مفاوضات «آستانة» تنطلق اليوم وسط تفاؤل حذر بنتائجها

الفصائل ستبدي موقفها الأحادي على الاقتراح الروسي... و«أحرار الشام» تطلب شموله كل المناطق

تلاميذ مدرسة في بلدة حرستا بالغوطة الشرقية لدمشق يتلقون تعليمات من الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) أمس حول كيفية حماية أنفسهم وقت الغارات الجوية (أ.ف.ب)
تلاميذ مدرسة في بلدة حرستا بالغوطة الشرقية لدمشق يتلقون تعليمات من الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) أمس حول كيفية حماية أنفسهم وقت الغارات الجوية (أ.ف.ب)
TT

مفاوضات «آستانة» تنطلق اليوم وسط تفاؤل حذر بنتائجها

تلاميذ مدرسة في بلدة حرستا بالغوطة الشرقية لدمشق يتلقون تعليمات من الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) أمس حول كيفية حماية أنفسهم وقت الغارات الجوية (أ.ف.ب)
تلاميذ مدرسة في بلدة حرستا بالغوطة الشرقية لدمشق يتلقون تعليمات من الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) أمس حول كيفية حماية أنفسهم وقت الغارات الجوية (أ.ف.ب)

تبدأ اليوم الاجتماعات الرسمية في آستانة للبحث في الأزمة السورية، وسط ترقّب لما سينتج عنها بعد دخول معطيات جديدة على الخط، لا سيما ما بات يعرف بـ«الاقتراح الروسي». وفي ظل تفاؤل حذر بإمكانية التوصل إلى نتائج إيجابية مختلفة عن الجولات السابقة، كانت المعارضة قد وافقت بشكل مبدئي على الاقتراح، ليتم بحثه تفصيلياً على الطاولة في كازاخستان، وتبدي بعد ذلك كل جهة أو فصيل معارض موقفه منه بشكل أحادي، انطلاقاً من المنطقة التي يوجد فيها، ليتم بعد ذلك اتخاذ القرار الجماعي الموحّد.
وكانت مصادر في المعارضة السورية قد قالت إن تركيا طلبت إضافة منطقة خامسة للمقترح الروسي تتعلق بمناطق الساحل التي يسيطر النظام على جزء كبير منها، وتشمل مناطق جبل التركمان.
إلى ذلك، قالت مصادر مواكبة للجولة الرابعة من المفاوضات السورية في آستانة، تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، إن الدول الضامنة ستعرض على الأطراف السورية عدة وثائق، في مقدمتها الاقتراح الروسي حول إقامة «مناطق هادئة» في سوريا برعاية ومراقبة الدول الضامنة، لافتة إلى بقاء بعض النقاط التي لم يتضح ما إذا كان الخبراء من روسيا وتركيا وإيران قد اتفقوا بصورة نهائية حولها أم لا. وحددت تلك القضايا بكيفية مراقبة وضمان التزام الأطراف بالشروط، ومن هي الدول التي ستشرف على خطوط الفصل فيها، ومدى صلاحيات قوات الفصل تلك.
وأضافت المصادر أن طرح الاقتراح الروسي على الجولة الحالية من المحادثات لن يكون أكثر من خطوة أولى في عملية المناطق الآمنة. وبحال التوصل إلى توافق مبدئي بين الأطراف السورية، وفي داخل الدول الضامنة، حول هذا الاقتراح، فقد يحتاج الأمر الانتقال للعمل عبر أطر إقليمية ودولية، أي جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي، وربما المجموعة الدولية لدعم سوريا، للمشاركة في تحديد الدول التي ستشرف على الخطوط الفاصلة بين الأطراف السورية المتنازعة في المناطق الهادئة.
