الرئيس الأميركي دونالد ترمب ينظر خارج نافذة مكتبه في البيت الأبيض (رويترز)
بيروت:«الشرق الأوسط»
TT
بيروت:«الشرق الأوسط»
TT
ترمب يحن لحياته السابقة... فماذا يشتاق؟
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ينظر خارج نافذة مكتبه في البيت الأبيض (رويترز)
يحن لقيادة السيارات ويشعر وكأنه محبوس في شرنقة، لم يكن يدرك مدى صعوبة وظيفته الجديدة!
وخلال حوار أجرته رويترز عن أول 100 يوم في عمله، بدا الرئيس الأميركي دونالد ترمب تواقا لحياته قبل دخول البيت الأبيض.
«كنت أعشق حياتي السابقة. كانت لدي أشياء كثيرة جدا... الآن لدي عمل أكثر مما كان في حياتي الماضية. كنت أظن أن الأمر سيكون أسهل» بهذه العبارات عبر ترمب عن المراحل الأولى لتجربته الصعبة.
وبعد أن كان رجل أعمال ثريا في نيويورك، تولى ترمب منصبا عاما لأول مرة حين دخل البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني)، ذلك جراء تفوقه على منافسته، وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
أكثر من خمسة أشهر مرت على فوزه، وقبل يومين من إتمامه أول 100 يوم في الرئاسة، لا تزال الانتخابات عالقة في ذهنه. وبينما كان الحديث يدور حول الرئيس الصيني شي جينبينغ، توقف ترمب ليقدم
نسخا مما قال إنها أحدث أرقام على خريطة انتخابات 2016.
وقال الرئيس الجمهوري من مكتبه في البيت الأبيض: «تفضلوا، يمكنكم أخذ هذا. هذه هي الخريطة الأخيرة للأرقام». وسلم نسخا لخرائط للولايات المتحدة عليها علامات باللون الأحمر على المناطق التي فاز فيها. وتساءل «هذا يبدو جيدا جدا. أليس كذلك؟ من الواضح أن الأحمر يمثلنا».
أفاد ترمب أنه لم يكن ينعم بالخصوصية في «حياته الماضية» لكنه عبر عن اندهاشه لضآلة القدر المتوافر الآن. وتحدث كيف أنه لا يزال يحاول التعود على وجود حماية من جهاز الأمن الداخلي على مدار الأربع والعشرين ساعة، وما يفرضه ذلك من قيود.
وتابع: «أنت تعيش فعليا داخل شرنقتك الصغيرة، لأن هناك مثل هذه الحماية الضخمة التي تحرمك من الذهاب لأي مكان».
وعندما يغادر الرئيس البيت الأبيض فإنه يستقل عادة سيارة فارهة أو سيارة دفع رباعي.
وقال إنه يحن للقيادة بنفسه... «أحب القيادة... لم يعد بمقدوري ذلك».
لم تتغير أشياء كثيرة في حياة ترمب التي انتقل فيها إلى الرئاسة بعد أن كان يقدم حلقات من برامج الواقع، ورجل أعمال يدير إمبراطوريته من الطابق السادس والعشرين من برج ترمب في نيويورك، وتكاد اتصالاته الهاتفية لا تتوقف. وهو يداوم الاتصال بأصدقائه وزملائه السابقين طلبا للنصح وتلقي الدعم الإيجابي. ويقول كبار مساعديه إنهم أذعنوا لهذا الأمر.
واختلف ترمب مع كثير من المؤسسات الإخبارية منذ حملته الانتخابية. وقرر عدم حضور عشاء مراسلي البيت الأبيض في واشنطن يوم السبت الماضي، لأنه يشعر أن وسائل الإعلام لم تنصفه.
«سأحضر العام المقبل قطعا!» بهذه الإجابة رد على سؤال إن كان سيحضر ذلك الحدث في المستقبل.
وتنظم مأدبة العشاء، رابطة مراسلي البيت الأبيض التي يرأسها جيف ميسون، مراسل «رويترز».
2025... عام ملء الفراغات؟https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/5098475-2025-%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%85%D9%84%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%A7%D8%BA%D8%A7%D8%AA%D8%9F
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.
يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟
بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.
دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.
بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».
حال العالم
في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.
في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.
وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.
يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟
إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.
شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.
التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ
مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.
تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.
في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