السودان يتبنى رسمياً سياسة {التعامل بالمثل} مع مصر

غندور يتلقى دعوة لاستئناف اجتماعات أمنية مع جوبا

السودان يتبنى رسمياً سياسة {التعامل بالمثل} مع مصر
TT

السودان يتبنى رسمياً سياسة {التعامل بالمثل} مع مصر

السودان يتبنى رسمياً سياسة {التعامل بالمثل} مع مصر

قرر السودان إعمال مبدأ «التعامل بالمثل» مع مصر حول حركة مواطني الدولتين، رغم «اتفاقية الحريات» الأربع الموقعة منذ سنوات بين البلدين.
وأعلن إبراهيم غندور، وزير خارجية السودان، في بيانه الدوري للمجلس الوطني «البرلمان» أمس، أن وزارته قررت انتهاج سياسة التعامل بالمثل من «الأشقاء» في مصر، وذلك على خلفية إعادة مواطنين سودانيين، بينهم صحافيون ومنع دخولهم، وفرض رسوم وغرامات على السودانيين المقيمين في مصر.
وتأتي هذه القرارات على خلفية توتر شاب علاقات البلدين في الآونة الأخيرة، وتحول إلى حملات إعلامية مضادة متبادلة في إعلام ومنصات التواصل الاجتماعي للدولتين، وبلغت ذروتها بحظر مصر لصحافيين سودانيين من دخول أراضيها وإعادتهم إلى بلادهم، وفرض رسوم وغرامات على السودانيين المقيمين في مصر.
وتأتي هذه التوترات على الرغم من اتفاقية «الحريات الأربع» الموقعة بين البلدين منذ عام 2004. والتي تم التأكيد عليها في قمة الرئيسين عمر البشير وعبد الفتاح السيسي في القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2014، وبناء عليها يحق لكل من المصري والسوداني، حق التملك والإقامة والتنقل والعمل.
ولم يشأ الوزير غندور صب النار على زيت التوتر، لكنه قال إن «التعامل بالمثل حق، ونحن لا نريد أن نصل مع أشقائنا في مصر إلى المستوى الذي وصلت إليه العلاقات بداية التسعينات، وبالتالي نمضي إلى معالجة الملف بحساسية كبيرة»، موضحا أنه اتفق مع رصيفه المصري سامح شكري على عدد من الملفات والقضايا في جولة المباحثات التي أجرياها أخيراً بالخرطوم، لكن إعادة مواطنين سودانيين بينهم صحافيون إلى بلادهم أوشك على «أن يرجعنا إلى المربع الأول».
وقال غندور في رده على أسئلة نواب البرلمان إن العلاقات السودانية - المصرية ذات حساسية خاصة، مشيرا إلى وجود نحو 850 ألف سوداني يقيمون بمصر، وأعداد من المصريين في السودان. وأبلغ غندور النواب أنه أثار قضية إبعاد السودانيين من مصر بوضوح مع «الأشقاء المصريين»، وقال في هذا السياق: «أثرنا هذه الموضوعات معهم بشكل واضح، وأبلغناهم أن إرجاع مواطن سوداني يعني إرجاع مواطن مصري، والتعامل مع مواطنينا بغرامات يعني التعامل مع مواطنيكم بغرامات».
وأوضح غندور أن رصيفه المصري سامح شكري أجرى اتصالا به قبل ثلاثة أيام يطلب «طي هذه الملفات»، وإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي بين البلدين، وكشف أن فريقه أنهى إعداد النقاط مثار الخلاف بين البلدين، موضحا أنهم بانتظار الطرف المصري لتحرير وكتابة «كيفية التعامل مع المواطنين في البلدين زائرين أو مقيمين».
ورداً على تساؤلات نواب بشأن «جهات أمنية» غير وزارة الخارجية تدير ملف العلاقات بين البلدين من الجانب المصري، قال غندور إن تلك الجهات، سواء كانت أمنية أو عسكرية أو غيرها، يتوقع أن تواصل الاجتماعات بينها للعمل على هذه الملفات، مبرزا أن «الإخوة الذين يعملون على هذه الملفات يتواصلون مع إخوانهم في مصر لحل الإشكالات القائمة، وهو ملف تتعامل معه عدة وزارات بتبادل أدوار واضح جداً... واتفقنا على ذلك مع وزير الخارجية حتى لا تتعارض القرارات الصادرة عن هذه الجهات، بما نتفق عليه كوزراء خارجية».
وأوضح غندور في تصريحات أعقبت حديثه للبرلمان أنه استفسر الجانب المصري بشأن حظر دخول صحافيين لمصر، وطلب منهم تزويده بقوائم الممنوعين من السفر منهم، على أن يتم تبادل القوائم، ما يشير إلى أن الخرطوم شرعت في إعداد قائمة الممنوعين من الصحافيين المصريين.
من جهة أخرى، أوضح وزير الخارجية، رداً على تساؤلات نواب بشأن التعامل مع جنوب السودان، طالب بعضهم بإعادة توحيد البلدين، وآخرين اشترطوا إجراء استفتاء للعودة للوحدة مجدداً، أوضح أن دولة جنوب السودان مستقلة، ولا يمكن الحديث عن إعادة ضمها للسودان مجدداً، أو إبقاء الوضع على ما هو عليه منذ أعلنت تلك الدولة استقلالها.
وقطع غندور أن وزارته والوزارات الأخرى المعنية تسعى لتنفيذ الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، لا سيما «اتفاقية التعاون المشترك» الموقعة من قبل رئيسي البلدين في 2012.
كما كشف عن تلقي الجانب السوداني أمس، لدعوة من الآلية الأفريقية رفيعة المستوى التي تتوسط بين البلدين، ويترأسها الجنوب أفريقي ثابو مبيكي لاستئناف اجتماعات اللجنة الأمنية السياسية المشتركة، لبحث ومتابعة مستوى تنفيذ الاتفاقيات الأمنية، يومي الثامن والتاسع من شهر مايو (أيار) الحالي.
وأوضح غندور بأنه لا خيار أمام حكومته سوى المضي قدماً في التفاوض لتنفيذ تلك الاتفاقيات، ومن بينها اتفاقية ترسيم الحدود، وتحديد الخط الصفري، والمنطقة منزوعة السلاح، وقضية دعم وإيواء الحركات المتمردة في جنوب السودان، مشيراً إلى أن المساعدة على تحقيق الأمن والاستقرار في جنوب السودان تعد واحدة من خطة «المسارات الخمسة» الأميركية لرفع العقوبات عن حكومته.
وبدا غندور مطمئناً من مستوى تنفيذ خطة المسارات الخمسة التي اشترطتها الإدارة الأميركية للرفع الكلي للعقوبات الأميركية عن السودان بحلول الثالث عشر من يوليو (تموز) المقبل، وقال إنها لا تواجه أي «عقبات»، وإن آخر اجتماعات اللجنة المشتركة الدورية عقد في 25 من الشهر الماضي، توصل إلى تقويم شامل لمستوى التنفيذ، ولم يجد أي عقبة. بيد أنه شن حملة لمن سماهم «العقارب»، الذين يمارسون ضغوطا إعلامية ومجتمعية للإبقاء على العقوبات.
وجدد غندور التأكيد على إصرار حكومته وحرصها على استمرار التواصل مع الجانب الأميركي، بقوله: «نحن نمضي في إطار التشاور، والعلاقات الثنائية، ونحن حريصون عليها جداً، وأشير إلى أن الجانب الأميركي حريص عليه هو الآخر».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».