السودان يستقطب استثمارات سعودية في المعادن والزراعة

جهود كبيرة لضمان الأمن الغذائي في البلدين

السودان يستقطب استثمارات سعودية في المعادن والزراعة
TT

السودان يستقطب استثمارات سعودية في المعادن والزراعة

السودان يستقطب استثمارات سعودية في المعادن والزراعة

استقطب السودان استثمارات سعودية جديدة في قطاعي المعادن والزراعة خلال اليومين الماضيين، من شأنها رفع حجم استثمارات المملكة إلى 30 مليار دولار، لتحتل المرتبة الأولى في الاستثمارات العربية في السودان، والبالغة نحو 500 مشروع زراعي وصناعي وخدمي.
ومنحت الحكومة السودانية أمس الأمير يوسف بن عبد العزيز آل سعود مربعاً تعدينياً مساحته 300 كيلومتر مربع، أثبتت الشواهد وجود ذهب ومعادن بكميات كبيرة فيه. كما منحته أرضاً زراعية لإنتاج محاصيل بستانية وثروة حيوانية في شمال البلاد.
وأعرب الأمير يوسف بن عبد العزيز والوفد السعودي المرافق له عن رغبتهم الجادة في الاستثمار في قطاعي المعادن والزراعة، بعد أن تأكد لهم نجاح المشروعات الزراعية والمعدنية التي يستثمر فيها سعوديون أو الحكومة السودانية هناك، فيما أبدى الدكتور أحمد محمد صالح الكاروري، وزير المعادن، استعداد بلاده لدعم الاستثمارات السعودية في السودان، مشيراً إلى أن هناك مساحات كبيرة في انتظار المستثمرين السعوديين، على الرغم من وجود 361 شركة عالمية ومحلية تعمل في هذا المجال.
وقال الأمير يوسف عقب لقائه بالدكتور أحمد محمد صادق الكاروري وزير المعادن وعودته من الولاية الشمالية أول من أمس، إن أكثر ما شجعه للدخول في هذه النوعية من الاستثمارات، المشاريع السعودية الزراعية والتعدينية القائمة حالياً في شمال السودان، حيث تشهد تطوراً كبيراً وتحقق إنتاجية عالية، خصوصاً القمح، الذي تدير فيه مجموعة الراجحي الاستثمارية، مشروعاً زراعياً، وصلت فيه إنتاجية الفدان إلى 40 جوالاً، وهو المستوى القياسي، الذي تتصدر به أستراليا، المرتبة الأولى في إنتاج القمح عالمياً.
وتأتي الاستثمارات السعودية الجديدة في السودان، ضمن برنامج واستراتيجية بين قيادتي البلدين تراعي مصالح الطرفين، حيث يحظى السودان بمزايا، أبرزها القرب من السعودية والمراعي الطبيعية، والأراضي الشاسعة، والأيدي العاملة ذات الخبرة الواسعة، التي تقلل من تكلفة الإنتاج وتجعل المنتجات السودانية لها قدرة تنافسية عالية في الأسواق السعودية. فيما تعتبر السعودية منفذاً للمنتجات السودانية وممولها الرئيسي في مشاريع التنمية وسد حاجتها من اللحوم والأعلاف وبقية المنتجات الزراعية والبستانية الأخرى.
وفي الخرطوم، شرعت وزارة الزراعة والغابات في التحضير لتنفيذ أكبر مشروع زراعي وإنتاج حيواني باستثمارات سعودية في العاصمة يقع على 200 ألف فدان ويمتد على طول 169 كيلومتراً، بمحاذاة النيل الأزرق. وتم التوقيع على المشروع الشهر الماضي بين وفد سعودي برئاسة الأمير سعود بن بندر بن عبد العزيز آل سعود، الذي وقع كذلك اتفاقيات شراكة لاستجلاب لحوم حلال من السودان.
والمشروع الزراعي عبارة عن ترعة تمتد على امتداد شرق النيل، ومساحات هائلة من الأراضي الخصبة منخفضة استهلاك المياه، وستتم الاستفادة من المساحات الزراعية في تربية الحيوانات والتنوع الزراعي مثل الخضراوات والأعلاف والبستنة.
وفي شرق البلاد، تم منح السعودية مليون فدان بموجب قانون من البرلمان، لاستصلاح وزراعة الأراضي الممنوحة بعد قيام سدي أعالي عطبر وستيت، وأكملت وزارة الري والموارد المائية 80 في المائة من مشروع السدين، الذي سيولد طاقة كهربائية تصل إلى ألفي ميغاواط، وتمكن السعوديون من البدء في المشروع الكبير، الذي خصصت له السعودية نحو 10 مليارات دولار للبنية التحتية والمرحلة الأولى.
وفي شمال البلاد، شارفت عمليات حصاد القمح في مشروع مجموعة الراجحي الزراعي بالولاية الشمالية على الانتهاء، وقال الدكتور مدثر عبد الغني وزير الاستثمار لـ«الشرق الأوسط» إن الانتهاء من مرحلة الحصاد خلال هذا الشهر، يعتبر خطوة كبيرة في إطار التعاون بين البلدين، والتوسع في الاستثمارات في الولاية الشمالية، الذي يعود إلى إيمان حكومة الولاية بأهمية الاستثمار في دعم الاقتصاد وتنمية الموارد وتوفير فرص التشغيل وتنفيذ مشروعات المسؤولية الاجتماعية للمجتمعات المحيطة.
وتستثمر مجموعة الراجحي السعودية نحو 1.1 مليار دولار في مصانع إسمنت وزراعة في الولايتين الشمالية والشرقية، ضمن خطط المجموعة للاستثمار في السودان، الهادفة إلى توفير الأمن الغذائي للبلدين والدول العربية، لجعله واقعاً ملموساً، يحقق تكامل البلدين وتطلعات قيادتي المملكة العربية السعودية والسودان. وتستهدف المجموعة زراعة نحو 140 ألف فدان، يتوقع أن تنتج 280 ألف طن قمح بعد انتهاء موسم الحصاد، وهي كميات تعادل 80 في المائة من احتياجات البلاد من القمح الذي تستورد منه سنوياً ما لا يقل عن 400 ألف طن دقيق وقمح.
ودشن حسبو محمد عبد الرحمن نائب رئيس الجمهورية السوداني، انطلاق عمليات حصاد القمح في مساحة 1500 فدان من جملة 4000 فدان، تمثل المرحلة الأولى بمشروع الراجحي.
وتحتل السعودية المرتبة الأولى في عدد المشاريع الاستثمارية في السودان، بعدد 505 مشروعات، باستثمارات تصل إلى 11 مليار دولار، رفعت إلى 26 مليار دولار، عقب مؤتمرات ولقاءات ثنائية بين مسؤولين ورجال أعمال من البلدين خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي، ويتوقع أن تصل إلى 30 مليار دولار بعد المشروع السعودي الأخير.
وتقدمت شركات سعودية كثيرة بطلبات للحكومة السودانية لتنفيذ مشاريع متنوعة، كان آخرها شركة سعودية مشتركة مع الصين، شرعت في إجراءات الاستثمار الزراعي في ولاية سنار بشرق البلاد على مساحة 90 ألف فدان تقع في منطقة مشروع السوكي الزراعي. كما أبرمت مجموعة القحطاني الاستثمارية السعودية اتفاقاً مع وزارة النفط والغاز السودانية بداية الشهر الحالي، للدخول في مشاريع جديدة لاستغلال وتطوير الغاز الطبيعي المصاحب للنفط، الذي تنتجه المجموعة السعودية في دارفور بغرب البلاد.



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.