نتائج الانتخابات الفرنسية تطمئن أسواق المال العالمية

بارتياح كبير، استقبلت أسواق العالم نتائج الجولة الأولى للانتخابات الفرنسية، التي جاءت وفق التوقعات السابقة ببلوغ كل من مرشح الوسط إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان المرحلة النهائية للانتخابات. وتمثل هذا الارتياح في صعود المخاطرة بالأسواق، وتراجع الملاذات الآمنة على وجه العموم.
وقبل إجراء الجولة الأولى للانتخابات، كانت الترشيحات تصب في خانتي ماكرون ولوبان للفوز بغالبية الأصوات، وهو الثنائي الأكثر إراحة لأسواق المال والمستثمرين في المرحلة الأولى؛ وذلك على الرغم من حقيقة أن لوبان تمثل خطرا داهما على الاقتصاد الدولي في حال فوزها بالرئاسة نظرا لمعاداتها للوحدة الأوروبية وميولها الانفصالية، إضافة إلى تشجيعها الواضح للحمائية التجارية.
لكن صعود ماكرون ولوبان معا - في رأي محللي الأسواق وخبراء الاقتصاد - يعني أن حظوظ ماكرون ستكون الأكبر للفوز بالرئاسة في الجولة الثانية المزمع أجرائها في 7 مايو (أيار) المقبل، نظرا لأن الأطراف الخاسرة للجولة الأولى ستجتمع خلفه كونها تتفق بالأساس في معارضة لوبان؛ وهو ما حدث بالفعل بإعلان كل من المرشحين الخاسرين فرنسوا فيون وبنوا هامون تأييدهما لماكرون في الجولة الثانية. أما إذا ما كانت الأوراق اختلطت بتركيبة ثنائية مختلفة من الفائزين في الجولة الأولى، فإن النتائج النهائية كانت ستصبح أكثر ارتباكا، وأشد قلقا بالنسبة إلى أسواق المال العالمية. ويرى محللو بنك ناتيكسيس أن «الاقتراع الثاني إيجابي للأسواق»، مشيرين إلى «إن المستثمرين يشعرون بالارتياح».
* ابتهاج بالأسواق العالمية:
وانعكست نتائج الانتخابات على الفور على التعاملات العالمية أمس، إذ انخفض سعر الذهب بأكثر من 1 في المائة صباح أمس مع اتجاه المستثمرين بشكل أكبر نحو «المخاطرة»، والتي أصبحت أكثر «أمنا» في كنف ثنائية ماكرون - لوبان، وارتفع سعر اليورو مقابل سلة العملات ليصل إلى أعلى مستوياته منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وانخفض الين - الذي يعد ملاذا أمنا بدوره - بنحو 2 في المائة أمام العملة الأوروبية.. فيما ارتفعت مؤشرات الأسهم الأوروبية بشكل كبير وسط موجة صعود للأصول عالية المخاطر، بقيادة أسهم الشركات والبنوك الفرنسية على وجه الخصوص، حيث ارتفعت الأسهم الفرنسية لأعلى مستوى لها منذ تسعة أعوام، كما ارتفعت الأسهم الألمانية لمستوى قياسي.
واعتبر سيباستيان غالي، المحلل لدى دويتشه بنك إيه جي بنيويورك، في تصريح لقناة بلومبرغ، إنه «السيناريو المثالي الذي كانت تحلم به الأسواق»؛ وذلك بعد صدمات استفتاء الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي في يونيو (حزيران) الماضي، وتولي «الحمائي» دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة.
وارتفع مؤشر «يورو ستوكس 50» بنسبة 3.95 في المائة ليصل إلى 3576.05 نقطة، محققا أعلى مستوى له منذ أغسطس (آب) 2015، وارتفع مؤشر «كاك 40» الفرنسي بنسبة 4.51 في المائة، ليبلغ مستوى 5287.13 نقطة، فيما يعد أعلى معدل له منذ يناير (كانون الثاني) عام 2008، كما ارتفع مؤشر «داكس» في بورصة فرانكفورت بنسبة 2.85 في المائة، ليصل إلى 12392.38 نقطة خلال بداية التداولات أمس، وارتفعت أسهم بورصة لندن بنسبة 1.76 في المائة لتصل إلى 7239.91 نقطة.
وفي مؤشر هام، تقلص الفارق بين السندات الفرنسية لأجل عشر سنوات مع نظيرتها الألمانية بشكل واضح، ما يدل على تفاؤل المستثمرين إزاء نوعية الدين الفرنسي وعودتهم مجددا إلى المخاطرة.
وقبل افتتاح بورصات أوروبا، كانت أسواق المال الآسيوية حددت الاتجاه، فأنهت بورصة طوكيو على ارتفاع بنسبة 1.37 في المائة، في حين كانت بورصات أخرى في المنطقة ذاتها على ارتفاع أيضا.
