تفكيك شبكة إرهابية في السعودية على صلة بـ«قاعدة اليمن» و«داعش»

مصادر لـ («الشرق الأوسط») : فلسطيني مقيم في المملكة هو القائد الفعلي لشبكة 106.. وزعيم التنظيم المبايع السعودي مجرد واجهة

أجهزة حاسوب وهواتف جوالة ودوائر إلكترونية ضبطت لدى الخلية الإرهابية في السعودية ({الشرق الأوسط})
أجهزة حاسوب وهواتف جوالة ودوائر إلكترونية ضبطت لدى الخلية الإرهابية في السعودية ({الشرق الأوسط})
TT

تفكيك شبكة إرهابية في السعودية على صلة بـ«قاعدة اليمن» و«داعش»

أجهزة حاسوب وهواتف جوالة ودوائر إلكترونية ضبطت لدى الخلية الإرهابية في السعودية ({الشرق الأوسط})
أجهزة حاسوب وهواتف جوالة ودوائر إلكترونية ضبطت لدى الخلية الإرهابية في السعودية ({الشرق الأوسط})

تمكنت الأجهزة الأمنية السعودية من تفكيك أول تنظيم إرهابي في السعودية مرتبط بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) وإلقاء القبض على 62 متورطا معظمهم سعوديون، من بينهم 35 من مطلقي السراح في قضايا أمنية وممن ما زالوا رهن المحاكمات. وتمكن عناصر من الخلية في مناطق مختلفة من السعودية التواصل بعناصر أخرى من التنظيم الضال في اليمن مع قرنائهم من أعضاء التنظيمات الضالة في سوريا.

وأوضح بيان وزارة الداخلية السعودية، أن الأجهزة الأمنية ألقت القبض على تنظيم إرهابي مكون من 62 متورطا منهم ثلاثة مقيمين (فلسطيني ويمني وباكستاني) والبقية سعوديو الجنسية، وذلك بعد أن رصدت أجهزتها المختصة أنشطة مشبوهة كشفت عن التنظيم الإرهابي الذي يتواصل فيه عناصر التنظيم الضال في اليمن مع قرنائهم من أعضاء التنظيمات الضالة في سوريا وبتنسيق شامل مع العناصر الضالة داخل الوطن في عدد من مناطق المملكة.

وأفاد اللواء منصور التركي، المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية السعودية: «تمت مبايعة أمير لهم وباشروا في بناء مكونات التنظيم ووسائل دعمه والتخطيط لعمليات إجرامية»، موضحا أن «من خلال التحقيقات تم رصد انتشار واسع لهذه الشبكة وارتباطات لها مع عناصر متطرفة في سوريا واليمن». وأضاف: «إن من تمت مبايعته هو من بين الأشخاص الذين قبض عليهم» دون أن تكون هناك مواجهات أمنية.

وبحسب ما كشف عنه اللواء منصور التركي لـ«الشرق الأوسط» فإن المتهم الذي جرت مبايعته هو سعودي في العقد الرابع من عمره، وهو من بين الذين سبق أن قبض عليهم ومحاكمتهم في قضايا ذات علاقة بـ«القاعدة» وجرى إطلاق سراحهم بعد استكمال محكومياتهم.

وأعلن التركي خلال مؤتمر صحافي أمس كشف التنظيم ومخططاته من خلال جهد أمني استمر على مدى أشهر لمتابعة الوضع الأمني ورصد الأنشطة المشبوهة على شبكات التواصل الاجتماعي على محمل الجد. وأضاف أن العملية جرت «في ظل الأوضاع الأمنية الصعبة التي تعيشها المنطقة، وما يشهده الواقع من استهداف مباشر للوطن في أمنه واستقراره وشبابه ومقدراته بعد أن أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ميدانا فسيحا لكل الفئات المتطرفة وأصبحت وسيلة سهلة لتواصل أرباب الفتن في مواقع كثيرة».

وقال المتحدث الأمني لوزارة الداخلية، إن المشبوهين «بايعوا أميرا لهم وباشروا في بناء مكونات التنظيم ووسائل دعمه والتخطيط لعمليات إجرامية تستهدف منشآت حكومية، ومصالح أجنبية، واغتيالات لرجال أمن، وشخصيات تعمل في مجال الدعوة، ومسؤولين حكوميين».

