شبان سوريون «بُترت» أحلامهم بسبب أحكام تنظيم داعش

«كنت أحلم أن صير طيارا وأسافر لكل دول العالم، اليوم بطلت الدراسة لإنو داعش قطعوا ايدي اليمين يلي كنت أكتب فيها»، بهذه الكلمات بدأ الشاب بشار قاسم محمود البالغ من العمر 17 عاماً رواية قصته، وكشف كيف انتزع عناصر تنظيم داعش الإرهابي منه الاعترافات تحت التعذيب، متّهمينه بسرقة هاتف جوال، ونفذوا حكم بتر يده اليمنى صيف العام 2015. وكان عمره آنذاك 15 سنة.
وأرهب تنظيم داعش الأهالي بأحكامه الجائرة، بعد سيطرة مسلحيه على مناطق كثيرة في سوريا، بعد إعلان دولته بشهر يونيو (حزيران) سنة 2014.
في منزله الطيني المتواضع في بلدة الهول التابعة لمدينة الحسكة (شرق سوريا)، التقت («الشرق الأوسط») مع الشاب بشار، وكان يجلس بجواره أخوه الأصغر محمد، فيما فضلت والدته الاستماع إلى الحديث وبقيت جالسة عند عتبة الباب، وارتسمت تجاعيد الحزن والقهر على وجهها.
بشار كان متفوقاً في دراسته، لكنه اليوم اضطر لترك مقاعد الدراسة حيث كان يكتب بيده اليمنى قبل بترها، وحاول مراراً الكتابة باليسرى دون جدوى، وقال: «بداية شهر يوليو (تموز) عام 2015 وأنا راجع من الحسكة حيث كنت بزيارة لبيت أختي، أوقفني حاجز التنظيم واتهموني بسرقة هاتف خلوي».
في حينها، كانت بلدة الهول ترزح تحت قبضة تنظيم داعش المتطرف، واقتيد بشار إلى السجن وتعرض لشتى أنواع التعذيب والضرب المبرح، وتابع كلامه: «المحقق اتهمني بسرقة موبايل أمير بتنظيم داعش، ولشدة الضرب اعترفت بالسرقة».
وبعد مرور شهر على حبسه، نقل بشار إلى بلدة الشدادي المجاورة للهول، في الطريق أخبره عناصر السجن أنه في طريقه إلى منزله. كان معصوب العينين، ولم يتمكن من مشاهدة شيء حتى لحظة سماع أصوات الناس من حوله، وقتها أدرك أنّ حكماً ما ينتظره، ويضيف: «بطرف عيني شفت المقصلة، ضربوني إبرة مخدر ثم قطعوا ايدي، يلي قهرني لحظتها ضحك الناس وصراخهم أنني سارق».
بعدها نقل بشار إلى مستوصف البلدة واضطر أهله لدفع غرامة مالية وأفرج عنه، وصدمت والدته بمنظر ابنها عندما عاد للمنزل بيد واحدة.
في حادثة مشابهة، التقت («الشرق الأوسط») بإبراهيم العلي وصديقه عبد الستار العايد الشابين العشيرينيين، اللذين يتحدران من بلدة منبج بريف حلب الشرقي، والاثنان سيتذكران طوال حياتهما يوم 5 يوليو 2016. حيث كانا ينتظران بفارغ الصبر استقبال أول أيام عيد الفطر، لكن أفراح العيد الملونة تحولت إلى لون أسود، إذ اقتيدا إلى ساحة عامة بمدينة الباب وقطعت يد كل منهما اليمنى، بتهمة بيع دراجتين ناريتين مسروقتين.
ولدى لقائه في منزله البسيط، قال إبراهيم: «بداية شهر يونيو العام الماضي، داهم عناصر الحسبة محلي وأخذوني مع عبد الستار. وفي السجن اتهمني المحقق ببيع دراجتين ناريتين وسألني كم قبضت سعرهما؟».
غير أن عبد الستار طلب من المحقق شهادة أصحاب الدراجات المسروقة وإثباتها، واستنكر قائلاً: «قلت للمحقق أعطوني دليلاً واحداً يثبت تورطي بالسرقة، لكنه أوعز للسجان بتعذيبي وضربي حتى اعترفت لهم».
وبعد مرور 45 يوماً من حبسهما، نقلا إلى بلدة الباب ونفذ الحكم بحقهما في أول أيام عيد الفطر العام الماضي، واضطرا لدفع غرامة مالية ثلاثة أضعاف سعر الدراجتين الناريتين مقابل الإفراج عنهما.
وتمنى الشبان الثلاثة بشار وإبراهيم وعبد الستار لو حكم القاضي عليهم بالموت؛ على أن يعيشا بيد واحدة، إذ تسبب حكم التنظيم بعاهة دائمة سترافقهما طوال حياة كل واحد منهما.
ويفضل بشار أن يخرج من البيت برفقة أخيه محمد وعدم الاختلاط مع الناس كثيراً. في حين يقضي إبراهيم وعبد الستار معظم الوقت في المنزل، يرافقهما الشعور بالخجل والعار عند خروجهما إلى الشارع.
ويرى الطبيب السوري جلال نوفل رئيس مركز الصحة النفسية ومقره غازي عنتاب ومهمته معالجة السوريين من صدمات الحرب، أن الحالات الثلاث التي تعرضت لعنف تنظيم (داعش) تعاني من ألمين: «الأول، ألم الطرف الشبحي حيث قد يرافق هؤلاء شعور بالألم مكان الجزء المبتور، كأن يشعر الشخص بحاجة لحك يده المقطوعة». ويدور الألم الثاني حول الصورة الاجتماعية المصاحبة للإنسان وخسارة جزء حميم من جسده «تنعكس عليه اجتماعيا ويرافقه شعور أنه غير مقبول، ومنبوذ».
ويؤكد الدكتور نوفل على ضرورة تركيب طرف صناعي والإسراع بالعلاج النفسي والطبي للشبان الثلاثة، ويلفت: «إذ كان المحيط الاجتماعي غير داعم ونابذ بشدة، فقد يضطر هؤلاء الأشخاص إلى تغيير مكان إقامتهم، لتحسين فرصة استجابتهم للعلاج والتعافي».
ولم يتسبب تنظيم داعش بعاهة دائمة لهؤلاء الشبان الثلاثة فحسب، بل حرموا من تحقيق أحلامهم ومتابعة حياتهم بشكل طبيعي. فبشار يعمل حالياً حارساً لفرن بلدة الهول مجبراً على الرغم أنه لا يحب عمله كثيراً، أما إبراهيم فلم يعد بمقدوره قيادة دراجته النارية المفضلة لديه بعد اليوم، لأنها تحتاج إلى يدين سليمتين.
وتلاشى حلم الزواج عند عبد الستار الذي كان مرتبطاً بفتاة من بلدته منبج، وبعد حكم التنظيم قرر أهل خطيبته فسخ خطبتهما لأنه سيكمل بقية حياته بيدٍ واحدة.