وفي الولايات المتحدة، سجل مؤشر «ناسداك» مستوى قياسيا مرتفعا عند الفتح أمس مع صعود المؤشرين الآخرين أيضا. وارتفع مؤشر «داو جونز الصناعي» 212.56 نقطة، بما يعادل 1.03 في المائة، ليصل إلى 20760.32 نقطة، وهي أعلى مستوياته في أكثر من شهر. وزاد مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بمقدار 25.41 نقطة، أو 1.08 في المائة، ليسجل 2374.1 نقطة. وتقدم مؤشر «ناسداك المجمع» 69.55 نقطة، أو 1.18 في المائة، إلى 5980.08 نقطة.
وقال يوجي سايتو، المحلل لدى «كريدي أغريكول» لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «رد الفعل الأولي للأسواق كان أقوى من المتوقع، ما يؤشر إلى أنها كانت في وضع تأهب».. مضيفا أن الأسواق «كانت لديها أسباب وجيهة للحذر، حيث إن المنافسة كانت محتدمة بين أربعة مرشحين وسط صعوبة في التكهن بالنتيجة».
أما بالنسبة للمستثمرين، فيبدو أن الأمر حسم. وقال المحلل راي اتريل: «إنهم يعتبرون أن الأمر حسم، وأن ماكرون سيكون الرئيس المقبل للجمهورية بعد أسبوعين». وقال محللو ساكسو بنك إن «السؤال سيطرح على الأمد الطويل بشأن قدرة ماكرون على جمع أغلبية برلمانية مستقرة حوله. والموعد القادم سيكون في يونيو مع الانتخابات التشريعية».
* تباين الرؤى الاقتصادية:
وبالنظر إلى توجهات مرشحي الرئاسة، وفي الشق الاقتصادي منها على وجه الخصوص، فإن لوبان تعتزم التفاوض مع بروكسل حول الخروج من منطقة اليورو ومن فضاء شينغن. وفي ختام المفاوضات، سوف تنظم استفتاء شعبيا حول انتماء فرنسا إلى الاتحاد الأوروبي، فيما يعرف بـ«الفريكسيت» على غرار «البريكسيت» البريطاني. كما تطالب لوبان بوقف العمل بالمذكرة الأوروبية حول تنقل العمال الأوروبيين بين دول الاتحاد، وترفض «الاتفاقية الاقتصادية والتجارية الشاملة» (سيتا) الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وكندا. وأيضا تقف ضد الهجرة وترفض تسوية أوضاع الأجانب «غير الشرعيين» في فرنسا، وتدعو إلى «طرد تلقائي» ومباشر للأجانب المخالفين من بلادها، وإلى إلغاء الحق المباشر بالجنسية للمولودين على الأراضي الفرنسية، ووقف المساعدات الطبية للأجانب، وحظر مظاهر الملابس الإسلامية بشكل كبير.
أما ماكرون، فيعرض عقد «مؤتمرات ديمقراطية» في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي بعد الانتخابات الألمانية في خريف 2017، بهدف التوصل إلى وضع مشروع تتبناه جميع الدول الراغبة بذلك. كما يدعو إلى إنشاء ميزانية وبرلمان لمنطقة اليورو، مع استحداث وزير للمالية خاص بها. ويعتزم تخفيض المهلة المسموح بها لإقامة عامل أجنبي من الاتحاد الأوروبي في فرنسا إلى سنة فقط، كما يدافع عن اتفاقية «سيتا»، ومواقفه من الأجانب والمهاجرين والأقليات أكثر توافقية من لوبان.
على الجانب الآخر، فإن خطط ماكرون إزاء العمالة أكثر حدة، إذ يعتزم إلغاء نحو 120 ألف وظيفة رسمية وتعليق المساعدات لـ«العاطلين بإرادتهم»، فيما تدعو لوبان إلى إعادة سن التقاعد إلى الستين، وزيادة عدد الوظائف الحكومية.
وتدعو لوبان إلى فرض ضرائب بنسبة 35 في المائة على منتجات الشركات التي تنقل مصانعها إلى خارج فرنسا، وتغريم توظيف أجانب. كما تعتزم خفض ضريبة الدخل بـ10 في المائة على شرائحه الثلاث الأكثر تدنيا. وستلغي الاقتطاع الضريبي من المصدر المقرر العمل به اعتبارا من عام 2018، فيما يعتزم ماكرون اختبار هذا الإجراء لمدة عام.
ويدعو ماكرون إلى إعفاء 80 في المائة من الأسر من ضريبة السكن في غضون مهلة ثلاث سنوات، وتحويل الضريبة على الثروة إلى «ضريبة على الثروة العقارية» مع إعفاء الثروة المالية منها. أما لوبان، فلن تمس بهذه الضريبة.
وستخفض لوبان ضريبة القيمة المضافة على مربي المواشي الفرنسيين، فيما تعهد ماكرون بعدم إضافة أي معايير فرنسية إلى المعايير الأوروبية المفروضة على المزارعين.