وقال اللواء تركي، إن «هناك من يسعى إلى إحداث فوضى في السعودية والنيل من الأمن والاستقرار، و(القاعدة) من أكثر الجهات الساعية لهذا الأمر وتوجه (القاعدة) إلى اليمن غايته أن يبقى قريبا من الحدود السعودية». وأكد حرص الداخلية على مكافحة الفكر الضال، موضحا أن 59 ممن قبض عليهم سعوديون يسعون لـ«استخدام الشباب السعودي كأدوات في سبيل خدمة أهداف خارجية».

وبين اللواء تركي، أن الأجهزة الأمنية أخضعت كل الجهات المعنية بجمع التبرعات للضبط، وحذرت من خطورة تقديم التبرعات بعيدا عن الجهات الرسمية، مبينا أن هناك الكثير من المشاريع على الحدود البرية، ومنها «وضع حواجز وتقنيات إلكترونية وتسيير دوريات أمنية»، مؤكدا أن الحدود تخضع لاهتمام ومراقبة وحماية، في حين كشف عن أن التنظيم الذي رصد على ارتباط بتنظيم «داعش» في سوريا.

وفيما يتعلق بدور النساء في التنظيم الذي جرى الكشف عنه، أفاد المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية بأن مناصري الفئة الضالة استغلوا المرأة بغرض إحداث الفوضى في السعودية، وبالأخص من خلال من لهن علاقة بموقوفين ممن ارتبطوا بقضايا أمنية. واستفادت الشبكة من النساء بالتمويل «من خلال قدرتها على تواصل بالمجتمع النسائي تعمل خلاله على جمع التبرعات واستغلالهن في تجنيد الشباب عبر إثارة النخوة إلى جانب تجنيد الأطفال».

وأكد اللواء تركي، أن الهدف العام للخلايا السابقة والحالية يكمن في إثارة الفوضى. وقال: «كما اتضح في مراحل التحقيقات الأولية أن التنظيم يسعى لتهيئة نفسه استراتيجيا للمرحلة التي تبدأ فيها الفوضى المزمع تحقيقها والمخطط لها وذلك بالتركيز على الاغتيالات لتحقيق الفوضى فيتجهون إلى استخدام شيء من العنف بعد الفشل في إثارة الشباب في السعودية».

وشدد اللواء تركي على أهمية دور برامج المناصحة، قائلا: «برنامج المناصحة الأفضل على الإطلاق ونتمسك به لأنه لا يوجد بديل له». وأضاف: «هو أفضل ما يمكن عمله لمن تعرض للتغرير وليس هناك بديل لبرنامج المناصحة وهو الأفضل بتحقيق نسب إيجابية وما زلنا نصر على نسبة الـ90 في المائة» لنجاحه.

وأكد المتحدث الأمني أن الكشف عن هذه الخلية، جاء في ظل الأوضاع الأمنية الصعبة التي تعيشها المنطقة «وما يشهده الواقع من استهداف مباشر للوطن في أمنه، واستقراره وشبابه ومقدراته، ومنهجه القائم على كتاب الله وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام وعلى آله وصحابته الأخيار»، حيث تولت الأجهزة الأمنية المختصة متابعة الوضع بعناية فائقة، وأخذ ما يطرح على شبكات التواصل الاجتماعي على محمل الجد «بعد أن أصبحت ميدانا فسيحا لكل الفئات المتطرفة، ووفرت وسيلة سهلة لتواصل أرباب الفتن في مواقع كثيرة».

وبين المتحدث الأمني، أن من ضمن أفراد الخلية المكتشفة 35 من مطلقي السراح في قضايا أمنية وممن لا يزالون رهن المحاكمة، فيما تقتضي مصلحة التحقيق استجواب 44 من المتوارين عن الأنظار مررت بياناتهم للشرطة الدولية لإدراجهم على قوائم المطلوبين. وأشار إلى رصد انتشار واسع لهذه الشبكة وارتباطات لها مع عناصر متطرفة في سوريا واليمن، وعزا ذلك إلى التحقيقات والمتابعات الأمنية. وأضاف أن البناء التنظيمي لخلايا التنظيم «أفصح عن اهتمام بالغ بخطوط التهريب خاصة عبر الحدود الجنوبية، وذلك لتهريب الأشخاص والأسلحة مع إعطاء أولوية قصوى لتهريب النساء». وتابع أن الشبكة تمكنت من تهريب امرأتين أروى بغدادي وريما الجريش «في حين أحبطت قوات الأمن محاولة تهريب المرأتين مي الطلق، وأمينة الراشد، وبصحبتهما عدد من الأطفال».