وتابعت أن الدول الضامنة ستطرح كذلك على الأطراف السورية في «آستانة 4» مجموعة من الوثائق التي وضعها الخبراء خلال محادثاتهم في طهران يومي 18 - 19 أبريل (نيسان)، المتصلة بتعزيز نظام وقف إطلاق النار في سوريا، وتخفيف حدة توتر الوضع، فضلاً عن وثيقة حول تبادل الأسرى بين الأطراف المتنازعة. وأشارت إلى أن المحادثات بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان، التي ستجري اليوم، في سوتشي، سيكون لها تأثير رئيسي على نتائج «آستانة - 4»، فيما يتعلق بالاقتراح الروسي، كما سيؤثر على هذا الأمر، لكن بدرجة أقل، المحادثات الهاتفية يوم أمس، بين بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وختمت المصادر لافتة إلى أن هناك بعض التفاصيل التي لم يتم التوصل بعد إلى توافق بشأنها، وهي متعلقة بآليات التنفيذ، وجوانب أخرى للانتقال بالاقتراحات من المحادثات إلى التطبيق العملي، وقالت إن الهدف حالياً هو الاتفاق على المبادئ العامة، وكذلك الإجراءات التي تضمن الالتزام الفعلي باتفاق وقف الأعمال القتالية في سوريا، الذي وقعته الأطراف نهاية العام الماضي برعاية تركية - روسية.
وفي حين وصل معظم المشاركين في المؤتمر من فصائل المعارضة إلى آستانة، يوم أمس، ويقدّر عددهم بنحو 15 شخصاً، أشارت بعض المعلومات إلى مشاركة ممثلين عن «أحرار الشام» في المحادثات بعدما كانت قد قاطعتها، وهو ما نفاه محمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم «الأحرار»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لم يذهب أي من ممثلينا للمشاركة في آستانة»، مؤكداً في الوقت عينه على الإيجابية في التعامل مع أي اتفاق يؤدي إلى تحييد المدنيين، ووقف إطلاق النار.
ووصف موقف «الأحرار» بـ«الدعم مع وقف التنفيذ»، موضحاً: «شاركنا في اجتماع أنقرة، حيث عرضت مسودة الاقتراح الروسي (الغامضة)، التي يعتريها بعض الثغرات، وأبدينا ملاحظاتنا عليها، وسنعلن عنها رسمياً في اليومين المقبلين، وبالتالي نرى أنها تحتاج إلى تعديلات كي تشمل بشكل رئيسي كل المناطق السورية والفصائل».
وكانت وكالة «سبوتنيك» الروسية قد نقلت عن مصدر مطّلع قوله إن هناك إمكانية لمشاركة حركة «أحرار الشام»، مضيفاً أنه في حال شاركوا، سيقترح عليهم المشاركة في توفير الأمن في إحدى مناطق الفصل الأربع، في شمال سوريا تحديداً». وأضاف: «حسب معلوماتنا خلال لقاء إسطنبول، فإن ممثلي (أحرار الشام) وافقوا مبدئياً على المشاركة في توفير تخفيف التصعيد في الشمال».
وحول الإيجابية في موقف «أحرار الشام» تجاه آستانة، أشار الخبير في المجموعات المتطرفة عبد الرحمن الحاج إلى أسباب عدة، أهمها أن «الأحرار تخلصت من عبء الجناح الميال لتنظيم القاعدة، ممثلا بأبي جابر، ومن انشق معه، وانضم إلى هيئة تحرير الشام، وباتت الحركة أكثر تماسكاً، وقدرة على اتخاذ قرار منفرد لا يحسب حساب لـ«(النصرة) التي كانت حليفة في (جيش الفتح)، ولا للفريق المتشدد الذي كان يضطرها لمواقف ملتبسة تجنباً لحصول تصدع فيها».
