حماس تفرج عن معتقلي فتح «على طريق المصالحة»

عباس ومشعل بحثا في الدوحة قوائم وزراء حكومة التوافق

الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي  لحركة حماس خالد مشعل لدى لقائهما في الدوحة أمس (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل لدى لقائهما في الدوحة أمس (رويترز)
TT

حماس تفرج عن معتقلي فتح «على طريق المصالحة»

الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي  لحركة حماس خالد مشعل لدى لقائهما في الدوحة أمس (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل لدى لقائهما في الدوحة أمس (رويترز)

دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، إلى الإسراع في تشكيل حكومة توافق وطني لطي صفحة الانقسام نهائيا بين حركة فتح وحماس، وعبَّرا خلال لقاء جمعهما، أمس، في العاصمة القطرية الدوحة عن إرادتهما الجادّة في بناء صفحة جديدة قائمة على أساس «الشراكة الوطنية».
وقالت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن «عباس ومشعل لم يتطرقا إلى تفاصيل التفاصيل، لكنهما تباحثا في العناوين العريضة، وناقشا مسألة تشكيل الحكومة وإعادة تشكيل وإحياء منظمة التحرير والمفاوضات والتحركات السياسية المستقبلية».
وكان عباس وصل إلى الدوحة، أول من أمس (الأحد)، لحضور حفل زفاف حفيده في العاصمة التي يعمل فيها أحد أبنائه، لكنه استغل الرحلة للقاء الأمير القطري تميم بن حمد إضافة إلى زعيم حماس. وبحسب المصادر، فإن عباس تباحث مع أمير قطر ومشعل «مسألة المصالحة المجتمعية باعتبارها الملف الأكثر حاجة إلى دعم مالي».
وأكدت المصادر أن قطر كانت استعدت في السابق للمشاركة في هذا الملف، عبر دفع مبلغ خمسة ملايين دولار، وأن آليات ذلك وكيفية الحصول على المبالغ المتبقية بحثت أيضا. وثمة تقديرات بأن المصالحة المجتمعية بحاجة إلى أكثر من 60 مليون دولار، كما أنها أحد أهم شروط اتفاق المصالحة، ويفترض أن يجري بموجبها دفع ديات وتعويضات ومصاريف لعائلات فقدت أبناءها وتضررت بسبب الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس، الذي سبق سيطرة الحركة الإسلامية على القطاع منتصف 2007.
وقرر عباس ومشعل، أمس، تقديم كل ما يمكن لتهيئة الأجواء لذلك. ويعد لقاء الرجلين الأول منذ عقد اتفاق المصالحة الذي وقع في غزة في 23 أبريل (نيسان) الماضي بعد أن كان آخر لقاء لهما في القاهرة في يناير (كانون الثاني) 2013.
وفي غضون ذلك، قال بيان صادر عن حركة حماس إن عباس ومشعل «عقدا اجتماعا مطولا في العاصمة القطرية الدوحة تباحثا فيه بآخر المستجدات في الساحة الفلسطينية وتطورات القضية وعلى رأسها اتفاق المصالحة الوطنية وتكريس الأجواء الإيجابية لتحقيقها».
وأضاف البيان أن الاجتماع سادته «أجواء إيجابية عبر خلالها كل من القائدين الفلسطينيين عن إرادتهما الجادة في بناء صفحة جديدة قائمة على أساس الشراكة الوطنية».
وفورا، أعلنت حماس عن سلسلة قرارات في هذا الاتجاه، إذ وقع رئيس الوزراء المقال في غزة، إسماعيل هنية مرسوما بالإفراج عن كل معتقلي حركة فتح الأمنيين والسياسيين.
وجاء ذلك غداة إعلان حكومة حماس عن إجراءات لعودة 3000 عنصر يعملون في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، وضمهم للعمل في الأجهزة الأمنية في غزة.
وأكد عيسى النشار، مستشار هنية، في هذا السياق، أن الأسابيع الثلاثة المقبلة ستشهد الإعلان عن حكومة التوافق.
وأضاف النشار في تصريحات مكتوبة وزعتها حكومة غزة: «ننتظر وفدا من رام الله لمناقشة أسماء الوزراء (...) أعضاء الحكومة المقبلة سيكونون من خارج الفصائل والأحزاب وفق ما اتفق عليه، لتكون حكومة تكنوقراط لا برنامج سياسي لها ولا تتبنى أيا من الرؤى السياسية للفصائل، والهدف الرئيس لها هو تسيير مجريات الأمور وصولا للانتخابات بعد ستة أشهر من تشكيل الحكومة».
وحول ملف الأمن والأجهزة الأمنية، أوضح النشار أن الأجهزة الأمنية في الضفة وغزة لن يطرأ عليها أي تغيير في الفترة المقبلة، وذلك حتى تنفيذ ما اتفق عليه في ملف الأمن والمتعلق بالعقيدة الأمنية والمهام وغيرها.
وتحدث النشار عن جهود حكومته، لخلق أجواء إيجابية، كإعادة توزيع الصحف وإطلاق الحريات والإفراج عن محكومين أمنيين وغيرها، داعيا السلطة بالضفة لتقديم ما يدفع المصالحة للأمام.
وكان يفترض أن يصل وفد من فتح يرأسه مسؤول ملف المصالحة عزام الأحمد إلى غزة، أمس، لكن تقرر إرجاء الزيارة لحين عودة أبو مازن المتوقعة بعد يومين إلى الضفة الغربية. ويتوقع أن يحمل الأحمد معه أسماء الوزراء الذين ترشحهم فتح من أجل تشكيل الحكومة على أن تكون حماس جهزت قائمة بأسماء الوزراء الذين ترشحهم كذلك، من أجل التوافق على عدد منهم.
وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي تبثها الحركتان، فإن ناطقين من الطرفين تبادلا اتهامات بشأن قضايا سياسية وإدارية. واتهمت فتح حركة حماس بمحاولة «استغلال المصالحة لتحقيق أهداف خاصة».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.