تمديد مهلة إخلاء آلاف اللاجئين من البقاع اللبناني

بعضهم وجد أماكن إيواء وآخرون ينتظرون... وتحذير من تفاقم النزاعات

تمديد مهلة إخلاء آلاف اللاجئين من البقاع اللبناني
TT

تمديد مهلة إخلاء آلاف اللاجئين من البقاع اللبناني

تمديد مهلة إخلاء آلاف اللاجئين من البقاع اللبناني

أعاد قرار إخلاء آلاف اللاجئين السوريين من مخيماتهم وأماكن إيوائهم في منطقتي رياق وزحلة في محافظة البقاع اللبنانية، قضية اللجوء في لبنان إلى الواجهة، بعدما كان رئيس الحكومة سعد الحريري وصفها مؤخراً بـ«القنبلة الموقوتة».
هذا القرار الذي يحاول بعضهم تبريره، يرى فيه آخرون إجحافاً بحق اللاجئين الذين لا يزال قسم كبير منهم لا يعرف إلى أين يذهب في لجوئه الثاني، وربما الثالث أو أكثر. وطلبت وزارة الدفاع اللبنانية من اللاجئين في منطقة رياق البقاعية إخلاء مخيماتهم لأسباب أمنية مرتبطة بمطار رياق العسكري، كما طلب رئيس بلدية زحلة من نحو 7 آلاف لاجئ مغادرة المنطقة من دون تقديم أسباب واضحة.
وفي حين كانت مدّة إخلاء نازحي رياق محدّدة بـ5 أبريل (نيسان) الحالي قبل أن تمدّد إلى الأربعاء الماضي لمنح اللاجئين والمنظمات العاملة معهم أياماً إضافية لتأمين أماكن إيواء لهم، كانت بلدية زحلة حدّدت أمس موعداً نهائياً للإخلاء، قبل أن تنجح المنظمات بتمديد المهلة. وبعدما تمكّن نحو 5500 نازح من أصل 11 ألفاً من مغادرة مخيمات رياق في قرى الدلهمية ورياق وتمنين الفوقا وتنميم التحتا وحوش الغنم، فلا يزال آخرون ينتظرون إيجاد حل لمشكلتهم، بحسب ما قال مصدر مطّلع لـ«الشرق الأوسط»، مع إصرار وزارة الدفاع، رغم تجاوبها مع الموضوع، على ضرورة الإخلاء.
وقال رئيس «اتحاد عشائر البقاع» الشيخ جاسم عسكر، إن «سكان هذه المخيمات من العشائر السورية في حمص وحماة والرقة»، كما أنهم «تاريخياً كانوا ينتقلون كل فصل صيف إلى المنطقة نفسها للعمل في الزراعة والحصاد، لذا هم معروفون من قبل المزارعين في المنطقة». أما بعد بدء الحرب في سوريا، فاضطرت هذه العشائر إلى الاستقرار في لبنان واختارت «سفوح السلسلة الشرقية». غير أنها انتقلت إلى منطقتي الدلهمية وتربل بعد إخلاء الجيش مخيماتها في السلسلة الشرقية قبل سنة، وهو الأمر الذي يتكرر اليوم.
وقال وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي لـ«الشرق الأوسط»، إن «قرار إخلاء المخيمات القريبة من مطار رياق العسكري اتخذته وزارة الدفاع لأسباب أمنية، لكن الخطأ الذي حصل هو عدم التنسيق مع الوزارات والمنظمات المعنية، ما أدى إلى بعض الإرباك... اليوم يتم العمل على احتواء الوضع».
أما فيما يتعلّق بقرار بلدية زحلة إخلاء اللاجئين، فأوضح مصدر مطلع على القضية لـ«الشرق الأوسط» أن رئيس البلدية يتسلح في جزء من قراره بعدم دفع هؤلاء الضريبة للبلدية في وقت يفترض فيه أن يدفعها صاحب الأرض التي استأجروها لإنشاء مخيماتهم، أما الجزء الثاني، فهو رفضه إسكان أكثر من عائلة في بيت واحد، رغم أن هذا الأمر يتم بموافقة صاحب المنزل. وكانت بلدية زحلة عمدت قبل أسابيع إلى إقفال عشرات المحلات التي يملكها سوريون.
أمام هذه البلبلة التي دخل على خط حلّها أكثر من طرف، يرى المصدر أن مشكلة اللاجئين في لبنان بدأت تتفاقم في المرحلة الأخيرة بشكل متزايد، وأن «الوضع الأمني لا يزال تحت السيطرة، إنما المشكلة تتمثل في المشكلات والنزاعات التي بدأت تظهر بشكل كبير بين المجتمع المحلي واللاجئين لأسباب عدّة أهمها المنافسة على العمل، وهو الأمر الذي قد يتفجر في أي وقت إذا لم يتم إيجاد الحلول اللازمة له».
هذا الواقع يشير إليه أيضاً الوزير المرعبي، مؤكداً في الوقت عينه «أهمية التنسيق بين الوزارات في موضوع اللاجئين، نظراً إلى تقاطعه مع قضايا عدّة من وزارة الشؤون إلى الصحة والتربية والداخلية». ولفت إلى أن «وزارة الداخلية تعمل اليوم على موضوعين رئيسيين لتنظيم وجود السوريين في لبنان، هما تسجيل وتصنيف اللاجئين والعمل على تسجيل كل الولادات لتكون الدولة اللبنانية على علم بأماكن وجودهم».
ولم ينف المرعبي صعوبة التعامل مع هذه القضية في لبنان بعد سبع سنوات من الأزمة وعدم اتخاذ قرار بإنشاء مخيمات، وهو الأمر الذي لا يمكن القيام به اليوم، مشيراً إلى «تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن وجود أكثر من مليون لاجئ في لبنان، خصوصاً في المناطق النائية التي كانت ولا تزال تعاني من الفقر والإهمال، لتأتي أزمة اللجوء وتضاعف المشكلة، بحيث باتت تسجّل نزاعات بين المواطنين واللاجئين على خلفية المياه والكهرباء وغيرها». وشدد على ضرورة «تجاوب المجتمع الدولي مع الاقتراحات التي قدمها لبنان في مؤتمر بروكسل» الشهر الماضي، مشيراً إلى أن «الوزارات تعمل على خطّة مفصّلة في هذا الإطار تمهيداً لتقديمها للجهات المعنية».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.