ميليشيات تمنع نازحي بيجي من العودة... بأوامر إيرانية

ميليشيات تمنع نازحي بيجي من العودة... بأوامر إيرانية
TT

ميليشيات تمنع نازحي بيجي من العودة... بأوامر إيرانية

ميليشيات تمنع نازحي بيجي من العودة... بأوامر إيرانية

رغم مرور نحو عامين على تحرير القوات العراقية لقضاء بيجي الاستراتيجي التابع لمحافظة صلاح الدين شمال بغداد، إلا أن سكان القضاء والنواحي والبلدات التابعة له لا يستطيعون العودة إليه بأمر من النظام الإيراني والميليشيات الشيعية التابعة له.
وكشف نازحون من المنطقة، الذين يعيشون حاليا في إقليم كردستان أن ميليشيا الحشد الشعبي تطالب النازحين بمبلغ 10 مليارات دينار عراقي كفدية مقابل السماح لسكان هذا القضاء بالعودة إليه. ينتظر أبو يوسف، أحد شيوخ عشائر محافظة صلاح الدين منذ أكثر من عامين اليوم الذي يعود فيه مرة أخرى إلى مدينته بيجي التي تركها بعد أن احتلها مسلحو «داعش» عام 2014. يقول أبو يوسف لـ«الشرق الأوسط»: «الميليشيات الشيعية المنضوية في الحشد الشعبي تمنع أهالي بيجي من العودة إليه، نحن حاولنا عدة مرات أن نعود إلى مدينتنا لكنهم منعونا، وقالوا لنا إن معركة تحرير هذا القضاء ألحقت بالحشد خسائر كبيرة».
ويردف أبو يوسف «خلال العامين الماضيين التقينا بقادة الحشد الشعبي، وهم طلبوا منا أن نعطيهم مبلغ 10 مليارات دينار عراقي مقابل إصدار أمر لقطعاتهم بالسماح لنازحي بيجي المتواجدين في كردستان بالعودة إليها». وأضاف: «رئيس الوزراء حيدر العبادي أصدر قرارا يقضي بالسماح للنازحين بالعودة إلى القضاء، لكن القرار لم ينفذ... مصدر مسؤول في الحكومة العراقية أكد لنا أن قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائبه الذي أصبح خلال الأيام الماضية سفيرا لإيران لدى العراق، إيرج مسجدي، هما اللذان يمنعان عودتنا إلى هذه المناطق».
وخاضت القوات العراقية خلال عامي 2014 و2015 معارك شرسة وعمليات كر وفر مع مسلحي «داعش» لاستعادة السيطرة على بيجي التي تحتل أهمية استراتيجية حيث كانت تحتضن أكبر مصفاة للنفط في العراق (المصفاة متوقفة عن العمل حاليا بسبب الدمار الكبير الذي لحق بها، حيث كشفت الجهات الرسمية في محافظة صلاح الدين أن نسبة الدمار فيها تجاوزت 60 في المائة) وكذلك تعرضت المنشأة الصناعية داخل المصفاة للتدمير، ويشكل هذا القضاء نقطة وصل بين محافظات كركوك والموصل والأنبار.
بدوره بين الشيخ العام لعشيرة البوصقر في العراق، الشيخ فارس ملا جياد، لـ«الشرق الأوسط»: «موضوع عودتنا هو خارج سلطة الحكومة العراقية، حتى أن مرجعية الشيعة في العراق التي توجهنا لها كي تساعدنا في العودة، لم تستطع فعل شيء لأن الحشد الشعبي رفضوا قرارها بالسماح لنا بالعودة»، مبينا أن أوضاع نازحي بيجي متدهورة جدا ويعيشون أوضاعا صعبة ومن الضروري أن يعودوا إلى مناطقهم ليعيدوا إعمارها بعد أن دمرتها الحرب، داعيا الحكومة العراقية إلى تعويض النازحين الذين دُمرت وأحرقت ونُهبت منازلهم في بيجي وأطرافها، وأوضح أن منزله ومنازل أكثر من 48 شخصا من أقاربهم دُمرت بالكامل خلال العامين الماضيين.
من جانبه بين المواطن أحمد الحديثي من سكان بيجي لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة تكمن في أن مجموعة من فصائل الحشد الشعبي تتحكم ببيجي، وما أن ترضي هذا الفصيل إلا ويظهر لك فصيل آخر يمنعك من العودة، لذا يجب أن يكون هناك تنسيق بين هذه الفصائل وموافقة من جميعها حتى نتمكن نحن المواطنين سكان هذا القضاء الأصليين من العودة إلى منازلنا». ويرى هذا المواطن أن عدم الاستقرار الأمني في المنطقة هو الآخر يعيق عملية العودة لأن «داعش» ما زال موجودا في معامل الحراريات التي لا تبعد سوى 7 كيلومترات من وسط بيجي، وكذلك من ناحية الأنبار هناك تواجد للتنظيم، وهم يشنون بين حين وآخر هجمات على بيجي.
في غضون ذلك يجزم عضو مجلس قضاء بيجي، سعد القيسي على أن أسباب عدم السماح لسكان القضاء بالعودة إليه مخفية حتى الآن، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «البعض من قادة الحشد الشعبي أبلغونا أنهم ينتظرون الأوامر للسماح بعودة السكان، لكن نحن نتساءل أوامر ممن؟ فالأمر الذي أصدره رئيس الوزراء لم يكن له جدوى»، مشيرا إلى أن المشكلة ليست في بيجي وحدها بل تشمل أيضا منطقة العوجة وناحية يثرب اللتين ما زالتا خاليتين من سكانهما أيضا. وشدد القيسي بالقول: «هناك مساحة من القضاء لم تحرر بعد وهي الممتدة من خلف مصفاة بيجي باتجاه كركوك، وأيضا أسباب عدم تحريرها غير معروف، في حين عاد سكان قضاء الشرقاط إلى الجانب الأيمن المحرر من مدينتهم التي ما زال الجانب الأيسر منها تحت سيطرة التنظيم».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.