وقال اللواء تركي: «من خلال تنفيذ عمليات المداهمة والتفتيش جرى ضبط معمل لتصنيع الدوائر الإلكترونية المتقدمة التي تستخدم في التفجير والتشويش والتنصت، وتحوير أجهزة الهواتف الجوالة، إضافة إلى تجهيزات لتزوير الوثائق والمستندات، كما جرى الكشف عن خلية التمويل لهذا التنظيم والتي قام أعضاؤها بجمع تبرعات عبر شبكة الإنترنت وتوفير مبالغ من مصادر أخرى إذ تجاوز ما جرى ضبطه حتى تاريخه 900 ألف ريال البعض منها بالدولار، وكان الجزء الأكبر من هذا المبلغ أخفي في حقيبة معلقة بحبل داخل منور الإضاءة في إحدى العمائر السكنية، أما الأسلحة ووفقا لإفادة أعضاء التنظيم فكان من المرتقب تهريبها قبيل تنفيذ عملياتهم المزمعة».

وأكدت وزارة الداخلية السعودية، أن الأجهزة الأمنية «لن تألو جهدا في سبيل المحافظة على أمن الوطن واستقراره». وأشادت في الوقت ذاته «بالتعاون الذي تلقاه من أبناء الوطن في مواجهة مخططات الحقد والخيانة التي تستهدف الوطن في أبنائه ومقدراته». ودعت الذين وضعوا أنفسهم في محل الاشتباه «إلى المبادرة بالتقدم للجهات الأمنية لإيضاح حقيقة وضعهم»، وأكدت أن المتابعة لا تزال مستمرة، وأنه يعلن لاحقا عن أي مستجدات.



هل أضاعت الفوضى وثائق المعتقلات السورية؟

أمام مشفى «المجتهد» بحثاً عن مفقودين (الشرق الأوسط)
أمام مشفى «المجتهد» بحثاً عن مفقودين (الشرق الأوسط)
TT

هل أضاعت الفوضى وثائق المعتقلات السورية؟

أمام مشفى «المجتهد» بحثاً عن مفقودين (الشرق الأوسط)
أمام مشفى «المجتهد» بحثاً عن مفقودين (الشرق الأوسط)

لا تزال الفوضى تحيط بعملية تحرير المعتقلين من السجون والبحث عن المفقودين، رغم مناشدات النشطاء السوريين بضرورة تنظيم طريقة إخراجهم من المعتقلات، أحياء أو جثامين أو وثائق تثبت هوياتهم، وسط سيل من المعلومات غير الدقيقة عن وجود معتقلات سرية لم يتم الوصول إليها بعد. ومع كل خبر ينتشر عن احتمال وجود معتقل، يسارع أهالي المفقودين إلى المكان ومعهم أدوات حفر على أمل العثور على أبنائهم.

أمام مشفى «المجتهد» في حي باب مصلى بالعاصمة السورية، يتواصل توافد العشرات من أهالي المعتقلين من جميع المحافظات السورية، لتفحص صور جثامين المعتقلين المودعة في المشفى، وقد عثر عليها في مشفى حرستا الوطني قبل أيام.

«الشرق الأوسط» كانت حاضرة أمام مستشفى المجتهد. تقول منى وهي سيدة في العقد الخامس من العمر من أهالي حمورية في الغوطة الشرقية، جاءت تبحث عن زوج ابنتها المفقود منذ عام 2012: «إن الفوضى الحاصلة تفقدنا الأمل بالعثور ولو على طرف خيط للوصول إليه».

شابان كانا يستقلان دراجة نارية ويسألان عن الطريق المؤدي إلى مشفى «المواساة»، قالا إنهما بحثا في سجن صيدنايا عن مفقودين من عائلتهما، كما بحثا في مشفى «المجتهد»، على أمل أن يصلوا الى أي معلومة دون جدوى، وسيتابعان البحث في مشفى «المواساة»، حيث يوجد معتقلون بحالة صحية متردية.