وأضاف: «أيضاً المطروح على طاولة آستانة يمس مناطق نفوذ الأحرار، فهي معنية بأن تكون موجودة في أي اتفاق حتى لا يحصل اتفاق يصب في غير مصلحتها، في وقت لم تتبلور فيه إلى الآن سياسة الإدارة الأميركية الجديدة بشأن المناطق التي يتناولها الاتفاق الروسي الجديد مع الفصائل، ولا يوجد أفق واضح للمناطق الآمنة التي تحدثت عنها إدارة ترمب». من هنا، يرى «أن مشاركة الأحرار في آستانة لا تعني بالضرورة الموافقة على العرض الروسي، كل ما هناك أنها لا تريد أن تكون ضحية اتفاقات تمت بغيابها».
وينص الاقتراح الروسي على إنشاء 4 مناطق آمنة في نقاط التماس بين الفصائل المعارضة وقوات النظام، على أن يتم إدخال قوات محايدة من دولٍ يقبلها الطرفان، لتتولى هذه المهمة كقوات فصل.
وضمن الاجتماعات التحضيرية لآستانة، عقد يوم أمس اجتماع للدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا، وهي روسيا وتركيا وإيران، على مستوى الخبراء. وبعد ذلك ستجرى المفاوضات على مدار اليومين المقبلين.
وكان قد وصل أيضاً إلى آستانة وفد النظام السوري برئاسة المندوب لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، والوفد الإيراني.
في السياق، أعلن يحيى العريضي، مستشار الهيئة العليا للمفاوضات، أن المعارضة السورية لا تمانع في إقامة 4 مناطق آمنة في سوريا، بحيث تراقب الدول الضامنة الهدنة فيها. وقال في حديث له: «نحن لا نعارض مثل هذا المسلك الذي تقوم روسيا وإيران بلعب دور الضامن في قسم من هذه المناطق. وفقط يجب ألا ينسى الروس والإيرانيون الالتزام بالهدنة».
وأكد العريضي على مشاركة القيادي في «جيش الإسلام» محمد علوش في مفاوضات آستانة، وقال: «لقد وصل السيد علوش بالفعل إلى آستانة، وسيشارك في المفاوضات، بما في ذلك حول إنشاء 4 مناطق آمنة في سوريا».
كذلك، قال مصدر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط»: «إن الاقتراح الروسي سيكون بنداً رئيسياً على طاولة كازاخستان»، موضحاً: «سيطرح الموضوع من كل جوانبه السلبية والإيجابية. وبناء على ذلك، ستتّخذ الفصائل، كل حسب انتشارها ووجودها في المناطق التي طرحت لتكون (هادئة)، موقفها الأحادي من الاقتراح، على أن يتم بعد ذلك اتخاذ الموقف الجماعي والنهائي».
ورأى المصدر القيادي أن موسكو والنظام إذا كانا جادّين في هذا الطرح، وآليات تنفيذه، يجب على الأقل في المرحلة الأولى تثبيت وقف إطلاق النار الذي لم يلتزما به إلى الآن.
وفي حين لم تتضّح حتى الآن طبيعة مشاركة قطر في «آستانة»، فما بات مؤكداً إلى الآن هو أن تركيا وروسيا سيشاركان كما السابق بصفة الضامن، وإيران كضامن للمجموعات الشيعية المشاركة في الحرب بسوريا، بينما تشارك الأردن كمراقب.
وعن مشاركة ممثلين من الولايات المتحدة الأميركية، قال نائب وزير خارجية كازاخستان، مختار تليوبردي، لـ«سبوتنيك»: «نتوقع أن يصل مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ونحن بانتظار تأكيد هذه المعلومات».
ونقلت وكالة «سبوتنيك»، عن مصدر دبلوماسي في أنقرة، أن الوفد التركي سيعقد في آستانة لقاء مع ممثلي المعارضة السورية، لبحث الاقتراحات الروسية بشأن مناطق «تخفيف التوتر» الأربع. ويأمل الجانب التركي في الحصول على ملاحظات من الفصائل فيما يخص المناطق، لينقلها للدول الضامنة في محاولة لإيجاد «نقاط تقاطع».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.