كتاب غير حياتي - أجمل كتاب في العالم

كتاب غير حياتي - أجمل كتاب في العالم
TT

كتاب غير حياتي - أجمل كتاب في العالم

كتاب غير حياتي - أجمل كتاب في العالم

كنت بين الثانية عشرة والثالثة عشرة؛ السن التي تتأكد فيها هوية الذكر وهوية الأنثى، عندما وجدت نفسي في مواجهة الكمال الأنثوي.
أتذكر لحظة اللقاء باليوم والساعة والدقيقة، ضجة أصواتنا التي تشبه وشيش البحر، وحزمة الشمس التي اقتحمت شُبّاك الفصل تبدد لسعة البرد الخفيفة. عندما أهلّت من الباب حل الصمت من دون أن ترجو أو تأمر أو تهدد. لم يكن تلاميذ تلك الأيام يحملون السكاكين بين أدواتهم المدرسية، وإلا كنا قطعنا أيدينا.
خطت باعتزاز المرأة الجميلة. وقفت أمام السبورة. حيّتنا، وعرّفت بنفسها: «أنا هدى... معلمة الجغرافيا».
أتذكرها الآن؛ فلا يهتز يقيني بأنها أجمل وآنق من نجمات السينما اللائي رأيتهن في الأفلام فيما بعد.
المدرسة الابتدائية كانت في قريتي، وكان معلموها رجالاً من أبناء القرية نفسها، أما الإعدادية فكانت في قرية أكبر بالجوار، تضم معلمين مع معلمات، معظمهم يأتون من المدينة، بينهم من يسافر يومياً، ومن يقيم في بيت مستأجر. هذه التفاصيل، أتذكرها اليوم بوصفها ملامح من عالم «أبلة هدى» التي شغفتني حباً.
استقامة الأخلاق تقتضي الاعتراف بأن معلمتي «هدى» لم تكن حبي الأول. حبيبتي الأولى، كانت زميلة لي، وكانت خيالاً لطيفاً بلا جسد؛ رفعتها مخيتلي فوق عادات البشر المبتذلة. مع «أبلة هدى» صار للحب جسد.
كانت تشرح بتفانٍ واستغراق، وتتصرف بعفوية وحب كبيرين. وإذ أكتب الآن، فإنني أكاد أحس دفء يدها التي تركتها ترتاح على كتفي، وقد طلبت مني أن أعيد عليها ما قالته للتو. هل لاحظت سرحاني فيها؟ أخذت أتلعثم، بينما أختلس النظر إلى أصابعها الناعمة بأظافرها الطويلة النظيفة المخضبة.
في ذلك الوقت، كنت قد بدأت أسعى لقراءة الصحف وبعض الكتب غير المدرسية. لا أذكر ماذا قرأت قبل أن يقع في يدي كتاب للفتيان في حجم الجيب، يقدم قصة يوسف وزليخة. لم أتعب نفسي في محاولة تخيل جمال زليخة. كانت هي «أبلة هدى» أعطاها خيالي القامة الشامخة نفسها والجسد المتناسق بلا عيبة لمعلمتي التي أتمنى أن أكون يوسفها، أشد بلوزتها أو تشد قميصي. كان الكتاب منزوع الغلاف والصفحات الأولى فلم أعرف عنوانه أو اسم مؤلفه، وبالكيفية نفسها قرأت مأساة فتاة ظلمها الفقر والرجال، وعرفت بعد ذلك من الفيلم أنها رواية «بداية ونهاية» لنجيب محفوظ، لكنني، إلى الآن، لم أتوصل إلى معرفة عنوان الكتاب الذي ثبّت على نحو حاسم حب القراءة في قلبي.
كثيراً ما يراودني الأمل في العثور على الكتاب مجدداً، لأقرأه وأقف على النقص الذي ينطوي عليه ككل الكتب، غير أنني أتراجع في لحظات عن هذه الأمنية الخرقاء التي لا تشبه إلا أمنية رؤية أبلة هدى بعد كل هذه السنوات.
ربما كانت لغته أقل جمالاً مما اعتقدت في ذلك الوقت، ربما كان ينطوي على الكثير من المواعظ الأخلاقية التي يحرص كُتّاب الأطفال على تلغيم كتبهم بها، خصوصاً إذا كانوا يستوحونها من القصص القرآني، لكنني لا أتذكر من ذلك الكتاب إلا الشغف والاشتهاءات.
أتأمل الآن البهجة التي طالعت بها الكتاب فأتيقن أن القارئ، حتى لو كان طفلاً، يقرأ في الكتاب ما يريده هو، دون أن يتطابق بالضرورة مع ما أراده المؤلف، وأن جمال الكتب لا ينبع مما تقوله، بل لقدرتها على الإنصات إلى ما في نفوسنا، على التواطؤ معنا ربما؟
بهذا المعيار، فإن ذلك الكتاب المجهول هو بالنسبة لي أجمل كتاب في العالم.

* روائي مصري



«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.