المشيعون رفعوا صور أحبة قضوا في سجون النظام في أثناء جنازة إعلامي سوري في ساحة الحجاز

في بقعة أخرى بين التجمع الأهلي، تجمهر عدد من الأشخاص حول سيدة كانت تخبرهم بوجود معقل سري تحت كلية الهندسة على طريق المطار، فتوجه البعض باتجاه طريق المطار لاستكمال البحث.

ساشا أيوب ناشطة ومنتجة أفلام وثائقية، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إنه في الأيام الأولى لسقوط النظام، سادت الفوضى بالسجون والمعتقلات، وقد ناشدت المنظمات الحقوقية السورية ومؤسسات المجتمع المدني وروابط أهالي المعتقلين وغيرها من منظمات تأسست في الخارج، ووثقت أسماء المعتقلين والمفقودين، الوجود على الأرض.

امرأة تتصفح قائمة أسماء وُجدت على الأرض في سجن صيدنايا العسكري شمال دمشق 9 ديسمبر (أ.ب)

وعبرت أيوب عن استغرابها لتأخرهم في الوصول حتى الآن والبدء في العمل، في هذه الظروف التي تحتاج لمساعدتهم. وقالت: «علينا إنهاء الفوضى اليوم قبل الغد، وتوحيد الجهود والعمل معاً، لأن العدالة الانتقالية لن تتحقق دون جمع الوثائق التي تشير إلى المتورطين».

إلا أن الناشطة السورية رنيم سعدي، أكدت لـ«الشرق الأوسط» أنها رأت قسماً كبيراً من الوثائق في الأفرع الأمنية والسجون، وأنها لا تزال موجودة في تلك المواقع تحت الحراسة، وأنها شاهدت بنفسها كماً هائلاً من تلك الوثائق. وتابعت أنها تتواصل مع جهات تبذل جهوداً في هذا الخصوص لكنها تأخرت في الوجود على الأرض، وتسارع الأحداث يتطلب حضورها السريع.

بيع العلم السوري الجديد في ساحة الحجاز بدمشق (الشرق الأوسط)

ولفتت الناشطة، إلى وجود ثلاث جهات على الأقل تعمل على هذا الملف وتحاول التواصل مع حكومة الإنقاذ للتنسيق معها. وحملت الناشطة لجنة الصليب الأحمر الدولية، والهلال الأحمر السوري، ومنظمات الأمم المتحدة التي كان لهم مكاتب في قلب دمشق، وتتواصل مع حكومة النظام، مسؤولية عدم تقديم جهد «فعال» في ملف المعتقلين والمفقودين. وقالت: «الغريب أنهم حتى بعد سقوط النظام، لم يتحركوا كما يفترض بهم، ولم يعلنوا عن وجود خطط لديهم في هذا الخصوص، مكتفين بإصدار بيانات روتينية».

وشهد محيط مشفى «المجتهد» انطلاق تشييع مهيب للشهيد مازن حماد المنحدر من دير الزور الذي قضى في معتقل صيدنايا بعد اعتقال أربع سنوات إثر عودته من ألمانيا إلى سوريا، وفق رفاقه عبر حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، وانضم إلى التشييع مئات السوريين مع عبوره شارع خالد بن الوليد والصلاة عليه في جامع عبد الرحمن بن عوف، قبل التوقف في ساحة محطة الحجاز، وهتف المشيعون: «الشعب يريد إعدامك يا بشار»، فيما انهمك أصحاب محلات بيع القرطاسية في الحلبوني المجاورة لمحطة الحجاز ببيع العلم السوري، وسط حركة سير خانقة تسببت بها الحشود التي التفت حول نعش الصحافي الراحل، قبل أن يتفرقوا؛ قسم بالسيارة باتجاه مقبرة نجها في ريف دمشق، وقسم باتجاه ساحة الأمويين للانضمام إلى المجاميع هناك، حيث تقام احتفالات شعبية يومية.

وعادت، اليوم الخميس، الحياة الطبيعية إلى دمشق، وخرج الأهالي في الأحياء ينظفون الشوارع ويغسلون الأرصفة وواجهات المحلات بالماء والصابون مع ترداد شعارات «الحرية»، و«واحد... الشعب السوري واحد».