان ينطبق عليه مقولة شهيرة بالإنجليزية: To see and to be seen أي أن زبائنه يزورونه ليس فقط للأكل إنما لإثبات أنهم هناك وفي تلك الحلقة من المجتمع.
صاحب المطعم رجل الأعمال الروسي أركادي نوفيكوف، الذي يملك خمسين مطعما في روسيا دون ذكر ما يملكه في باقي أصقاع العالم، وبما أن روسيا ليست على لائحة البلدان المفضلة على شهية البعض حاليا، فهناك من يدعو إلى عدم الذهاب إلى نوفيكوف لهذا السبب لأن صاحب المطعم مقرب من الرئيس بوتين وهذا ما دعا إليه الكاتب وناقد الطعام البريطاني في موضوع نشره في «الغارديان» وكان فيه لاذعا وقاسيا، ولكن لا أعتقد أن كلمات جاي راينر ستجد آذانا صاغية؛ لأن كلمة الحق تقال: فإن نوعية الطعام في نوفيكوف تنسيك الفاتورة التي وصفتها إحدى مدونات الطعام بأنها أغلى من ثمن سيارتها، بالفعل الأسعار مرتفعة جدا، وقد يكون سعر طبق الباستا هو أرخص ما يمكن أن تتذوقه في المطعم، فإذا كنت من أصحاب الدخل المحدود فلا تقترب من أطباق السمك واللحم لأن ثمن الواحد منها يصل إلى 70 و80 جنيه إسترليني للطبق الواحد.
من أشهر الأطباق التي يقدمها نوفيكوف الإيطالي، كارباتشو اللحم والتونا والسمك وهنا يمكن أن أعطي الطاهي حقه لأقول إن الكارباتشو (لحم نيئ مقطع إلى شرائح رقيقة جدا) هو من أفضل الأنواع وألذها على الإطلاق، وهناك تشكيلة من السلطات اللذيذة مثل جبن البوراتا مع الطماطم والروكا مع جبن البارمزان، ولا تقترب من سلطة السلطعون لأن ثمنها أغلى من ثمن طبق الباستا الرئيسي.
أخيرا وباختصار، نوفيكوف الإيطالي هو فعلا عنوان مميز للأكل الإيطالي ولا بد من زيارته وتذوق أطباقه ولو لمرة بالحياة، ولكن لا أعتقد أن شخصا بدخل معتدل وطبيعي يمكن أن يضعه على لائحة الأماكن التي يزورها بانتظام.



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».